شهدت الأمم المتحدة خلال فترة رئاسة كوفي عنان لها بين عامي 1997 و2006 تحولها الأكثر تطرفاً إلى بوقٍ للخارجية الأمريكية، دون أن يكون رئيسها آنذاك عائقاً يذكر، على العكس، كانت مواقفه من الانتفاضة الفلسطينية الثانية إلى احتلال العراق وأفغانستان، إلى السودان ولبنان، ومن القضايا العربية عامة، ممالئة للولايات المتحدة أو مهادنة أو متحفظة على استحياءٍ شديد.
وعليه لا يمكن أن يتوهم أحد في كوفي عنان شخصية محايدة، سوى أنه شخصية كان يفترض بها أن تكون محايدة، فلم تكن… بالتالي فإن إرساله إلى سوريا، كأحد عناصر النخبة الدولية المجربة والمضمونة من قبل الولايات المتحدة، جاء على خلفية تطورين مهمين:
أولاً، عدم قدرة المعارضة المسلحة في سوريا على الاحتفاظ بأي رقعة جغرافية مدة كافية من الزمان تتيح إعادة إنتاج سيناريو بنغازي،
ثانياً، الموقف الروسي-الصيني الأكثر صلابةً الذي تعلم جيداً درس القرار 1973 ولم يعد مستعداً على الإطلاق لتمرير التدخل الأجنبي في سوريا تحت قناع “حماية المدنيين”.
وقد جاء هذان التطوران المعاكسان على خلفية الالتزام الأطلسي والخليجي، إلى نقطة اللاعودة، بمشروع “تغيير النظام” في سوريا، مما خلق حاجة سياسية ملحة لإيجاد فسحة لالتقاط الأنفاس لإعادة صياغة إستراتيجية مهاجمة سوريا فيما تشتد وطأة الحصار الاقتصادي والسياسي من الخارج، والعمل الإرهابي من الداخل. ومن هنا جاءت مهمة كوفي عنان..
وقد جاءت موافقة القيادة السورية على مبادرة عنان، على الرغم من الالتباس الكبير في نقاطها الستة، القابلة للتأويل باتجاهين، بالضبط لأنها تمثل تراجعاً غربياً يعكس ميزان القوى على الأرض السورية، وعلى المستوى الدولي، ولأنها باستيعاب المبادرة يمكن أن تبني عليها موطئ قدمٍ لقلب الميزان أكثر لمصلحتها. وقد تجلى مثل ذلك التراجع بالأخص بالتخلي عن المطالبة العلنية المسبقة في “تغيير النظام”.
فإذا أبدت القيادة السورية ضعفاً أو تدهور موقفها الميداني والسياسي لأي سبب في المستقبل القريب، فإن “وقف إطلاق العنف المسلح” الذي يفترض أن تشرف عليه الأمم المتحدة في مبادرة عنان، والوساطة السياسية وإيصال المساعدات، يمكن أن يتحول بسهولة إلى تدخل مباشر دولي-إقليمي، وإلا فإن المبادرة ستفيد في شراء الوقت أو في تهيئة الفرصة للولايات المتحدة لإعادة ضبط ساعتها على توقيت القيادة السورية.
هذا الموضوع كتب بتاريخ Monday, April 9th, 2012 الساعة 8:51 pm في تصنيف مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك اضافة رد, او تعقيب من موقعك.
ويبدو أن العقوبات المالية بذرائع "قانونية" ستكون نهجاً مع سورية من الآن فصاعداً، كما كانت مع العراق وليبيا من قبل، في سياق تشديد الحرب الاقتصادية على سورية بعد فشل الصيغ الأخرى من العدوان [...]
حتى ساعاتٍ مضت، كانت الإشارات الصادرة من واشنطن توحي بأنها "باقية وتتمدد" في سورية، لا سيما مع الإعلان عن تأسيس نقاط وقواعد عسكرية جديدة لقوات "التحالف"، ومع تصريحات جيمس جيفري، المبعوث [...]
نجح المستشرقون باستدخال تعبير شعوب أو لغات "سامية" semitic للدلالة على الأقوام التي عاشت تاريخياً في المشرق العربي واللهجات التي يتحدثونها.. ويعرف من يعيشون في الغرب أن المقصود بتعبير "سامي" [...]
إبراهيم علوش
بالإضافة للبعد الجغرافي-السياسي، المتمثل بإقامة حاجز بين سورية والعراق، وقطع التواصل بين أجزاء محور المقاومة، لا بد من التذكير بالبعد الاقتصادي فيما يتعلق بمناطق سيطرة "قسد" [...]
لاحظوا أن السلطة الفلسطينية تتذرع دوماً بأنها وقعت المعاهدات مع العدو الصهيوني "لأن العرب تخلوا عن فلسطين"، ولاحظوا أن أنور السادات وقع كامب ديفيد بذريعة أن "العرب تخلوا عن مصر"، ولاحظوا أن [...]