الصفات السبعة للفكر التكفيري

January 26th 2013 | كتبها

من يفجر نفسه في مدنيين عرب، ومن يضع المتفجرات في سوق أو شارع مزدحم أو مرفق عام، ومن يهم بجز عنق أو أوصال مواطن عربي آخر، أو أسير أو جريح، لم يولد بالضرورة مختلاً أو مجرماً أو معتوهاً أو مشبعاً بالكراهية العمياء لهذا الحد، بل ثمة “ثقافة” و”فكر” اخترقه كالفيروس ليحوله إلى أداة طيعة قابلة للاستخدام الدموي، أداة لا تعقِل، ولا يمكن التفاهم معها بالحوار، ويسهل إطلاق عنفها المجنون ممن يخططون ببرود لاستهداف الوطن والمواطن.

ومع أن اللحظات التي تنفلت فيها جحافل “الحشاشين الجدد” من عقالها ليست أبداً لحظات حوار أو مناظرات عقلية، حين لا يعود ثمة مفر من واجب إيقافهم عند حدهم لاحتواء الدم والدمار الذي يتركونه في أثرهم، فإن ذلك لا يعفينا من التفكير ملياً بتلك “الثقافة” وذلك “الفكر” الذي يدمن حامله القتل والتمثيل والتفجير والتدمير وسفك الدماء وقتل المدنيين.

فهو أولاً “فكر” يتطلب تعطيل العقل تماماً، ولهذا يمثل التتمة الطبيعية لفتاوى “إرضاع الكبير” و”نكاح الوداع” الخ…  فهو “فكر” اللافكر الذي يعادي العقل من ناحية مبدئية، ويرفض أحكامه المنطقية.

وهو ثانياً “فكر” يتطلب تعطيل الإيمان، وكل ما هو سامٍ ومتسامح ورحيم في الدين، واستبداله بتفسيرات وحشية متعصبة لم يعرف لها الإسلام مثيلاً في تاريخه.  وكما جاء في سورة يونس: ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.

وهو ثالثاً “فكر” معادٍ للإنسان كإنسان، يحتقر الحياة البشرية، وكل ما يمثله الإنسان من مشاعر وأفكار وقوة وضعف وعلاقات إجتماعية وحريات شخصية.  وتشكل استباحة الإنسان وحياته وأمنه وحريته هنا انتهاكاً صريحاً للحكم القرآني الوارد في سورة المائدة: أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا.

وهو رابعاً “فكر” مناهض لفكرة الوطن، يحول المواطن المخالف في الطائفة أو العرق، أو الذي ينتمي لنفس الطائفة سوى أنه يرفض مبايعة “عصبة الحشاشين الدمويين”، إلى هدفٍ لا عصمة لدمائه وأمنه وبيته وأملاكه، مما يقوض النسيج الاجتماعي ويفتح الباب على مصراعيه للحروب الأهلية والتهجير والتدمير وتفكيك المجتمعات.

وهو خامساً “فكر” يشكل النقيض الموضوعي لفكرة النهضة التي اشتغل بها مفكرو العرب منذ محمد علي باشا في بداية القرن التاسع عشر، وهو “فكر” معادٍ صراحة لمفهوم الدولة الوطنية، وللفكرة القومية، العروبية بالأخص.

وهو سادساً “فكر” معادٍ للمرأة ككيان، وكوجود، وكحقوق، يريد وأدها وهي حية، إذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت…  والوأد في القرن الواحد والعشرين له أشكالٌ أدهى وأمر من أشكاله الجاهلية القديمة.

وهو سابعاً “فكر” رعاه الاستعمار واستخدمه تاريخياً لضرب تجارب النهضة والتحرر الوطني في العالم الثالث، من الهند لأفغانستان للوطن العربي، فهو “فكر” يبرر لنفسه التعاون مع الاستعمار عندما يرى ممثلوه ذلك مناسباً…  والغريب أن هذا هو الجانب الوحيد “المرن” في ذلك “الفكر”.

لذلك كله لا بد من إعادة إحياء الفكر القومي العروبي، والفكر النهضوي بكل أشكاله، وفكر التحرر الاجتماعي والوطني، كشرط ضروري لمعالجة الظاهرة الشيطانية من جذورها، حتى لا نبقى في حيز الحلول الدموية التي تمثل في الواقع نقطة قوة “فكر” اللافكر و”ثقافة” مناهضة الوطن والإنسان.

وما كان لمثل هذا “الفكر” أن ينمو لولا ضمور الفكر القومي واليساري والإسلامي المتنور…

 

إبراهيم علوش

 

للمشاركة على الفيسبوك:

http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=596608287023077&id=100000217333066

 

الموضوعات المرتبطة

المنظومة الرسمية العربية في الميزان الغزاوي

  إبراهيم علوش – الميادين نت     كشفت المنظومة الرسمية العربية، مجدداً، عجزها عن الدفاع عن الأمن القومي العربي، حتى بأدنى سقفٍ ممكن، أو عن تواطئها عليه، أولاً، كمنظومة تجزئة، صممت كي تترك [...]

قراءة في استراتيجية الاحتلال العسكرية في غزة

  إبراهيم علوش  - الميادين نت     يقول المفكر العسكري الاستراتيجي كارل فون كلاوزفيتز في مرجعه الشهير "في الحرب" On War: "ليس هناك في الحياة، بصورةٍ عامة، ما هو أكثر أهميةً من إيجاد الزاوية [...]

معركة غزة الميدانية ما برحت في بداياتها

    إبراهيم علوش – الميادين نت لا خوف على غزة ومقاومتها إذا تمكن العدو الصهيوني من اختراقها برياً في بعض المواضع، ولا يجوز أن تنهار المعنويات حتى لو صدقت التقارير والخرائط والفيديوهات [...]

هل جاء تدمير مباني غزة رداً على “طوفان الأقصى”؟

    إبراهيم علوش – الميادين نت يسوق البعض الدمار الكبير الذي ألحقه الاحتلال الصهيوني بقطاع غزة "حجةً" على المقاومة الفلسطينية بصورةٍ عامة، وعملية "طوفان الأقصى" بصورةٍ خاصة، في أنها منحت [...]

دفاعاً عن ثقافة المقاومة، ورداً على المشككين بالطوفان

  إبراهيم علوش – الميادين نت انطلق منذ الأيام الأولى لعملية "طوفان الأقصى" المبدعة وابلٌ من السهام المشككة في مشروعيتها مبدئياً ووجاهتها سياسياً.  وكان الغربيون والصهاينة أول من سارع إلى [...]
2023 الصوت العربي الحر.