كراس ماوتسي تونغ “ضد الليبرالية” للقوميين العرب

June 7th 2013 | كتبها

 

يُقال: اطلبوا العلم ولو في الصين، وكراس “ضد الليبرالية” للزعيم الصيني الراحل ماوتسي تونغ كراسٌ صغير جداً من بضع مئات من الكلمات فحسب كُتب عام 1937، لكن ما ورد فيه يستحق الدراسة بعناية اليوم أكثر من أي وقت مضى بعد أن انتشرت النزعات الليبرالية في كل مكان. 

 

وإذا كان ماوتسي تونغ يستخدم هنا تعبير الليبرالية بمعنى “غير مبدئي”، أو غير ملتزم بالمصلحة العامة أو غير حريص على مصلحة الحزب، أو انتهازي يضع مصلحته الشخصية فوق المصلحة العامة، فإن جوهر الليبرالية يبقى جعل الفرد ومصلحته وأهوائه مرجعية السلوك والأخلاق، كبديل للمرجعية الجماعية، وهو ما يناقض المصلحة القومية ومصلحة العمل القومي بالضرورة أيضاً. 

 

ولو غيرنا مصطلح “شيوعي” و”شيوعية” في كراس ماوتسي تونغ إلى “قومي” و”قومية”، فإننا نجد أن الكراس الصغير ينطبق بسهولة، بعد مرور 76 عاماً على نشره، على بعض ظواهر عملنا القومي العربي في العام 2013 أيضاً، كما على غير القوميين.  وليس ذلك غريباً، فلقد كان ماوتسي تونغ قومياً يسارياً في الواقع، وكان مشروعه السياسي يتمحور حول تحرير الصين من الاحتلال والتبعية، وتوحيدها، والنهوض بها، كمقدمة لبناء الاشتراكية. 

 

وقد لا يشعر القارئ الكريم أن ماوتسي تونغ استند لتراث الصين القومي في الحديث عن ضرورة خوض الصراع العقائدي (الأيديولوجي) الإيجابي في مواجهة النزعة الفردية السلبية، فالفكرة مستمدة ليس من جدل هيجل بمقدار ما هي مستمدة من مفهوم “الين-يانغ” في الفلسفة الصينية القديمة الذي يمثل دائرة يتحد فيها ضدان هما الأبيض والأسود…

 

المهم، فلنقرأ هذا الكراس الصغير جداً بروية وتمعن لأن فيه فائدة كبيرة للقوميين العرب اليوم.

 

أبو ذر القومي

********************************************

ضد الليبرالية


ماو تسي تونغ


شتنبر 1937

إننا ندعو إلى الصراع الإيديولوجي الإيجابي، لأنه سلاح يمكننا من تحقيق الوحدة داخل الحزب والمنظمات الثورية حتى تكون أكثر كفاءة في خوض النضال. فيجب على كل شيوعي وكل ثوري أن يحمل هذا السلاح.

بيد أن الليبرالية تنكر الصراع الأيديولوجي، وتدعو إلى السلم اللامبدئي، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الأساليب البالية المبتذلة، وإلى تفسخ بعض الوحدات والأفراد في الحزب والمنظمات الثورية تفسخا سياسيا.


وتظهر الليبرالية بأشكال مختلفة:


أن لا يقدم المرء على مجادلة مبدئية مع شخص مخطئ، بالرغم من أنه يعرف خطأه معرفة واضحة، بسبب كون هذا الشخص من معارفه أو من أبناء بلد واحد، أو من زملائه في الدراسة، أو من أصفيائه وأحبائه أو من زملائه أو مرؤوسيه القدامى، بل يتركه وشأنه ابتغاء الوئام والصداقة، أو يلمس الموضوع لمسة خفيفة دون أن يقدم على تناول الموضوع بحزم، ذلك لكي يحافظ على جو من الوئام والوفاق معه، وتكون النتيجة من ذلك هي إلحاق الضرر بالجماعات والأفراد معا. هذا هو الشكل الأول من الليبرالية .


النقد من وراء الظهر بصورة لا مسؤولة عوضا عن تقديم المقترحات إلى المنظمة بصورة إيجابية. والسكوت أمام الناس والغيبة وراء ظهورهم، أو الاعتصام بالصمت في الاجتماع والثرثرة بعده. وتجاهل مبدأ الحياة الجماعية والانقياد وراء المزاج الشخصي. هذا هو الشكل الثاني من الليبرالية.


أن يتغاضى المرء عن كل أمر يرى أنه لا يهمه شخصيا، أن يحرص على قلة الكلام في الأمور التي يعلم بكل وضوح أنها خاطئة، ولا يبتغي أكثر من تجنب الوقوع في هفوة، عملا يقول بعضهم: العاقل من حفظ نفسه. هذا هو الشكل الثالث من الليبرالية.


أن يعصي المرء الأوامر واضعا آراءه الشخصية فوق كل اعتبار، وأن يطالب المنظمة بمنحه رعاية خاصة دون أن يطالب نفسه بمراعاة نظامها. هذا هو الشكل الرابع من الليبرالية.


أن يقوم المرء بالتهجم الشخصي ويصر على المخاصمات رغبة في التفريج عن الأحقاد الشخصية والانتقام، بدلا من خوض النضال والجدال ضد الآراء الباذلة من أجل التضامن والتقدم وإنجاز العمل على نحو مرض. هذا هو الشكل الخامس من الليبرالية.


ألا يدحض المرء الآراء الباطلة عند سماعها، وقد يذهب إلى حد أنه لا يبلغ عما سمع من أقوال المعادين للثورة، بل يسمعها بنفس هادئة ويتغاضى عنها كأن شيئا لم يحدث. هذا هو الشكل السادس من الليبرالية.
أن يكون المرء بين الجماهير، ولا يقوم بأعمال الدعاية بينها، ولا يستنهضها، ولا يخطب فيها، ولا يقوم بالتحقيقات والاستقصاءات، ولا يبدي أي اهتمام لمصالحها، ولا يبالي بها، ناسيا أنه شيوعي ومتصرفا كأنه واحد من عامة الناس. هذا هو الشكل السابع من الليبرالية.


أن يرى المرء عملا ضارا بمصالح الجماهير، ولكنه لا يسخط، ولا ينصح مرتكبه، ولا يمنعه، ولا يناقشه، بل يتغاضى عنه ويسكت. هذا هو الشكل الثامن من الليبرالية.


أن يعمل المرء بقلة اكتراث دون أن تكون له خطة معينة أو اتجاه محدد، وأن يكون كثير الإهمال وعديم الهمة والتطلع كما يقول المثل: ” أنما مضطر إلى دق الناقوس ما بقيت راهبا”، هذا هو الشكل التاسع من الليبرالية.


أن يدعى المرء أنه صاحب مآثر في الثورة، فيفاخر بأقدميته، ويزدري الأعمال البسيطة مع عجزه عن تولي المهمات الكبيرة، ويقصر في عمله ويفتر في دراسته. هذا هو الشكل العاشر من الليبرالية.


أن يخطئ المرء ويعرف أنه قد أخطأ ولكنه لا يرغب في تصحيح خطئه متخذا موقفا ليبراليا حيال نفسه. هذا هو الشكل الحادي عشر من الليبرالية .


و يمكننا أن نعدد المزيد، لكن هذه الأشكال الأحد عشر هي الأشكال الرئيسية.


إنها جميعا من مظاهر الليبرالية.


إن الليبرالية في المنظمات الثورية مضرة للغاية، وهي مادة قارضة تصدع الوحدة، وتضعف العلاقات، وتسبب الخمول في العمل وتورث الخلاف. وهي تجرد الصفوف الثورية من التنظيم الدقيق والضبط القوي المحكم، وتقف حاجزا دون تنفيذ السياسات بصورة كاملة، وتفصل المنظمات الحزبية عن الجماهير التي تحت قيادتها. إنها اتجاه مضر خطير.


وتنبع الليبرالية من أنانية البرجوازية الصغيرة حيث تضع المصالح الشخصية في المقدمة ومصالح الثورة في المرتبة الثانية، الأمر الذي يؤدي إلى ظهور الليبرالية في المجالات الإيديولوجية والسياسية والتنظيمية.


يعتبر الليبراليون المبادئ الماركسية عقائد جامدة مجردة. وهم يستصوبون الماركسية، ولكنهم ليسوا على استعداد لتطبيقها بصورة كاملة، وكذلك ليسوا على استعدادا لإحلال الماركسية محل ليبراليتهم. نجد عند هؤلاء الناس ما هو ماركسي وما هو ليبرالي: أن ما يقولونه هو ماركسي ولكن ما يطبقونه هو ليبرالي، وهم يطبقون الماركسية على غيرهم ولكنهم يطبقون على أنفسهم الليبرالية. فلديهم نوعان من البضاعة، لكل منهما استعماله الخاص. هذه هي الطريقة التي يفكر بها بعض الناس.


إن الليبرالية مظهر للانتهازية، وهي تتنافى مع الماركسية بصورة جوهرية. إنها شيء سلبي يلعب موضوعيا دور مساندة العدو، ولهذا فإن العدو يرحب ببقائها في صفوفنا. ولما كانت تلك هي طبيعتها، فمن الواجب ألا يكون لها مكان في الصفوف الثورية.


ومن واجبنا أن نتغلب على الليبرالية، التي هي نزعة سلبية، بالروح الإيجابية الماركسية. على الشيوعي أن يكون صريحا، صافي السريرة، مخلصا، عظيم الهمة والنشاط، يفضل مصالح الثورة على حياته، ويخضع مصالحه الشخصية لمصالح الثورة. وعليه أن يتمسك في كل زمان ومكان بالمبادئ الصحيحة ويخوض النضال بلا كلل أو ملل ضد جميع الأفكار والأفعال الخاطئة، وذلك من أجل توطيد الحياة الجماعية للحزب وتعزيز الروابط بين الحزب والجماهير.


وعليه أن يهتم بالحزب والجماهير أكثر من اهتمامه بالأفراد، وأن يهتم بالآخرين أكثر من اهتمامه بنفسه. وبهذا وحده يمكن أن يعد شيوعيا.


وعلى جميع الشيوعيين المخلصين الصرحاء النشيطين المستقيمي الأخلاق أن يتحدوا المعارضة نزعة الليبرالية عند بعض الناس، وتحويلهم إلى الجانب الصحيح.  تلك هي إحدى المهمات في الجبهة الإيديولوجية.

 

للمشاركة على الفيسبوك:

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=625284130817102&set=a.419967428015441.105198.419327771412740&type=1

 

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.