فك الارتباط يمنيّاً

September 23rd 2010 | كتبها

 

 

د. إبراهيم علوش

 

السبيل 23/9/2010

 

لا يقتصر شعار “فك الارتباط” على دعاة الفتنة وسحب الجنسيات في الأردن، إذ أن “فك الارتباط” هو الشعار الرسمي لدعاة الانفصال في اليمن أيضاً.  مثلاً، ذكرت وسائل الإعلام في 11/8/2010 أن علي سالم البيض، الرئيس السابق لجمهورية اليمن الديموقراطية الشعبية (اليمن الجنوبي)، أصدر بياناً طالب فيه ب”فك ارتباط” اليمن الجنوبي باليمن الشمالي سلمياً، بعد حوالي عشرين عاماً من مشروع الوحدة بينهما الذي شرعت به زعامات اليمنين في 22/5/1990.   وهذا يعني المطالبة بانفصال اليمن الجنوبي، بغض النظر عن الأسباب والذرائع، ورفع شعار تفكيك اليمن وإغراقه بالدمار فعلياً ما بين يمن حوثي تابع لإيران، ويمن جنوبي متمتع بالحماية الدولية (بموجب اعتراف الأمم المتحدة باستقلاله عن بريطانيا عام 67، كما تزعم بعض مصادر “الحراك الجنوبي” الداعي للانفصال)، ويمن قاعدي يشكل عمقاً إستراتيجياً لحركة الشباب المجاهدين في الصومال أو العكس بالعكس.

 

بالطبع لا بد من التمييز بين ظروف إعلان قرار “فك ارتباط” الضفتين الشرقية والغربية من المملكة الأردنية الهاشمية عام 1988، وما يطالب به دعاة “فك الارتباط” أردنياً اليوم من دسترة لفك الارتباط، مما يمهد لسحب جنسيات الأردنيين من أصل فلسطيني، و”فك الارتباط” السياسي بقضية فلسطين، والتأسيس لمشروع الكونفدرالية الثلاثية (البنولوكس) بقيام “كيان” ما فلسطيني مستقل في أجزاء من الضفة الغربية (التي تبقى أردنية في الدستور الأردني).  

 

أما مشروع “فك الارتباط” و”الفيدرالية” في اليمن فخطرٌ راهنٌ على وحدة اليمن وسيادته، وعلى كل الإقليم، هنا والآن، وليس على المدى البعيد أو المتوسط فحسب.  و”الفيدرالية”، كبديل أكثر “اعتدالاً” من “فك الارتباط”، مطروحة من قبل بعض المعارضين اليمنيين اليوم، وهو ما يصب مباشرة في مشروع التفكيك “الشرق أوسطي”، إذ لا يمكن “فك ارتباط” ما يجري في اليمن عن السياق الإقليمي. 

 

ومع أن “الحراك الجنوبي” ينفي تماماً لجوءه للعمل المسلح لتحقيق الانفصال، فإن المرء لا يسعه تجاهل الملاحظات الحماسية لبعض دعاة الانفصال اليمنيين على الإنترنت حول اضطرار الدولة السودانية لتوقيع اتفاقية نيفاشا التي تقبل بانفصال جنوب السودان من حيث المبدأ، بعد تصاعد العمل المسلح من قبل الحركات الانفصالية في السودان وتوفر الدعم الدولي…

 

لكن جنوب السودان ليس كجنوب اليمن، لأنه بتركيبته السياسية والاثنية والدينية ليس بيئة ملائمة لتصاعد نفوذ القاعدة وفروعها، ولأن انهيار الحكم اليمني وتأسيس قواعد آمنة للقاعدة في اليمن ستكون له انعكاسات على الجزيرة العربية والصومال والقرن الأفريقي، ناهيك عن انعكاسات نشوء يمن حوثي على كل دول الخليج العربي. 

 

بالمقابل، هناك جماعة “الفوضى الخلاقة” في الولايات المتحدة والكيان الصهيوني، والصراع الإيراني-الأمريكي على الإقليم، وتراجع دور الدول العربية المركزية وغياب مرجعية ذات مصداقية ترعى الأمن القومي العربي، وعدم قدرة الحكم اليمني على إطلاق برنامج وطني حقيقي يبني حوله إجماعاً شعبياً ويعيد إنتاج مشروعيته السياسية، برنامج يقوم على التنمية المستقلة ومكافحة الفساد واجتثاث المظالم والولاء للأمة؛ بالإضافة لتأثير العولمة السلبي على الدول المركزية، خاصة في دول العالم الثالث، مما أطلق كل نزعات التفكيك والولاءات الفرعية من عقالها، بينما تعيث برامج الخصخصة والاختراق الأجنبي فساداً في البلاد والاقتصاد، وهذا كله يلخص بعض العوامل التي تدفع اليمن دفعاً باتجاه الصوملة وانهيار الدولة المركزية.

 

ولعل أخطر ما يمكن أن ينتج عن هذا التفاعل الانفجاري هو تكريس الهويات الجهوية في الشارع.  واليمن الجنوبي أصلاً احتلته بريطانيا عام 1839 في سياق حملتها لاحتواء تمدد محمد علي باشا في المشرق العربي.  وقد ألحقته أمداً طويلاً بالحكم البريطاني في الهند.  فالهوية اليمنية الجنوبية لا مشروعية تاريخية مستقلة لها على الإطلاق.   

 

وعموماً يمكن الجزم بلا أدنى تردد بأن أي معارضة عربية تتورط بمد يدها لقوى الهيمنة الخارجية، وبالدعوة للانفصال، وللتدخل الدولي، تُسقِط مشروعيتها ومطالبها فوراً.   والأولوية تبقى للحفاظ على وحدة اليمن، ولمحاربة الدعوات الانفصالية بكل الوسائل المتاحة.  ولو افترضنا جدلاً أن كل ما يقوله “الحراك الجنوبي” عن المظالم التي يتعرض لها جنوب اليمن صحيحة، من مصادرة الأراضي العامة والخاصة، إلى خصخصة القطاع العام كغنائم خاصة، إلى إلقاء مئات آلاف الموظفين والمتقاعدين العسكريين في الشارع، الخ… فإن ذلك يواجه ببرنامج ثوري للتغيير، على قاعدة التمسك بالوحدة، وليس بالدعوة للانفصال. 

 

alloush100@yahoo.com

 

 

 

 

 

الموضوعات المرتبطة

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]

قضية للنقاش في هوامش الخطاب الإعلامي المقاوم

  إبراهيم علوش – الميادين نت حقق الخطابُ المقاومُ، في مختلف تنويعاته، اختراقاتٍ حقيقيةً بموازاة عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت رافعة مادية له، وشكل بدوره غطاءً وامتداداً إعلاميين لها، [...]

القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة في ميزان الصراع

  إبراهيم علوش – الميادين نت   كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب إفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، [...]
2024 الصوت العربي الحر.