صدى حرب الريف في المغرب العربي

September 2nd 2013 | كتبها

 

 

إبراهيم حرشاوي/لائحة القومي العربي

 

سنتناول في هذه المادة فقرة حول واحدة من أهم التجارب للعمل المشترك في مسيرة التحرير الوطني التي عرفتها منطقة المغرب العربي وبالأخص بين الأقطار المركزية، أي بين المغرب و الجزائر ومعهما تونس. وفي هذا الصدد تشير المصادر التي تناولت أحداث تلك المرحلة إلى أولى التجارب الوحدوية التي كان أحد روّادها الزعيم التونسي علي باش حمبة في أوائل القرن العشرين.  وقد كوّن علاقة قوية مع المقاومين الجزائريين وكان أخوه وراء تأسيس اللجنة التونسية-الجزائرية في برلين، وقد  قارن علال الفاسي، مؤسس حزب الاستقلال المغربي، علي باش حمبة بالزعيم التركي مصطفى كامل بناء على إيمانه بوحدة المغرب العربي[1].  ورافقت هذه التجربة تجربة جماعة “مجلة المغرب” التي كان  يديرها القاضي التونسي محمد باش حمبة والتي تبنّت موقفا إستقلاليا لمصلحة بلدان المغرب العربي الثلاث[2].

 

تميّزت عشرينيات القرن الماضي بأحداث حرب الريف في المغرب والتي كان لها صدى واسعا مغاربيا وعربيا ودوليا. انطلقت نيران الحرب في شمال المغرب من أفواه 18 بندقية موجهة إلى صدور جنود الاحتلال الإسباني في منطقة واقعة ما بين نهر أمقران وجبل غرغير على مشارف مدينة  تطوان[3]. و بلغت المواجهات التناحرية بين  الثوار المغاربة وجيش الاحتلال الإسباني ذروتها في معركة أنوال التي سحق فيها الجيش الإسباني (حوالي  13000 قتيل) واعتبرت الهزيمة أكبر هزيمة مني بها جيشٌ إستعماريٌ في إفريقيا  خلال القرن العشرين[4].

 

 وما يهمنا في هذه المادة هو رصد ردود الفعل في كل من الجزائر وتونس حول انتصارات جنود عبدالكريم الخطابي على القوات الإسبانية.  ففي الجزائر مثلا ترك الأمير خالد فراغا في الساحة الوطنية بعدما طردته السلطات الفرنسية ولاحقته في منفاه بفرنسا متهمة إياه بالتعامل مع عبد الكريم الخطابي، كما اعتقلت في الجزائر مجموعة من الوطنيين وعلى رأسهم رجل إسمه الريغي كان سيشعل الثورة في الجزائر بتنسيق مع الخطابي.  وقد شددت السلطات الاستعمارية الفرنسية المراقبة إبان فترة 1923-1926 على المناضلين الجزائريين. و قامت باعتقال جزائري إسمه محمد لكحل بمدينة ماينس الفرنسية وكان من الداعين إلى رفض الخدمة العسكرية في المغرب. كما انشق جنود جزائريون من ساحة القتال للالتحاق بقوات الخطابي أثناء المعارك في منطقة الريف كان من بينهم الحسن القادري المعروف باسم البغدادي الذي عمل ككاتب للخطابي ودخل السجن بعد نفي الخطابي إلى جزيرة لارونيون في المحيط الهندي[5]. و تجدر الإشارة هنا إلى المناضل الجزائري علي الحمامي الذي شارك هو الآخر عبد الكريم الخطابي فور إعلان زعيم الريف جهاده في المغرب ضد قوات الإسبانية والفرنسية.  و كان علي الحمامي متواجدا في المغرب قبل اندلاع الحرب في الريف بحيث أنه قاتل  إلى جانب الأمير عبد المالك الجزائري (ابن عبد القادر الجزائري) ضد القوات الفرنسية في المغرب[6].

 

أما في تونس فلم تكن إنعكاسات ثورة الريف أقل حجما. فقد كان صدى انتصارات عبد الكريم الخطابي في الساحة التونسية حاضرا على المستوى الشعبي والسياسي.  وازداد التفاعل مع الخطابي لما تدخلت فرنسا إلى جانب إسبانيا في شهر أبريل سنة 1925. و أكد آنذلك المقيم العام الفرنسي في تونس في تقاريره لوزير خارجيته عبر الكلام الآتي:”كل السكان المسلمين بتونس يتتبعون بحماس أحداث المغرب الأقصى و يحظى عبد الكريم بالتعاطف العام فهو ينظر له كبطل. إن الأهالي يعلقون على الأخبار التي تنقلها الصحف و يضخمونها و قد زادت المواظبة على قراءتها خاصة منذ أسابيع يتحلق الأميون أكثر  من أي وقت مضى حول قارئي الجرائد لسماع أخبار الجهاد في المغرب الأقصى ثم تتناقل الألسن أخبار خيالية حول ما يجد هناك[7].  وقد تنوع الدعم الشعبي للمقاومة في الريف المغربي من الدعاء لهم بالنصر إلى حد القتال ضد فرنسا و إسبانيا. و كان من أشهر الشخصيات بين هولاء هو محمد علي الحامي مؤسس أول نقابة تونسية مستقلة سنة 1924.  و تناول المناضل التونسي محمد شقرون الذي كان متواجدا في القاهرة في رسالة وجهها إلى عبد العزيز الثعالبي مغامرة محمد علي الحامي في الوصول إلى الجبهة في المغرب[8].

 

وعلى مستوى الحركات السياسية فكان الموقف التضامني الذي عبّر عنه القيادي للحزب الحر الدستوري  أحمد توفيق  جريئا وواضحا في  مقالة  بجريدة “إفريقيا” بشهر مايو 1925. أما أمين عام الحزب الحر الدستوري فتقدم بعريضة يعتبر فيها المقاومين في المغرب وطنيين واتخذ في نفس الوقت موقفا ضد خدمة التونسيين في الجيش الفرنسي بالمغرب إلا أن قيادة الحزب فضلت عدم التصديق على هذه العريضة خوفا من القمع الفرنسي [9]. و حسب تقارير المقيم العام الفرنسي في تونس فقد قام الوطنيون بحملة دعائية ضد التجنيد في الجيش الفرنسي لمحاربة جنود الخطابي وطالبوا بتكفير كل من يذهب إلى المغرب لمحاربة إخوانه في الدين.  وأشارت المصادر الأمنية الفرنسية آنذلك إلى موقف التيار الشيوعي التونسي الداعم  لثورة الريف في المغرب و بالأخص بعد نهاية سنة 1924  لما أصدرت الأممية الثالثة تعليماتها لدعم حركات التحرر. وقد أغلقت سلطات الحماية في تونس جريدتهم وأوقفت مديرها بعدما ندّدوا فيها بالسياسة الاستعمارية واعتبروا الحرب التي تشنتها فرنسا ضد الخطابي ورجاله حربا إمبريالية[10].  

 

ومن المهم أن نضيف بأن عبد الكريم الخطابي وجّه رسالة إلى الجزائريين والتونسيين يطالبهم بالوقوف إلى جانب ثوار الريف المغربي وعدم الالتحاق بالجيش الفرنسي لمحاربة المقاومين بحيث أنه عبّرعن أسفه حول مواجهة المجندين من الجزائر وتونس في ساحة المعركة. لكن أكد كذلك على الانشقاقات الكبيرة التي حصلت أثناء المعارك ويقول في هذا الخصوص ما يلي :“لقد فر من الواجهة الفرنسوية ملتجأ إلينا عدد غفير من أبنائكم الجنود والقواد و بادروا في الحين بالتطوع في جيوشنا وحاربوا و ما زالوا يحاربون معنا الأعداء محاربة الأسود”[11].

 

 ويبدو جليا و واضحا من الفقرات أعلاه أن المد التضامني المغاربي كان حاضرا خلال حرب الريف على المستوى الشعبي والحركات الوطنية. و ينبغي في الختام أن نضيف باختصار بأن المشرق العربي كان أيضا داعما لثورة عبد الكريم الخطابي على غرار الدعم الذي تلقاه عمر المختار في طرابلس الغرب من المجاهد الشامي عز الدين القسام.   ويمكننا أن نشير على سبيل المثال إلى الدعم المادي الذي تم تقديمه من مدينة يافا الفلسطينية لصالح الجرحى المغاربة[12] كما دُعمت الثورة ماليا من أرض الكنانة من طرف الأمير عمر طوسون  الذي تحصل على مبلغ مقداره ثمانية آلاف جنيه مصري من تبرعات الأهالي[13]، وكان مبلغا كبيرا بمقاييس تلك الفترة.  ويجعلنا هذا التلاحم والشعور بوحدة المصير ندرك مدى قوة الوعي العروبي بصيغته المعاصرة في منطقة المغرب العربي. وقد ترجم هذا الوعي سياسيا إلى فكرة وحدة المغرب العربي في إطار الوحدة العربية الشاملة أثناء مرحلة التحرر في الخمسينيات التي أعد لها في مصر من قبل الحركات الوطنية المغاربية، وقد كان على رأس هذا المشروع عبد الكريم الخطابي الذي تبنى آنذاك طرحا جذريا مبدأه جدلية الوحدة العربية والتحرير. 

 

 

) 1علال الفاسي،الحركات الاستقلالية في المغرب العربي,مؤسسة علالالفاسي,الدار البيضاء2003،ص51

 

)2 الطاهر عبد الله:الحركة الوطنية التونسية :رؤية شعبية قومية جديدة1830-1956،دار المعارف للطباعة و النشر ،سوسة  تونس1987،ص53

 

وعميرة علية الصغير،اليسفيون و تحرر المغرب العربي،المغاربية للطباعة و النشر و الاشهار،تونس2011،ص177

 

3)محمد العربي المساري،محمد بن عبد الكريم الخطابي من القبيلة إلى الوطن،المركز الثقافي العربي،الدار البيضاء 2012،ص9

 

Pennel,C.R., Morocco from empire to independence, Oneworld Publications,Oxford2003,p144  4)

 

)   5مجموعة من الباحثين،د.علي تابليت،المغرب العربي في فكر محمد بن عبد الكريم الخطابي و رؤاه التحريرية و الوحدوية،مؤسسة سيدي مشيش العلمي،القنيطرة2012،ص101     )6  المصدر نفسه،د.محمد الأمين بلغيت، ص67

 

) 7عميرة علية الصغير،ص173

 

) 8المصدر ذاته،ص174

 

)9المصدر ذاته ،ص175

 

)10المصدر ذاته،ص176

 

)11امحند البخلاخي،مفخرة الريف:المجاهد المغربي محمد عبد الكريم الخطابي،مطابع الشمال،المغرب2005،ص132-137

 

http://moslimamazighi.wordpress.com/2009/01/01/%D9%83%D9%8A%D9%81-%D8%AF%D8%B9%D9%85-%D9%85%D8%B3%D9%84%D9%85%D9%88-%D9%8A%D8%A7%D9%81%D8%A7-   %D8%A7%D9%84%D9%81%D9%84%D8%B3%D8%B7%D9%8A%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D9%83%D9%81%D8%A7%D8%AD-%D9%85%D8%AC/         ( 12

 

13 ( مجموعمة من الباحثين، امحمد مالكي،الأحزاب و الحركات و التنظيمات القومية في الوطن العربي،مركز دراسات الوحدة العربية2012،ص841

 

 

 



الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.