“المنظومة الليبرالية الغربية تنقلب على ذاتها: مثالا “تويتر” و”تيك توك

December 20th 2022 | كتبها

إبراهيم علوش – الميادين نت

 

ترافقت الردة الغربية الجديدة عن قيم “حرية السوق”، و”حرية حركة رأس المال”، و”قدسية الملكية الخاصة”، و”تحجيم الدور الاقتصادي للدول”، في حيز الاقتصاد، مع الإسقاط العلني لقيم “حرية الوصول إلى المعلومة”، و”حرية الرأي والتعبير والفكر والمعتقد”، و”جمالية التعددية”، في حيزي الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي.

لكنّ الغرب الجماعي بدأ فرضَ العقوبات والحصارات أو تجميد الأصول ومصادرتها أو التدخل السافر في آلية عمل السوق أو حركة رأس المال عبر الحدود قبل الحرب الأوكرانية، كما بدأ سعيه لتوجيه وسائل الإعلام والثقافة عموماً من قبلها (أنظر مثلاً كتاب “من دفع للزمار؟ الـCIA والحرب الباردة الثقافية”، الصادر عام 2000، من تأليف فرانسيس ستونر سوندرز).

ولطالما عانى مناهضو الصـهـ.ـيـو نية وأنصار حركات المـ.ـقـاو مة العربية أشد أنواع التقييد والحظر والشطب من طرف إدارات وسائل التواصل الاجتماعي، ولا سيما تطبيق “فيسبوك”، في حين ظلت الديكتاتورية الليبرالية قادرةً على الحفاظ على أقنعتها ما دام المستهدفون بإجراءاتها القمعية محسوبين على “الهامش المجنون” في الغرب ذاته، أو معدودين من خارج دوائر العولمة عموماً، حتى لو مثلوا أغلبية ساحقة خارجها.

لم تبدُ محاربة المحتوى الفلسطيني والمـ.ـقـاو م على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر، ارتداداً عن أيديولوجية حرية انسياب السلع والخدمات ورأس المال والأفكار والمعلومات عبر الحدود من دون قيود، ولا سيما مع حساسية مقولة “معاداة السامية” غربياً.

على العكس تماماً، كلما اتخذ رأس المال المالي الدولي طابعاً ربوياً ومضارباً غير منتج، أصبح أكثر يـ.ـهـ.ـو ديةً، بحسب تعبير كارل ماركس في كتيب “في المسألة اليـ.ـهـ.ـو دية” (1844)، وكلما أصبح بالتالي أكثر اندماجاً، من الناحية الأيديولوجية، مع “اليـ.ـهـ.ـو دي العملي”، بحسب تعبير ماركس في الكراس ذاته.

يصبح الذوبان في المقولة الصـهـ.ـيـو نية، في هذا السياق، دفاعاً عن العولمة ذاتها، ويصبح تهميش المحتوى الفلسطيني والمـ.ـقـاو م أقل إثارةً للحساسيات الليبرالية إزاء “حرية الرأي والتعبير” في الغرب، لأن التماهي مع كل ما هو يـ.ـهـ.ـو دي من أهم أبعاد الليبرالية الحديثة التي تمثل أيديولوجية العولمة.  ومهما أصر البعض منا أنه ليس ضد اليـ.ـهـ.ـو د أو اليـ.ـهـ.ـو دية، بل ضد الصـهـ.ـيـو نية فحسب، فإن ذلك لا يغير شيئاً؛ لأن المنظور الليبرالي الحديث يعُدُ “المحـر قة” بقرةً مقدسة لا تمس، ويعُدُ الصفة الكوزموبوليتية المعولمة لليـ.ـهـ.ـو د مقياساً أعلى لما يجب أن يكون عالمياً، ويعُدُ نشر “التعددية الثقافية” (والجنسية وغيرها) الشرط الأمثل لمنع تكرار “المحـر قة” المزعومة، ولتقبل نفوذ اللوبيات الصـهـ.ـيـو نية وتدخلاتها.

لا نتحدث هنا عن أقلية مضطهَدة، إذاً، كي “نتبرع” بالاستعداد للتساوي معها، بل عن كتلة مندمجة برأس هرم رأس المال المالي الدولي، فإما أن تقر لها بالسمع والطاعة وإما أنك عدو، من كوريا الشمالية إلى إيران إلى الوطن العربي إلى أمريكا اللاتينية… ولا يجوز أن ننسى أبداً أن الصـهـ.ـيـو نية ليست احتلال فلسطين والجولان فحسب، بل حركة عالمية ذات نفوذ عالمي.  ومن يتجاهل تلك الحقيقة يتجاهل حكمة عمرها آلاف السنين هي: “اعرف عدوك” (يقال إنها ظهرت أول مرة في كتاب “فن الحرب” لصن تزو في القرن الخامس قبل الميلاد).

في ارتداد النخب الغربية عن مقولات العولمة

 

من الطريف أن بريطانيا وشركة الهند الشرقية شنتا “حرب الأفيون” الأولى على الصين، عام 1839، كي تفرضا عليها القبول بـ”حرية التجارة” و”حرية البيع والشراء” مع الغرب (ومنه الأفيون الذي كانت تبيعه بريطانيا للصينيين جهاراً نهاراً).  وشنت بريطانيا وفرنسا “حرب الأفيون” الثانية على الصين أيضاً، عام 1856، تحت الشعار ذاته.  أما اليوم، فإن الغرب الجماعي ذاته، تحت قيادة الولايات المتحدة، يحارب الصين  كي يقيد صادراتها إليه ويعيق استثماراتها لديه.

لكنّ الغرب الجماعي وجد نفسه، بعد تطور ديناميكيات العولمة في اتجاهاتٍ أضعفت وزنه العالمي اقتصادياً وسياسياً، أمام حقيقتين لا مفر من مواجهتهما:

أ –  نشوء مراكز قوى عالمية وإقليمية جديدة خارج المتروبولات الغربية، وعلى رأسها روسيا والصين اللتان تمثلان مشاريع مستقلة تستند إلى دول قوية ليست نخبها الحاكمة جزءاً من منظومة رأس المال المالي الدولي، وتمتلك الدولة حصصاً كبيرة من اقتصادها.

ب – وقوع انقسام عامودي داخل المجتمعات الغربية نفسها بين القوى المتضررة من العولمة من جهة، والقوى الداعمة لها من جهةٍ أخرى، وعبّر ذلك الانقسام عن نفسه سياسياً بصراعاتٍ بين اليمين الشعبوي من جهة، والليبرالية المعولمة، المتهمة زوراً في الغرب بأنها “يسار”، من جهة أخرى.

دفع هذا التهديد النخب الغربية إلى خيانة مبادئها الليبرالية المعولمة علناً سعياً للحفاظ على سلطتها، وتجلى ذلك في أمرين:

أ –  الارتداد عن العولمة علناً، من خلال فرض إجراءات مركنتيلية أو حتى حربية، لمحاصرة روسيا وتحجيم الصين، وللحفاظ على تفوق الاقتصاد الأمريكي، ولو على حساب أوروبا، كما في حالة قانون مكافحة التضخم الذي تبناه الكونغرس الأمريكي.

ب – تقنين حرية التعبير بالنسبة لليمين الشعبوي، كما في مثال حظر الرئيس السابق ترامب من وسائل التواصل الاجتماعي، وتقنين حرية الوصول إلى المعلومة، كما في مثال حظر الاتحاد الأوروبي وسائل الإعلام الروسية على أراضيه.

كم يختلف هذا، من المنظور الغربي، عن محاربة المحتوى الفلسطيني والمـ.ـقـاو م في وسائل التواصل الاجتماعي!  لا بل يمكن القول إن تزعزع منظومة العولمة، اقتصاداً وقيماً، وارتداد أربابها عنها وتراجع سطوتها أيديولوجياً أسهم إلى حدٍ ما في تبرعم نفسٍ غربيٌ داعم للقضية الفلسطينية، لأن للمسألة وجهين، فكما تتعزز الصـهـ.ـيـو نية مع هيمنة رأس المال المالي الدولي، أي مع هيمنة الإمبريالية، كذلك تتراجع سطوة الصـهـ.ـيـو نية مع تراجع هيمنة رأس المال المالي الدولي، وتتعزز القضية الفلسطينية كلما تعززت مناهضة الإمبريالية.

المهم هنا هو انقلاب الليبراليين على ليبراليتهم من دون خجل حفاظاً على سلطتهم المهددة، إذ لم تعد إجراءاتهم القمعية تطال من يمكن تسميتهم بـ”خوارج العولمة” أو “محور الشر” المزعوم أو حركات المـ.ـقـاو مة المتهمة، غربياً وصـهـ.ـيـو نياً، بممارسة “الإرهاب”، بل راحت تطال أقطاباً رئيسية في الاقتصاد العالمي، أو في البنى الداخلية للمجتمعات الغربية ذاتها.

مثالان بارزان من وسائل التواصل الاجتماعي

لنا هنا أن نأخذ مثالين بارزين:

  • مثال تطبيق “تويتر”: بعد استحواذ الملياردير إيلون ماسك على تطبيق “تويتر” للتواصل الاجتماعي  نهاية شهر تشرين الأول / أوكتوبر الفائت، شرعت الإدارة الجديدة للتطبيق برفع الحظر عن آلاف الصفحات المحظورة سابقاً، كان من أبرزها حساب الرئيس السابق ترامب، وحساب الملياردير الأمريكي كانييه وست Kanye West، الذي حُظِر على تطبيقي “تويتر” و”إنستغرام” بذريعة ملاحظات على صفحته عدت “معادية للسامية”.

بدأت الدولة العميقة الأمريكية، منذ ذلك الوقت، تضيّق على إيلون ماسك، وتهدد بملاحقته قانونياً بذرائع شتى، ورد ماسك بكشف آلاف الوثائق التي تظهر حجم الرقابة والتقييد في “تويتر”، قبل استلامه إدارتها، ضد ترامب وأنصاره واليمين الشعبوي عموماً.

ماسك بالطبع هو مالك الحصة الأكبر في شركة “تيسلا” للسيارات الكهربائية، وفي شركة “سبيس أكس” للسفر الفضائي، وهو صاحب شركة “ستارلنك” التي تزود أوكرانيا بصلات الإنترنت عبر أقماره الصناعية، والتي باتت عنصراً رئيسياً في إدارة الحرب من طرف هيئة الأركان الأوكرانية.  وكان ماسك قد صوّت لصالح جو بايدن ضد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة.  فهو يعد من “عظام الرقبة” إذا صح التعبير.

لكنّ التزام إيلون ماسك بالخط الليبرالي حرفياً، ودفاعه المطلق عن حرية التعبير، بعيداً عن الحسابات السياسية الضاغطة للنخبة الحاكمة، أدخله في تناقض حادٍ في الأشهر الأخيرة مع الدولة العميقة الأمريكية.

ومع ذلك، فإن ماسك ذاته عاد وحظر حساب كانييه وست عندما تجرأ الأخير في بداية الشهر الجاري على نشر نجمة داوود وفي داخلها صليب نازي معكوف.  فذلك تجديفٌ لا يجرؤ حتى ليبرالي عقائدي مثل إيلون ماسك أن يتقبله.

قصة كانييه وست قصة كبيرة بذاتها، وهو بالأساس مغنٍ ومنتج أغانٍ ومصمم أزياء، ولكنه يخسر حالياً ثروته الكبيرة بسرعة متزايدة مع تزايد حصار الشركات التي يتعامل معها عليه (على رأسها شركة “أديداس” للألبسة الرياضية)، بسبب إصراره على مواجهة البقرة المقدسة في العالم الغربي، وما تبع ذلك من اتهامه بـ”معاداة السامية”.

لقد أرادت “المؤسسة” أن تجعل من كانييه وست عبرةً لمن اعتبر.  وكان ما استجر عليه نقمتها منشوران فحسب، منع بعدهما من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي فيما راحت وسائل الإعلام ووسائل التواصل تتناوله بحملات تشويه يُمَنع التصدي لها أو الرد عليها من دون أن ينصره نصير.

كانييه وست، بالمناسبة، ليس من العرق الأبيض بل إفريقي-أمريكي، فهو بكل تأكيد آخر من يمكن اتهامه بـ”العنصرية البيضاء”.  لكن ذلك لا يهم، لأنه تطرق إلى نفوذ اليـ.ـهـ.ـو د في الغرب، وبمقدار ما يضعف الدافع الذاتي، أي الأيديولوجي، لتقديس تلك البقرة، بمقدار ما يصبح اللجوء إلى فرض تقديسها فرضاً، بقوة القانون أو غيره، ضرورياً.

  • مثال تطبيق “تيك توك”: أقر مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع قبل أيام تشريعاً يحظر تحميل تطبيق “تيك توك” الصيني المعروف، وتطبيق “وي تشات” (معادل “فيسبوك” صيني)، على أي حاسوب أو جهاز إلكتروني تابع للحكومة الفيدرالية الأمريكية.  كذلك أصدر حكام 11 ولاية أمريكية أوامر تنفيذية بحظر “تيك توك” على أي جهاز تملكه الولاية، وما برحت الولايات تنضم إلى ذلك الحظر الواحدة تلو الأخرى.

كذلك يجري تداول مقترح تشريع حالياً، برعاية الحزبين الجمهوري والديموقراطي، لحظر “تيك توك” تماماً في الولايات المتحدة، وحظر تحميل أي تطبيق تواصل اجتماعي مصدره دولة معادية من المنظور الأمريكي، وتسمي مسودة التشريع روسيا والصين وإيران وكوريا الشمالية وكوبا وفنزويلا.

الذريعة أمنية طبعاً، وهي أن تلك التطبيقات يمكن أن تستخدم للتجسس ولتكوين بنوك معلومات عملاقة عن المواطنين وللتأثير بالرأي العام والتلاعب به سياسياً وثقافياً، وهو تماماً دور وسائل التواصل الاجتماعي المسيطر عليها غربياً في العالم.  ويبدو أن الإدارة الأمريكية تعد ذلك “حلالاً” عليها وحراماً على الآخرين.

لكنّ الحملة لحظر تطبيق “تيك توك” تواجه صعوباتٍ عمليةٍ جمة بسبب مدى انتشار استخدامه بين الأمريكيين وغير الأمريكيين، فالتطبيق يستعمله 1.5 مليار إنسان شهرياً حول العالم، وبلغت عائدات “تيك توك” نحو 4.7 مليار دولار عام 2021.  وهذا يسبب جرحاً نرجسياً للاستثنائية الأمريكية المزعومة، فضلاً عن أثره التجاري المنافس في شركات تكنولوجيا المعلومات الأمريكية التي تتباهى بتفوقها في التطبيقات التكنولوجية عموماً، وعلى رأسها شركة “ميتا” المالكة لـ”واتس أب” و”فيسبوك” و”إنستغرام”، وغيرها من الشركات مثل “ألفابِت” و”أبل” و”أمازون” و”مايكروسوفت”.

لا يمكن طبعاً فصل الحملة على “تيك توك” عن سياق الحملة الأمريكية الأوسع ضد شركات التكنولوجيا الصينية عموماً، ولا يمكن بالأخص فصلها عن الحرب الضروس التي شنتها الإدارة الأمريكية على شركة “هواوي” لأنها أحرزت قصب السبق في تطوير شبكة إنترنت 5G، فالصراع يدور على تشكيل المستقبل، وعلى الخطوط الجيوسياسية والجيواقتصادية للفضاء الافتراضي الذي ربما أصبح، من خارج الجغرافيا، البعد الأهم للسيطرة على العالم والعقول والقلوب.

عندما كانت الشركات الأمريكية أو الغربية سباقةً تكنولوجياً ومتقدمة اقتصادياً، كان من مصلحتها أن تدك كل الحصون في طريقها باسم “التقدم التكنولوجي” و”حرية الوصول إلى المعلومة” و”حرية التجارة والاستثمار” على مستوى الكوكب وأبعد، أما عندما واجه الغرب منافسين حقيقيين، فإنه لم يكترث كثيراً لقواعد المنافسة، فأسقط قناعه الليبرالي عن وجهه الإمبريالي وكشر عن أنيابه وبدأ يلعب على المكشوف، وهذا جيدٌ جداً في الحقيقة لأنه يصب مباشرةً في جيب مناهضي الإمبريالية، ويساعد على وضع التناقضات أمام الأعين بوضوح، فالخطر يأتي من تضييع الحدود مع الإمبريالية والصـهـ.ـيـو نية، لا من رسمها بصورةٍ لا تخطئها العين.

مقارنة عربية مع المفهوم الغربي للقومية

 

يشن الغرب حربه داخلياً على اليمين الشعبوي لأن نزعته القومية تتناقض مع العولمة، ولكنه لا يجد حرجاً في دعم أنصار النازية في أوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات وبشحنات أسلحة استنزفت مخزونات تسليح الجيوش الغربية.

على الهامش، تجدر الإشارة إلى أن المفهوم الغربي للقومية يختلف جذرياً عنه لدى أمم جنوب الكرة الأرضية وشرقها عموماً.  فالقومية في الغرب تعني:

أ – التعصب عرقياً للإنسان الأبيض الآري.

ب – التعصب دينياً للمسيحية بروحية الحملات الصليبية (التي استهدفت مسيحيي الشرق أيضاً).

ج – التعصب حضارياً لمزاعم “تفوق الحضارة الغربية”.

وهي قواسم مشتركة بين القوميين الأوروبين حتى لو اختلفوا فيما بينهم بين قومي ألماني وآخر بريطاني وآخر فرنسي وآخر أمريكي إلخ… لكن الأساس الاقتصادي الذي يحرك الواحد من هؤلاء، ولا سيما على مستوى الطبقات الشعبية، هو السلعة الصينية الرخيصة التي أفقدته وظيفته، والمهاجر أو اللاجئ الذي ينافسه في سوق العمل المحلي.  لذلك، ازداد تفشي هذه النزعة في المجتمعات الغربية مع تعمق مسار العولمة، واتخذت مناهضتها هناك شكلاً يمينياً “أبيض”.

كانت فكرة “الرسالة الحضارية للرجل الأبيض” يافطة الحروب الاستعمارية والمجازر الكبرى التي ارتكبها الغربيون عبر القارات الخمس، وكانت النزعة القومية للقوى الاستعمارية الصاعدة، في مواجهة القوى الاستعمارية السائدة، أحد أسباب نشوب الحرب العالمية الأولى، وجزئياً الثانية، ومن هنا تحسس الرأي العام الغربي من المقولات القومية.

وتختلف حركات التحرر القومي في جنوب الكرة الأرضية وشرقها، بالمقابل، في أنها:

أ – حركات تحرر لبلدان وأمم مستعمَرة لا حركات استعمار أو توسع استعماري.

ب – لا تستند إلى المقولات العرقية في الدفاع عن قوميتها (ولا يوجد مثلاً مفكر قومي عربي رئيسي واحد يعُدُ العرق أحد مكونات القومية، كما أظهرتُ في كتاب “أسس الفكر القومي العربي”، الصادر عام 2013).

ج – طرحَت مشاريعها القومية في سياق وحدوي نهضوي تحرري يتوقف عند حاجز الحدود الطبيعية للأمة جغرافياً، ودعمَت حركات التحرر القومي في الأمم الأخرى، ما يفتح الباب واسعاً أمام الأخوة بين الأمم، على عكس القوميات الأوروبية التي كانت منصة للاستعلاء القومي (الشوفينية) وكراهية الآخرين والتعدي على حدودهم.

من البديهي أن المشروع العثماني، على سبيل المقارنة، هو أقرب للمفهوم الأوروبي للقومية، لأنه مشروع إمبراطورية استعمارية توسعية بالمحصلة تقوم قاعدته على العنصر الطوراني.  أما في الوطن العربي، فإن المتعصبين دينياً (داعــش نموذجاً) معادون للقومية العربية، ولا يحسبون على القوميين طبعاً.

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid0jLmUv1L7fACfqVVetaADm5KMwAw1skzZpgVrJuCWUc8vdVKDWLLc49gBFXEZXofXl&id=100041762855804

  https://www.almayadeen.net/research-papers/المنظومة-الليبرالية-الغربية-تنقلب-على-ذاتها

الموضوعات المرتبطة

خيارات الرد الإيراني من المنظور المعادي

  إبراهيم علوش – الميادين نت تتقاطع التقارير والمقالات الأمريكية و"الإسرائيلية" التي تتناول خيارات الرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية على أتوستراد المزة في دمشق، والمحاذية [...]

مدرج الطائرات الضخم في جزيرة عبد الكوري في أبعاده الصغرى والكبرى

  إبراهيم علوش – الميادين نت تبلغ مساحة جزيرة عبد الكوري، في أرخبيل سُقطرى اليمني، 133 كيلومتراً مربعاً فحسب، ويبلغ طولها 36 كيلومتراً، وعرضها، عند أوسع حيز فيها، 5 كيلومترات، أما عدد سكانها [...]

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]
2024 الصوت العربي الحر.