بمناسبة 4 تموز 4th of July عيد استقلال الولايات المتحدة

July 4th 2018 | كتبها

“الحرية أو الموت”: خطاب باتريك هنري Patrick Henry الذي أطلق حرب الاستقلال الأمريكية ضد بريطانيا 1775-1783

تقديم وترجمة د. إبراهيم علوش

تحتفل الولايات المتحدة بذكرى الاستقلال عن بريطانيا يوم الرابع من تموز كعادتها كل عام، وهو يوم عطلة رسمية في الولايات المتحدة. وبهذه المناسبة ندعوكم لقراءة الخطاب التالي الذي ألقاه “باتريك هنري” Patrick Henry، أحد الشخصيات المركزية في “الحرب الثورية”، كما كان الأمريكيون يسمون حرب الاستقلال عن بريطانيا، والعضو في أول كونغرس أمريكي، وأول حاكم لولاية فرجينيا المجاورة للعاصمة واشنطن دي سي.

وقد ألقى باتريك هنري هذا الخطاب في 23/3/1775، أي قبل الثورة، وقبل إعلان الاستقلال رسمياً في 4 تموز 1776. وقد أصبح هذا الخطاب من أشهر الخطابات في التاريخ الأمريكي، ويمكن اعتباره واحداً من بضعة خطب في التاريخ كان لها تأثيرٌ فعال ومباشر في تغيير الواقع وإشعال فتيل الثورة.

وإذ نقدمه اليوم مترجماً، لما يحويه من توازٍ مع ظروف واقعنا العربي في مواجهتنا الحالية مع حكومة الولايات المتحدة الأمريكية والعدو الصهيوني، ولقيمة الخطاب الأدبية، فإننا نلفت النظر إلى أن لغته تدخل تماماً فيما قد تسميه حكومة الولايات المتحدة اليوم “تحريضاً على العنف”. كما أن موقف باتريك هنري من الاحتلال، وربطه الدعوة للسلاح بالإيمان بالله، قد يمثل نموذجاً لما قد تسميه حكومة الولايات المتحدة اليوم “ثقافة الإرهاب”. أما تشكيك باتريك هنري بدعوات المصالحة البريطانية، ومبادرات السلام، والأوهام حول التغييرات في سياساتها، فيرد عليه بأن سياسة بريطانيا لا تُقرأ من خطابها الإعلامي بقدر ما تُقرأ من تواجدها العسكري على أرض الولايات المتحدة ومياهها، وهو الموقف الذي قد يتطلب إدخال باتريك هنري في خانة ما تسميه حكومة الولايات المتحدة اليوم “قوى التطرف”، غير أننا نفضل أن نوجه هذا الجزء بالذات من خطاب هنري للعرب والفلسطينيين، من معتدلين وإسلاميين، ممن يحاولون إنتاج فكر وسياسة تابعة للولايات المتحدة تحت ذرائع إسلاموية “معتدلة” أو ليبرالية.

خطاب باتريك هنري الذي أطلق حرب الاستقلال الأمريكية:

قال باتريك هنري مخاطباً رئيس مجلس النواب:

سيدي الرئيس، ليس هناك أحد أقوى مني اعتقاداً بوطنية السادة المندوبين وقدراتهم الذين خاطبوا المجلس للتو، بيد أن الرجال المختلفين يرون الأشياء ذاتها في الغالب من زوايا مختلفة، لذلك آمل ألا يظن هؤلاء السادة أنني أقلل من شأنهم إذا ما طرحت أراء مختلفة عن آرائهم، وإذا ما عبرت عن مشاعري بحرية وبلا تحفظ… فهذا الوقت ليس وقت الرسميات، لأن المسألة المطروحة أمام المجلس شديدة الخطورة على هذا البلد. أما بالنسبة إلي فهذه المسألة ليست إلا مسألة “الحرية أو العبودية”، ومن ثم يجب أن تتناسب حرية التناظر مع أهمية الموضوع. وإنه لمن غير الممكن، إلا بهذه الطريقة فقط، أن نأمل بالوصول إلى الحقيقة، والقيام بمسؤوليتنا الكبيرة تجاه الله وبلادنا.

وإني إذا ما احتفظت بآرائي لنفسي في مثل هذا الوقت خوفاً مما قد يُفهم أنه إساءة فسأعتبر نفسي مذنباً بالخيانة لبلدي، ومذنباً بعصيان ذي الجلالة في السماء، اللذين أجلهما فوق كل ملوك الأرض.

سيدي الرئيس إنه لمن الطبيعي للإنسان أن يغرق في الأمل الخُلَّب. فنحن نميل لإغماض عيوننا إزاء الحقائق المؤلمة، وأن ننقاد خلف أغنية الوهم، إلى أن نتحول إلى بهائم لا تدرك. فهل هذا هو دور الرجال العقلاء المنخرطين في النضال العظيم والشاق من أجل الحرية؟ وهل نجنح إلى أن نكون في عداد أولئك الذين لهم عيون لا ترى وآذان لا تسمع ما له كل هذه الصلة بخلاصهم في هذه الدنيا؟ أما بالنسبة لي، فمهما كان مقدار الكرب الذي ستتسببه الحقيقة لي، فسأبقى مستعداً لأعرف كل الحقيقة، ولأعرف أسوأ ما فيها لكي أستعد له.

إن لدي مصباحاً واحداً يهدي سيري، وذلكم هو مصباح التجربة. فأنا لا أعرف طريقة أحكم بها على المستقبل إلا من خلال الماضي. واستناداً إلى هذا الماضي أتمنى لو أعرف ما الذي جد في تصرف الإدارة البريطانية في السنوات العشر الماضية مما يسوغ أن يتعلل أولئك السادة بالآمال التي راحوا يعزون أنفسهم والمجلس بها! هل هي تلك البسمة الخبيثة التي تم تلقي عريضتنا بها مؤخراً؟!

سيدي، لا تثقوا بها، وسيثبت لكم أنها ليست إلا شركاً لأقدامكم. لا تتركوا أنفسكم تُخدع بقبلة كاذبة.

اسألوا أنفسكم كيف ينسجم هذا الاستقبال الكريم لعريضتنا مع الاستعدادات الحربية التي تغمر مياهنا وتسود يابستنا؟ هل الأساطيل والجيوش ضرورية لهذه الدرجة من أجل القيام بالمصالحة وواجب المحبة؟! وهل بدا منا أننا غير راغبين بالمصالحة مما يستوجب أن تُستخدم القوة من أجل إعادة كسب مودتنا؟! سيدي دعونا لا نخدع أنفسنا، فهذه أدوات الحرب والإخضاع، وهي أخر الحجج التي يلجأ إليها الملوك.

هل لي أن أسأل السادة الزملاء يا سيدي ما الذي تعنيه هذه الحشود الحربية؟ أوليس هدفها إجبارنا على الاستسلام؟ هل باستطاعة السادة أن يحددوا لها أي هدف أخر؟ هل هناك أي عدو أخر لبريطانيا العظمى في هذا الجزء من العالم مما يستدعي مراكمة كل هذه الجيوش والأساطيل ها هنا؟! كلا يا سيدي، ليس لها أي عدو غيرنا. هذه الحشود تعد لنا، وليس لأحد غيرنا. لقد أُرسلت لكي تلوي عزمنا وتصفد أيدينا بالقيود التي ما برحت تعدها لنا الإدارة البريطانية منذ أمدٍ بعيد.

أما نحن فما الذي لدينا لنواجههم به؟ هل نحاول إقناعهم؟ سيدي ما برحنا نحاول ذلك منذ عشر سنوات، فهل لدينا أي جديد نضيفه حول الموضوع؟ لا شيء. لقد طرحنا المسألة معهم بكل طريقة يمكن أن تُطرح بها من دون جدوى، فهل نلجأ الآن إلى التوسل والتضرع الذليل؟ وأية عبارات يمكن أن نجدها غير تلك التي استهلكناها؟ دعونا سيدي نكف عن خداع أنفسنا.

سيدي لقد فعلنا كل ما بوسعنا لتجنب القدر، قدر العاصفة القادمة علينا.. لقد أرسلنا الاحتجاجات ووقعنا العرائض وتوسلنا وسجدنا بين يدي الطغيان، أمام الإدارة ومجلس العموم البريطانيين. لكن عرائضنا أُهملت، وتضرُعنا قوبل بالتجاهل. أما احتجاجاتنا فأدت إلى المزيد من العنف والإذلال، وركلتنا أقدام العرش بازدراء. عبثاً نستطيع بعد كل هذا أن نعلل أنفسنا بأمل المصالحة والسلام. لم تعد هنالك فسحة للأمل. فإذا أردنا أن نكون أحراراً، وإذا قصدنا المحافظة على حرمة الحقوق الغالية التي نناضل في سبيلها منذ أمدٍ طويل، وإذا قصدنا ألا نتخلى بخسة عن النضال النبيل الذي هممنا به، والذي تعاهدنا على ألا نتخلى عنه حتى نصل إلى الهدف المجيد الذي نسعى لتحقيقه، فإن علينا أن نقاتل.

أكرر سيدي، علينا أن نقاتل، فإن الدعوة للسلاح، ودعوة إله الناس، هما كل ما تبقى لنا.

يقولون لنا يا سيدي أننا ضعفاء، ولا قبل لنا بمناطحة خصم مهيب مثل هذا الخصم، ولكنهم لم يقولوا لنا متى سنصبح أقوياء؟ هل سيكون ذلك الأسبوع المقبل أم في العام القادم؟ أم هل سيكون ذلك عندما نصبح عزلاً من السلاح تماماً، وعندما يصبح هناك حارس بريطاني داخل كل منزل؟! فهؤلاء لم يقولوا لنا إن كان علينا أن نشد أزرنا بالتردد والتقاعس، أو إذا ما كنا سنحصل على وسائل المقاومة الفعالة بالاستلقاء مسترخين على ظهورنا لمعانقة شبح الأمل الزائف إلى أن يكبلنا الأعداء بالكامل؟!

سيدي نحن لسنا ضعفاء. فإذا ما استخدمنا بشكل مناسب الوسائل التي سخرها الله لنا، فإن ثلاثة ملايين من البشر، مسلحين بقضية الحرية المقدسة في بلاد مثل بلادنا، لا يمكن أن تقهرهم أية قوة يحملها عدونا إلينا. كما أننا يا سيدي لا نقاتل وحدنا، لأن العادل الذي يتحكم بمصائر الأمم سوف يوفر حلفاء يقاتلون معنا. والنصر في المعركة يا سيدي ليس للقوي فحسب، بل هو لليقظ والمناضل والشجاع أيضاً. أما من الجهة الأخرى يا سيدي، فليس لدينا من خيار. فلو كنا أنذالاً بما فيه الكفاية لكي نرجو التقهقر، فسنجد السيف قد سبق العذل، وأنه ليس ثمة مجال للتراجع الآن إلى غير الخضوع والعبودية. فإن قيودنا قد سُبكت. وها هو صوت صليلها يدوي من على سهول بوسطن، فإذا كانت الحرب حتمية إذن، فدعوها تأتي! أكرر يا سيدي، دعوها تأتي!

فإنه لمن العبث يا سيدي أن نقلل من خطورة الموقف. وقد يصيح السادة الزملاء: نعم للسلام! نعم للسلام! ولكن ليس ثمة سلام. لأن الحرب قد بدأت بالفعل. وهبوب الريح الجديدة التي ستندفع نحو الشمال نحونا سوف تحمل إلى آذاننا دوي قعقعة السلاح. أخواننا ذهبوا إلى الميدان لكي يقاتلوا، فلماذا نقف نحن هنا بلا فعل؟ ما الذي يرومه السادة الزملاء، وما الذي يتمنون الحصول عليه؟ وهل أصبحت الحياة غالية إلى هذه الدرجة والسلام حلو المذاق إلى هذا الحد الذي يجعلنا نشتريهما بالعبودية والقيود؟! لا سمح الله! فأنا لا أعرف أيَ دربٍ للسلام سيسلكه الآخرون، أما أنا، فأعطني الحرية أو أعطني الموت.

الموضوعات المرتبطة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة     فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم [...]

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية وسورية

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية [...]

حديث في مصطلح “الوحدة الوطنية الفلسطينية” – فيديو

حديث في مصطلح "الوحدة الوطنية الفلسطينية" - [...]
2024 الصوت العربي الحر.