في المقاومة والمصلحة القومية

December 15th 2013 | كتبها

 


 

تمثل المقاومة استراتيجية دفاعية في مواجهة قوى الهيمنة الخارجية.  تعبير “مقاومة”، بالمعنى الوطني، يوحي بمواجهة تأثيرات أو ضغوط مباشرة أو غير مباشرة من الخارج.  فالمقاوِم هو من يتبنى مشروع إعاقة تقدم العدو وإيقاف زخم هجومه، ومنع العدو من التمتع بما تمكن منه من أرضٍ أو مواقع، بالعمل خلف خطوطه مثلاً.  وكما يأخذ هجوم العدو أشكالاً متعددة عسكرية وسياسية وأمنية واقتصادية وثقافية واجتماعية، كذلك يفترض أن تأخذ المقاومة كل تلك الأشكال لكن مضمونها يبقى واحداً: منع العدو من تحقيق أهدافه الهجومية. 

 

بهذا المعنى تتمثل أهمية المقاومة بأشكالها في رفع تكلفة الهجوم المعادي وصولاً لصده ودحره والانتقال من حالة الدفاع إلى حالة التوازن ومن ثم إلى حالة الهجوم الاستراتيجي.  وبهذا المعنى أيضاً تمثل المقاومة المصلحة العليا للأمة عندما لا تمتلك القدرة على الانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم بسبب عدم تكافؤ ميزان القوى أو عدم تعبئة قوى الأمة للمواجهة.  تكمن أهمية المقاومة إذن  في كونها تخدم مصلحة الأمة، أي أن المقاومة مهمة ولا بد من تبنيها والدفاع عن نهجها ورموزها ومواقفها لكونها تخدم المصلحة القومية العليا للأمة العربية. 

 

مثلاً دفعت المقاومة العراقية الاحتلال الأمريكي للخروج من العراق وأسهمت بتقويض الاقتصاد الأمريكي.  ومنعت المقاومة اللبنانية صهينة لبنان واحتلاله وأمركته.  كذلك ترفع المقاومة الفلسطينية كلفة احتلال فلسطين وتدفع الصهاينة للتفكير بالخروج من أرضنا بمقدار تصاعدها.  وبنفس المقياس نفكر بتراثنا الوطني المقاوم للاستعمار الذي مثله عبد الكريم الخطابي وعبد القادر الجزائري وعمر المختار وعز الدين القسام (الصوفي وقومي التوجه بالمناسبة).

 

على المستوى المدني تمنع حركة مقاومة التطبيع الكيان الصهيوني من التمدد في الوطن العربي وتحقيق أهدافه السياسية والاقتصادية والثقافية.  كذلك تتم مشاغلة محاولات اختراق الوعي والقيم والنسيج الاجتماعي من قبل أعداء الأمة وامتداداتهم من خلال القصيدة المقاوِمة والأغنية المقاوِمة والمشروع الثقافي والإعلامي المقاوِم، وبهذا المعنى فإن مجموع البوستات والتعليقات والرسائل والمواد المناصرة للمقاومة على الإنترنت مثلاً تمثل أيضاً شكلاً من أشكال المقاومة الشعبية العربية في مواجهة مئات قنوات التضليل والفتنة ووسائل الإعلام الصفراء، التي لا شك أنها لعبت دوراً مهماً في كشف حقيقة “الثورة السورية” مثلاً المدعومة من قبل الإمبريالية والصهيونية.

 

العبرة هي أن المقاومة بصفتها استراتيجية دفاعية هي مشروع الأمة التاريخي في المرحلة الراهنة الذي لا غنى عنه.  لكن بقاءنا في حالة دفاعية، في حالة مقاومة أو ممانعة، يترك المبادرة الاستراتيجية بيد العدو.  فالمطلوب هو مراكمة عناصر القوة للانتقال من حالة الدفاع إلى حالة الهجوم الاستراتيجي وهو ما لا يتحقق إلا بالمشروع القومي، مشروع النهوض العربي الذي لاحت نذره في الخمسينيات والستينيات ثم انتكس وتراجع، والذي تبين أن ما يسمى “الربيع العربي” كان يحاول تصفية آثاره ومواقعه لو تتبعنا مسار وآلية حراك ذلك “الربيع” المسموم. 

 

إذن لا بد من نهوض قومي عربي جديد، بمقدار ما يبدو ذلك بعيد المنال في اللحظة التي يشتد فيها الهجوم المعادي علينا، لأننا لو اكتفينا بإيقافه عن التقدم اليوم، فإنه سيعاود المحاولة كرةً أخرى غداً أو بعد غد.  والمقاومة والممانعة خط دفاعي لا غنى لنا عنه، ولا نملك كأمة إلا أن ندعمه بكل ما نملك لأن مصلحة الأمة تتمثل بهذا.  لكن لو اكتفت سورية بالخروج من أزمتها مثلاً فإن المؤامرات عليها لن تتوقف، بل لا بد لمن يتعرض للهجوم بسبب تبنيه لمشروع المقاومة ودفاعه عن المشروع العروبي أن يترجم نصره إلى هجوم سياسي مضاد يعيد إحياء المشروع القومي في الشارع العربي، فتلك هي الحماية الوحيدة لسورية على المدى البعيد كما الحماية الوحيدة للمشروع الصهيوني على المدى البعيد هي تفكيك الأمة وضرب فكرة المقاومة وفكرة القومية.  والمقاومة اللبنانية مثلاً بعدما حررت جنوب لبنان لم ولن تتوقف المؤامرات عليها لأنها لم تنتقل لمرحلة تحرير فلسطين بعدما لقنت العدو الصهيوني درساً لن ينساه أبداً، بل تقوقعت في الزاوية اللبنانية لأنها لم تنتقل لحالة مشروع قومي عربي ولذلك ظلت أيضاً في حالة دفاع استراتيجي.

 

المقاومة مشروعنا الراهن، لكن لا نستطيع أن نبقى في الراهن للأبد، بل لا بد من إعادة إحياء المد القومي التحرري في الوطن العربي وصولا لتأسيس حركة شعبية عربية منظمة تتبنى الأهداف القومية الكبرى: الوحدة والتحرير والنهضة.

 

إبراهيم علوش

 

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=784521508231753&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

 

الموضوعات المرتبطة

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]

قضية للنقاش في هوامش الخطاب الإعلامي المقاوم

  إبراهيم علوش – الميادين نت حقق الخطابُ المقاومُ، في مختلف تنويعاته، اختراقاتٍ حقيقيةً بموازاة عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت رافعة مادية له، وشكل بدوره غطاءً وامتداداً إعلاميين لها، [...]

القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة في ميزان الصراع

  إبراهيم علوش – الميادين نت   كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب إفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، [...]
2024 الصوت العربي الحر.