ثقافة “داحس والغبراء” في الصف القومي والوطني

January 23rd 2013 | كتبها


 

كثيراً ما اعلق أمام شركاء النضال بأن علينا أن “نخصم” حوالي خمسين بالمئة من جهودنا “بدل أو فرق تخريب”.  والمقصود ليس التخريب الذي قد تمارسه قوى أو أجهزة معادية، فذلك من طبيعة الأشياء، إنما الخدمات المجانية التي يقدمها بعضنا للأجهزة والقوى المعادية، أي ذلك الاحباط المنهجي والمتعمد الذي تقوم به قوى وشخصيات قومية ووطنية ويسارية ومناضلة لنشاطات وجهود بعضها البعض، لا لشيء، إلا لأنه نشاطٌ أو موقفٌ أو عملٌ لا تمكن نسبته إليها، مع أنه قد يكون منسجماً بدرجة كبيرة مع موقفها وخطها السياسي، لذلك تميل لاعتباره تقليلاً من منزلتها أو موقعها، خاصة إذا كان نشاطاً أو نضالاً غير قابل للتجيير.   

 

وغالباً ما يستتبع ذلك حملات تشويه متبادلة، للأسف، ومحاولات استقطاب وحصار وصولاً لاتهامات العمالة والارتباط بجهات مشبوهة، لأن من يبذل الجهد والتضحيات في العمل لا يستطيع أن يتصور من يمكن أن يكون معنياً بإفشال جهوده سوى الأجهزة والقوى المعادية… إلا إذا كان هو من يخرب جهود غيره طبعاً، فعندها يصبح معظم الحرام حلالاً.

 

ويستتبع ذلك التخوين والاتهامات طبعاً حاجزٌ من العداء والشك والخوف المتبادل يجعل من أي بادرة حسن نية من شخصية أو جهة أخرى موضع تساؤل وتوجس، خاصة في ضوء سجل صراعات “داحس والعبراء” العبثية في الصف القومي والوطني التي يخسر فيها الجميع، وأول الخاسرين بالطبع هو القضية المشتركة التي يفترض أنهم يعملون جميعاً من أجلها.

 

بالمناسبة، هذه ليست دعوة أخرى لوحدة التيار القومي، أو حتى لتنسيق الجهود، فذلك يتطلب درجة ما من وحدة الرؤية ووحدة الهدف ووحدة المنهج، واتفاق على الثوابت، بالحد الأدنى، وهذا غير متوفر حالياً، حتى لو اتفق الجميع على الشعار، لأن العبرة بالبرنامج والموقف السياسي والاصطفاف حول التناقض الرئيسي هنا والآن.   مثلاً، من يزعم أنه قومي، وهو يضع يده بيد الدول الاستعمارية بذريعة “الحرية” و”الديموقراطية”، هو…. (إملأ الفراغ).

 

ولعل أبرز الأمثلة على الصراعات التي أسهمت بإضعاف التيار القومي والوطني في التاريخ العربي المعاصر هي صراعات البعث والناصرية، وصراع البعثين في سورية والعراق، وصراع البعث وحركة القوميين العرب، وصراع القوميين واليساريين، الخ… لكن تلك صراعات تاريخية على الأقل، كانت تحركها جزئياً اعتبارات الجغرافيا السياسية والتجزئة القطرية، بمقدار ما كان الجميع يصرون أنهم قوميون.

 

ولذلك حاولنا في “لائحة القومي العربي” أن نرسخ نهج الوقوف مع كل قومي (أو غير قومي) يواجه قوى الهيمنة الخارجية، ولو كانت لنا معه خلافات، والوقوف مع كل نقطة مقاومة، لأن القاسم المشترك هو مصلحة الأمة، من العراق إلى ليبيا إلى سورية، إلى جنوب لبنان قبلها، ولن نتردد بالوقوف مع الجزائر في وجه المؤامرة التي تتعرض لها، فيما نؤكد كقوميين وحدويين رفضنا المطلق لانفصال الصحراء الغربية عن المغرب.

 

ومن المؤسف أن نرى، فيما الطوفان يغمر الجميع، من يعتبر الإشادة بأي قائد أو رمز قومي تقليلاً من قائد أو رمز قومي أخر، وأن نرى من يصرف الوقت والجهد في التآمر على غيره من القوميين، في صراعات لا تحظى حتى بشرف وصفها كصراع خطوط سياسية، إنما هي صراعات “داحس والغبراء” لا تراكم إلا الدمار. 

 

يا جماعة نحن القوميين ليس لدينا “مرشد أعلى” يأتمر الجميع بأمرته، لذلك تعالوا نتفق على مقياس بسيط: ندعم كل من يسجل مقاومة أو هدفاً مهما كان صغيراً في مرمى أعداء الأمة…

 

إبراهيم علوش

 

للمشاركة على الفيسبوك:

http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=595022517181654&id=100000217333066

 

 

الموضوعات المرتبطة

هل يقتصر الرد “الإسرائيلي” على 3 مسيرات صغيرة في أصفهان؟

إبراهيم علوش – الميادين نت ما أن كسرت إيران قواعد الاشتباك غير المعلنة بأكبرَ وابلٍ من الصواريخ والمسيرات يتلقاها الكيان الصهيوني دفعةً واحدةً في تاريخه، حتى انطلقت رشقةٌ موازية من [...]

خيارات الرد الإيراني من المنظور المعادي

  إبراهيم علوش – الميادين نت تتقاطع التقارير والمقالات الأمريكية و"الإسرائيلية" التي تتناول خيارات الرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية على أتوستراد المزة في دمشق، والمحاذية [...]

مدرج الطائرات الضخم في جزيرة عبد الكوري في أبعاده الصغرى والكبرى

  إبراهيم علوش – الميادين نت تبلغ مساحة جزيرة عبد الكوري، في أرخبيل سُقطرى اليمني، 133 كيلومتراً مربعاً فحسب، ويبلغ طولها 36 كيلومتراً، وعرضها، عند أوسع حيز فيها، 5 كيلومترات، أما عدد سكانها [...]

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]
2024 الصوت العربي الحر.