“خارج القانون” Hors La Loi :فيلم فرنسي خارج المألوف سياسياً

January 18th 2012 | كتبها

تمجيد لمشروع تحرير الجزائر وللمقاومة المسلحة للاحتلال

 

د. إبراهيم علوش

 

العرب اليوم 18/1/2012

 

يصدمك فيلم “خارج القانون” Hors La Loi منذ اللحظة الأولى بطرحه لجوهر الصراع كما هو بدون لف ودوران.  فالمشكلة تبدأ مع سيطرة مستعمر فرنسي عام 1925 على أرض فلاح جزائري، ورثها كابراً عن كابر، بذريعة أنه لا يملك أوراق تثبت ملكيته لها، مما يؤدي لطرده وعائلته منها وتشريدهم في الأرض، مما يفجر الصراع برمته. 

 

ثم يحدث بعدها بسنوات، بعد أن يكبر الأولاد، وفيما كانت باريس تحتفل بالتحرير من الاحتلال النازي، مع تركيز خاص على أعلام الولايات المتحدة لإبراز دورها في ذلك التحرير، أن يتحول احتفال بنفس المناسبة في 8/5/1945 في بلدة سطيف قرب قسنطينة شمال شرق الجزائر إلى مجزرة فرنسية كبيرة بالجزائريين، يستشهد فيها الفلاح الجزائري الذي سرقت أرضه، واثنتين من بناته، تاركاً بقية عائلته، والجزائر معها، في مهب رياح التمرد والثورة. 

 

وقد فجرت طريقة تصوير مجزرة سطيف عام 45 اعتصامات صاخبة ضد “خارج القانون” شارك فيها مئات الفرنسيين عندما عرض في مهرجان كان السينمائي في أيار 2010، ناهيك عن احتجاجات سياسيين وكتاب فرنسيين اعتبروا الفيلم معادياً لفرنسا، ومزوراً للتاريخ، لروايته لمجزرة سطيف، ولتصويره لأجهزة الأمن والشرطة الفرنسية مع الجزائريين كتصوير السينما الغربية عامة للنازيين، وهو ما استفز بعض الفرنسيين كثيراً، فسخرت صحف أمريكية أن فرنسا لم تتصالح بعد مع ماضيها الاستعماري (انظر مثلاً الكريستشيان سيانس مونيتور في 1/6/2010).

 

ومع أن مجزرة سطيف لا تحتل إلا جزءاً صغيراً من فيلم “خارج القانون”، فإنها لحظة مفصلية تاريخياً في علاقة الجزائريين مع المستعمرين الفرنسيين (الأقدام السود) كمنعطف معنوي هيأ للثورة المسلحة على الاحتلال بعدها بتسع سنوات.  وعلى الرغم من ذلك، فإن أحداً لا يعرف بالضبط عدد الشهداء الجزائريين  في سطيف.  فالتقرير الرسمي الفرنسي آنذاك أعلن عن مقتل 1020 جزائري و103 فرنسيين، أما إذاعة القاهرة، فأعلنت وقتها عن 45 ألف شهيد جزائري.  ويطرح الباحثون الغربيون عامةً الرقم ستة إلى عشرة آلاف شهيد جزائري، مع التذكير دوماً بأن أحداً لا يعرف الرقم بالضبط… ويتداول الكتاب العرب الرقم ثلاثين حتى خمسةً وأربعين ألفاً…  لكن مجزرة سطيف لا تُدرس في كتب التاريخ الفرنسية بعد، ومن هنا ضغط مخرج الفيلم وكاتب نصه رشيد بوشارب على عصب فرنسي حساس على ما يبدو.

 

ولتذهب حساسيات المدافعين عن الاستعمار الفرنسي إلى الجحيم، فليس هذا أهم ما في الفيلم، ولو أنه أسهم بتعريف الناس فيه.  الجديد في الفيلم أنه لا يعتذر أبداً عن المقاومة المسلحة، ولا يقدم الجزائري كضحية تستجدي التعاطف، بل يقدم المقاومة المسلحة، منذ مجزرة سطيف، كتحصيل حاصل وكحالة دفاع عن كرامة الإنسان، لا كحالة سياسية فحسب.

 

ويكفي كل هذا ليثير الإعجاب الشديد في “خارج القانون”، أما أن ينتقل إلى حد اعتبار العمل المسلح من قبل جبهة التحرير الوطني الجزائرية على أرض فرنسا رداً طبيعياً على الممارسات الفرنسية ضد الجزائريين في فرنسا، الذين كثيراً ما كانوا يقتلون في الشوارع، وعلى الاحتلال الفرنسي للجزائر، فإن ذلك ما يمثل رفعاً غير مألوفاً للسقف في السينما الغربية.  فالمخرج وكاتب النص ومعظم الممثلين من العرب طبعاً، ولكن حوالي ستين بالمئة من تمويل الفيلم، البالغ 20 مليون يورو، فرنسي، وعشرة بالمئة بلجيكي، والباقي جزائري وتونسي، ولذلك فإن فيلماً من هذا النوع يمثل سياسياً طفرة غير عادية، لا بل أنه يمثل اختراقاً سياسياً عربياً للسينما الغربية ليس لمصلحة الجزائر فحسب، بل لمصلحة كل الشعوب التي رزحت  تحت نير الاستعمار المباشر وغير المباشر.

 

ومع أن الفيلم أشهر رسمياً في فرنسا في 22/9/2010، فإنه لم يصلنا على القرص المدمج DVD إلا قبل أسابيع قليلة، وهو مذهل حقاً في جرأة موضوعه وفي قدرته الفنية والإخراجية، خاصة على تقديم الموقف الوطني والقومي غير المساوم، المؤمن بحتمية النصر والمستعد للتضحية حتى النهاية، بطريقة جميلة ومقنعة، لا بل بطريقة سهلة وبديهية…  فالمتعامل مع الفرنسيين يعدم، بعد أن يحذر، ولا يحاور، ولا يطرح معه مشروع وحدة وطنية مثلاً (كما ظهر من صراع جبهة التحرير الوطني مع “الحركة الوطنية” في الفيلم مثلاً، ومن قتل المتعاملين)، والبرنامج هو التحرير الكامل، لا تحقيق دولة على جزء من الجزائر مثلاً أو التعايش مع المستعمرين أو السعي وراء “حقوق مدنية” ضمن جزائر فرنسية، والإستراتيجية هي علناً نقل المعركة إلى عقر دارهم والرد على النار بالنار وأكثر… مما حول الفيلم إلى فيلم أكشن على فيلم عصابات، أي أنه امتلك ذلك المزيج الهوليوودي الذي يمرر رسالته السياسية من خلال ترفيه المشاهد الذي لا يرى أبعد من القشرة الخارجية للفيلم.

 

باختصار، المخرج لا يلعب، بل يطرح الصراع بشكله التناحري، ويقدم الشخصيات العقائدية الوطنية والقومية القادرة على حمل صراع من هذا المستوى، دون أن يشطب وعاءها الإنساني والشخصي، وعلى رأسها شخصية عبد القادر، وأخيه مسعود، ومن ثم يأخذ الصراع إلى نهايته المنطقية، حتى النصر أو الشهادة، وهو ما لا يصدق حقاً.

 

وقد رشح الفيلم لعدة جوائز عالمية، مما لفت الأنظار إليه، منها ترشيحه لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي في الولايات المتحدة عام 2011، وترشيحه لجائزة السعفة الذهبية في كان الفرنسية عام 2010، وغيرها، ولم ينل من تلك الجوائز شيئاً في النهاية، وليس من المتوقع أن ينال فيلماً كهذا مثل تلك الجوائز، ويكفي أنه وصل لمرحلة الترشيح. 

 

وقد زعم بعض النقاد الأمريكيين أن المخرج سرق الكثير من المخرج فرانسيس كوبولا من فيلم “العراب”  Godfather، بسبب الترابط العائلي والنزعة العنيفة للأخوة الثلاثة وميلهم للخروج عن القانون نحو أشكال مختلفة من عوالم الظلال، لكن أولئك النقاد ينسون أن “العراب” يدور حول عائلة كورليوني من صقلية، جنوبي إيطاليا، العربية سابقاً، فعاداتهم في الشجاعة والأخذ بالثأر والمحافظة الاجتماعية هي عادات عربية بالأساس، ف”العراب” هو الذي أخذ من العرب، وليس “خارج القانون” هو الذي أخذ من “العراب”.

 

وتبقى نقطة الضعف الوحيدة في فيلم “خارج القانون” أنه لم يركز على الهوية العربية للجزائر بشكل كافٍ، فقد ركز على البعد الوطني الجزائري وأهمل البعد القومي العربي (مثلا الدور المركزي لجمال عبد الناصر في دعم الثورة وانتصارها)، ولكنها نقطة ضعف تتضاءل أمام الإيجابيات الأخرى للفيلم.

 

 

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.