في الجزائر، مسودة التعديلات الدستورية تُشَرّع لضرب الهوية وتُمهد لتفكيك الوحدة الوطنية

May 15th 2020 | كتبها

بيان من لائحة القومي العربي

إيماناً منا بوحدة المصير القومي كان لزاماً علينا أن نهتم بكل ما يجري في كل جزء من وطننا العربي، وحول ما يحدث في الجزائر يملي علينا واجبنا أن نبين للمتابع العربي بعض التفاصيل المهمة التي تساعده على رؤية المشهد بوضوح، والتي قد تبدو بديهيةً للأشقاء في الجزائر، ولكنها قد تخفى على غيرهم من أشقائهم في بقية الأقطار العربية.

نذكّر في البداية أن “لائحة القومي العربي” سبق أن هنّأت الجزائريين بمناسبة فوز الرئيس عبد المجيد تبون في الانتخابات الرئاسية، الذي وصفته “لائحة القومي العربي” في بيانها آنذاك بالرئيس “النوفمبري”.

كما نذكّر بأن الثقة التي حظي بها الرئيس عبد المجيد تبون منحه إياها الجزائريون على أساس تعبيره عن استعداده للسير بالجزائر على هدي ثورة نوفمبر المجيدة، وعلى أساس الثقة التي حظي بها الرئيس لدى المرحوم القايد صالح، وقد اعتبرنا بأن القيادة العربية الجزائرية وطنية ومنحازة للخيارات الشعبية ومدافعة عن حرمة الوطن والمواطن.

لكن بعد الإطلاع على مسودة الدستور المطروحة لعام 2020 يتضح أن روح تلك التعديلات الدستورية تتناقض مع مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة، ولا نبالغ إذا وصفناها بأنها فرنسية الهوى وتخدم توجهات فرنسا التي ترغب في السيطرة على الجزائر، وهذه خطوة إلى الوراء وسقطة كبيرة معيبة في حق بلد الشهداء وفي حق الأجيال التي سفك الاحتلال الفرنسي دماءها ونهَب مقدراتها.

قبل استعراض البنود التي أثارت سخط أحرار الجزائر والعرب في مسودة الدستور لا بد من الرد على وَهمٍ خطير بدأ يشيع مؤخراً بين أصحاب النوايا الحسنة مفاده أن الرئيس قدم هذه المسودة السيئة وهو يعرف بأنها لن تحظى بقبول الجزائريين حتى يكسب الشرعية التي تخوله وتبرر له إجراء التعديلات اللازمة وتجنبه للتصادم مع أيتام فرنسا… ورداً على هذا الإدعاء نقول: إن مجرد تقديم هذه المسودة للتصويت يعني أن الرئيس راضٍ عما ورد فيها، وهذا ما لا نفهمه من خليفة القايد صالح الذي جاء عبر شرعية شعبية وانتخابية تجعله في موقع قوة، وتمكنه من استعادة الجزائر والدفاع عن هويتها، ولهذا السبب انتخبه الناس ولم يصوتوا لصالح المرشحين المحسوبين على فرنسا، كما أن أنصار مشروع “قبلجة” الجزائر وشطب هويتها لم يصوتوا للرئيس عبد المجيد تبون وقاطعوا الانتخابات، حيث اجتمع رؤساء البلديات في “تيزي وزو” معقل الزواف وقرروا مجتمعين أنهم لن يشاركوا في الانتخابات وتم تسجيل اعتداءات بالعنف على كل من أقدم على المشاركة في الانتخابات في مناطق نفوذهم، وقاموا بتكسير صناديق الإقتراع.

فلماذا يخطب الرئيس ودهم، ولماذا لا يدرك السيد تبون أنه حظي بأصوات الأغلبية التي تأمل في الدفاع عن هوية الجزائر العربية؟!

ولا يفوتنا التنبيه إلى نقطة مهمة يجب أن لا يغفل عنها حراس الوعي والهوية في الجزائر، وهي أن تقديم مقترحٍ سيئٍ جداً قد يؤدي إلى القبول بالسيء… وفي خضم التعبير عن رفضنا لضرب هوية الجزائر نوضح للقارئ العربي أن مشروع “قبلجة” الجزائر تشرف عليه أقلية شاذة تعرف باسم “الفرنكو-بربريست”، أي دعاة الهوية الأمازيغية التابعين لفرنسا، وهم جماعة عنصرية ولاؤها لفرنسا وعداؤها لكل ما هو عربي، ولا يفوتنا التنويه بالدور المشرف لأحرار القبائل الذين يعتبرون أنفسهم امتداداً للهوية العربية والذين دافعوا خير دفاع عن الهوية القومية العربية للجزائر أمثال الدكتور عثمان السعدي أحد رموز أبناء القبائل الأحرار وغيره من الشرفاء الذين صدعوا بكلمة الحق وقالوا “البربر عرب.. لا بل إن البربر عرب عاربة”.

نجحت أقلية من “الفرنكو- بربريست” في تحقيق اختراقٍ كبيرٍ في الدولة الجزائرية، وتمكنوا من تحوير الدستور الجزائري شيئاً فشيئاً بما يخدم مشروعهم الخبيث؛ أول دساتير الجزائر كان دستور عام 1963، وبعد استلام الهواري بومدين السلطة في 19 جوان/ حزيران 1965 أوقف العمل بالدستور، ليتم تعديله سنة 1976 مع التأكيد على أهمية الإشتراكية وتأميم أغلب الشركات والأراضي والتجارة الخارجية. وبعد وفاة الرئيس تم تعديل الدستور وأجرت حكومة “الشاذلي بن جديد” تحويراً دستورياً سنة 1986 باتجاه الرأسمالية، وتعدد الأحزاب، وسنة 1989 تم إحداث فصل يجيز تحوير الدستور من دون استفتاء! بعد أزمة سنة 1991 لم يعد الدستور يطبَق بشكل كلي، حتى جاء الرئيس زروال وأطلق دستوراً جديداً سنة 1996، الذي أكد على حرية التجارة وتأسيس الأحزاب ووقع ذكر الأمازيغية لأول مرة (في الديباجة فقط) كأحد المكونات الأساسية لهوية الشعب.

عند تولي الرئيس بوتفليقة الحكم عدل الدستور سنة 2002 وأضاف “التامازيغت” كلغة وطنية، ثم عدله بعد ذلك في مناسبتين (سنة 2008 وسنة 2016)، وتم التنصيص على إحداث معهد جزائري للغة الأمازيغية لدى رئيس الجمهورية.

نصت ديباجة دستور 1963 على ما يلي:
“إن الاسلام واللغة العربية كانا ولا يزال كل منهما قوة فعالة في الصمود ضد المحاولة التي قام بها النظام الاستعماري لتجريد الجزائريين من شخصيتهم. فيتعين على الجزائر التأكيد بأن اللغة العربية هي اللغة القومية الرسمية لها، وأنها تستمد طاقتها الروحية الأساسية من دين الإسلام”.
ومن مواده:
-المادة 2: الجزائر جزء لا يتجزأ من المغرب العربي والعالم العربي وإفريقيا.
-المادة 5: اللغة العربية هي اللغة القومية والرسمية للدولة.

تمكن الزواف من شطب كل ما سبق، وقاموا بدسترة اللغة الأمازيغية، فأصبح للدولة الجزائرية لغتان وبالتالي هويتان، وهذا ما شرع الباب أمام الدعوات الانفصالية التي باتت تستند إلى أرضية دستورية تكرس وجودها كهوية وكمكوّن داخل الجزائر يسعى لتحقيق ذاته ككيان مسلوب الحقوق، كما أن “الفرنكوا بربريست” لم يتورعوا عن خلق راية جديدة لهم غير الراية الوطنية الجزائرية تم تصميمها في فرنسا.
والغريب أن التعديلات التي أدخلها “الزواف” على الدستور والتي تمس بهوية الشعب تم تمريرها دون الاستناد إلى استفتاء، وبناء عليه كنا نتوقع من الرئيس عبد المجيد تبون أن ينتصر لإرادة الشعب ويسترجع حقوقه عبر إلغاء كل التحويرات التي تمس هوية الجزائر وتناقض روح ثورة نوفمبر بدل تكريسها وتثبيت كل ما من شأنه أن يشرع لتفتيت الجزائر، لا بل إن مقترح التعديل الحالي انطوى على فصولٍ مخزية تسر خاطر فرنسا وأيتامها.

إن التنصيص على الهوية الأمازيغية في الدستور هو بمثابة النواة الصغرى للفيدرالية، بما يشكل تهديداً صارخاً للوحدة الوطنية. فأي مستقبل ينتظر دولة بلغتين وهويتين ورايتين؟! إنه لمستقبلٌ مرعبٌ، فبعد التمهيد له يصبح التقسيم والاحتراب الداخلي مسألة وقت لا أكثر.

إذا كان القايد صالح ومعه كل أحرار الجزائر ينادون بالنوفمبرية فلماذا لا نعود بكل بساطة إلى دستور نوفمبر؟ كيف للنوفمبريين أن يعتمدوا دستوراً مناقضاً تماماً لمبادئ ثورة التحرير؟

لعل أحد الأشياء غير المنطقية هو أن بقايا السلطة التشريعية الفاسدة، التي عملت على شطب عروبة الجزائر من الدستور الحالي، ستشارك اليوم في المصادقة على مشروع تعديل الدستور!

ألم يكن حريّاً بالرئيس، الذي يفترض أنه يمثل القطيعة مع الحقبة التي سبقته، وجاء لإصلاح ما تم تخريبه، أن ينقح القانون الإنتخابي أوّلاً ثمّ يعرض مقترحه لتعديل الدستور على السلطة التشريعية التي سيتم انتخابها لاحقاً وتكون ممثلاً حقيقياً للشعب؟

كل هذه الأسئلة تبقى من دون إجابة حتى إشعارٍ آخر، وحتى تتضح الروية أكثر… وفيما يلي نستعرض أخطر ما ورد في مقترح تعديل الدستور:
*المحور السادس / عنوان فرعي: “مقترحات أخرى”
– النقطة الثانية من المحور السادس: التنصيص على “حظر خطاب الكراهية والتمييز”، وهذه النقطة في ظاهرها ستطبق على الجميع، ولكنها ستؤدي إلى تجريم أي هجوم على دعاة “الأمازيغية” بحجة أن هذا مناقض لنص الدستور!
– النقطة الثالثة من المحور السادس: التنصيص على “تخصيص بعض البلديات بنظام خاص”.
هذه النقطة تعتبر مدخلاً “لفدرلة” الجزائر بأسلوب ناعم وملتوي، وستستند إليها البلديات التي سيتخذ منها الزواف معقلا لهم (تيزي وزو نموذجاً..) لتكريس ذاتهم “الثقافية” المصطنعة، وإن كان المقترح بريئاً، فلماذا تخصيص “بعض” البلديات بذلك دون الكل، ولماذا يفتح الباب أمام ضرب مركزية الدولة؟

– النقطة العاشرة من المحور السادس: التنصيص على “إدراج لغة تمازيغت ضمن الأحكام التي لا تخضع للتعديل الدستور”، وقد تم اعتبارها ضمن المبادئ فوق دستورية في المادة 234.
وهذا يعني تثبيتها للأبد، فلم يكتفي المقترح بإعلانها لغة معتمدة فحسب، وإنما حرص على ديمومتها!

* إلغاء الفصل 63 من دستور 2016 الذي يجعل من تقلّد المهام والوظائف في الدولة حكراً على من يحمل الجنسية الجزائرية دون سواها، وتعويضه بالفصل 70 في مشروع الدستور الذي يلغي شرط الجنسية. وسيمكن هذا الفصل الخونة الحركيين مثلاً، والمواطنين الفرنسيين، من تقلد مناصب ومهام داخل مؤسسات الدولة.

* في المحور الأول (الحقوق الأساسية والحريات العامة) تم التنصيص في النقطة السادسة عشر على منع القانون من أن يتضمن أحكاماً تعيق بطبيعتها حرية انشاء الأحزاب السياسية.
سيفتح هذا النص الباب أمام إنشاء أحزاب على أساس جهوي قبائلي مما يمهد لتقسيم الجزائر، ويعطي مشروعية لقيام حزب “الماك” العنصري مثلاً والذي يسعى لإقامة دولة “أمازيغية”.

بناء عليه تضم لائحة القومي العربي صوتها إلى أصوات أحرار الجزائر وحراس هويتها القومية الذين يطالبون ويعملون على إسقاط هذا المشروع الذي يمثل خطراً واعتداءً على منجزات ثورة التحرير، والذي يُعد مشروعاً لتقسيم الجزائر وليس مجرد تعديل دستوري، وفي حال مر هذا المشروع المسموم ربما يكون عبد المجيد تبون آخر رئيس للجزائر الموحدة.

في الختام نؤكد للذين قد يتصيدون في المياه العكرة أن إنتقادنا لأداء الرئيس عبد المجيد تبون وللعاملين معه لن يغير قيد أنملة من موقفنا الداعم للجيش الوطني الشعبي الجزائري سليل جيش التحرير، كما نؤكد على أن دعمنا للرئيس عبد المجيد تبون قام على أساس تبنيه لمبادئ ثورة نوفمبر وعلى أساس خطابه المدافع عن وحدة الجزائر وعن جيشها، واستمرار دعمنا سوف يبقى على هذا الأساس، ونقدنا هذا مهما بلغت حدته نعتبره عتاباً أخوياً لا مطمع للإخوان المتأسلمين فيه ولا للقوى السياسية المرتهنة للأجنبي.

عاشت الجزائر متجذرة في هويتها العربية..

عاشت مبادئ ثورة نوفمبر المجيدة التي كتبت بالدماء الطاهرة..

الخزي لفرنسا والعار لأذنابها..

لائحة القومي العربي
14/5/2020

للمشاركة على فيسبوك:

في الجزائر، مسودة التعديلات الدستورية تُشَرّع لضرب الهوية وتُمهد لتفكيك الوحدة الوطنيةإيماناً منا بوحدة المصير القومي…

Geplaatst door ‎لائحة القومي العربي/ الصفحة الرسمية‎ op Donderdag 14 mei 2020

الموضوعات المرتبطة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة     فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم [...]

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية وسورية

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية [...]

حديث في مصطلح “الوحدة الوطنية الفلسطينية” – فيديو

حديث في مصطلح "الوحدة الوطنية الفلسطينية" - [...]
2024 الصوت العربي الحر.