تعنت حكام السعودية: إلى أين؟!

October 30th 2013 | كتبها

 

 

د. إبراهيم علوش

 

البناء 30/10/2013

 

يمكن القول أن هجوم حكام السعودية على قلاع “الإخوان المسلمين” في مصر وقطر وغيرها في خضم معركة كسر العظم ضد سورية كان خطأً إستراتيجياً مميتاً شبيهاً بخطأ هتلر القاتل في الهجوم على الاتحاد السوفييتي أبان الحرب العالمية الثانية فيما كانت ألمانيا تخوض معركة كسر عظم مع بريطانيا للهيمنة على العالم.

 

بعيداً عن الأيديولوجيا، شتان ما بين “الإخوان المسلمين” والاتحاد السوفييتي طبعاً، وما بين سورية وبريطانيا الاستعمارية، فالاتحاد السوفييتي خرج قوة عالمية عظمى من الحرب العالمية الثانية و”الإخوان” وقطر دخلا مؤخراً إلى هامشٍ إقليميٍ أضيق بكثير، وبريطانيا فقدت تفوقها العالمي بعد الحرب العالمية الثانية للولايات المتحدة أما سورية فباتت مرشحة لدورٍ إقليمي أكبر بعد تهميش “الإخوان” وتركيا وقطر والطريق الإستراتيجي المغلق الذي حشرت السعودية نفسها فيه بسبب ضيق أفق حكامها. 

 

لكن لو قلصنا أبعاد الصراع من عالمٍ إلى إقليم ومن كرةٍ أرضية إلى أرض ضاد فإن الدرس الإستراتيجي المؤلم يبقى واحداً: لا تخض معركتي كسر عظم مع عدوين مختلفين يعاديان بعضهما، أحدهما أيديولوجي والآخر سياسيٍ، في آنٍ معاً.   ويذكر أن الاتحاد السوفييتي وألمانيا النازية بدءا الحرب العالمية الثانية حليفين، كما بدأت السعودية وقطر والإخوان ما يسمى “الربيع العربي” حلفاء، حتى انقلبت ألمانيا على الاتحاد السوفييتي فجأة بسبب حقد عقائدي دفين دون اعتبار لضرورات الاستراتيجية العسكرية على المسرح الأوروبي وكان ذلك خطأ هتلر المميت.

 

فإذا أراد حكام السعودية الخروج من مأزقهم اليوم فعليهم إما أن يتصالحوا مع القيادة السورية أو مع جماعة “الإخوان المسلمين”، وهو في الحالتين علقمٌ مُرار يتطلب تخلياً عن مشروعِ توسعٍ إقليميٍ وتنازلاً عن ماء وجهٍ وعن بعض الشخصيات والسياسات من معرة النعمان إلى لبنان. 

 

في الحالتين هي مرحلةٌ جديدةٌ في الإقليم، مرحلة بداية أفول الحقبة السعودية وصعود الحقبة السورية، ولهذا التقطت القيادة القطرية الجديدة تلك المعادلة تحديداً فسعت لقطع الطريق على حكام السعودية فراحت تحبو حبواً حثيثاً من هامشها المغلق باتجاه الرئيس بشار الأسد.  وهو ما يفسر أيضاً تسليم تركيا العدالة والتنمية شبكة استخباراتية صهيونية في إيران، وما يفسر سعي جماعة “الإخوان المسلمين” لإعادة إنتاج نفسها اليوم تحت عنوان مناهضة الصهيونية ومقاومة التطبيع بعد التعاون العلني مع حلف الناتو في “الربيع العربي”!

 

“الحرد” بحد ذاته ليس إستراتيجية سياسية بالنسبة لقطب إقليمي ولا برطمة الشفتين، ورفض إلقاء كلمة في الجمعية العامة للأمم المتحدة أو قبول مقعد في مجلس الأمن الدولي أو استقبال الأخضر الإبراهيمي أو حضور مؤتمر جنيف2 وغيره لمن حسم خياره تماماً بالجلوس في أحضان الولايات المتحدة يعبر عن “الحرد” و”الزعل” إزاء: 1) تراجع البابا والماما (الولايات المتحدة) عن ضرب سورية عسكرياً، 2) قبولها بحل سياسي للأزمة السورية ضمن تفاهم معين مع روسيا والصين، 3) شروعها بمفاوضات جدية مع إيران حول ملفها النووي وبالتالي حول دور إيران في الإقليم، 4) انغماسها اضطراراً بشأن البيت الداخلي المالي والاقتصادي والصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي.

 

عرقلة الحل السياسي عبر الأدوات السورية والإقليمية بات الآن الورقة الأخيرة بجعبة حكام السعودية، ومن هنا تصعيد التفجيرات اليومية في العراق والتعنت السياسي المعاكس للتفاهم الأمريكي-الروسي وللوقائع الميدانية على الأرض السورية من فصائل “معارضة الخارج” السورية.

 

وليس من المرجح أن ينجر الأردن لمغامرة سياسية كبرى في سورية بضغطٍ سعودي بشكلٍ معاكسٍ للرياح الدولية والإقليمية.  على العكس من ذلك ثمة مؤشرات بأنه ضيق قليلاً على تهريب السلاح والمتطوعين عبر الأردن إلى سورية… ومصر بالرغم من احتياجها الشديد للدعم المالي السعودي والخليجي لم تتردد في تعطيل التغطية الرسمية العربية للعدوان العسكري الأمريكي على سورية عندما كان ذلك مطروحاً بقوة، وليست بوارد التورط في سورية مباشرة، وهي من أهم منجزات الإطاحة بمرسي وحكم “الإخوان”…

 

لذلك يراهن حكام السعودية الآن على اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة والعلاقة مع “إسرائيل” لقلب الموازين داخل الولايات المتحدة، ومن هنا تصريح تسيبي ليفني بأن السعودية و”إسرائيل” تتحدثان بلهجة واحدة إزاء إيران وإلغاء المملكة السعودية مؤخراً مقاطعة “إسرائيل” من الدرجة الثانية والثالثة كتتمة لقرار مماثل اتخذ في العام 2005.

 

أي أن حكام السعودية اختاروا المزيد من التورط في الأزمة السورية من خلال تعطيل الحل السياسي لها، وقرروا بالتالي أن يفجروا المنطقة وهو ما لا يمكن إلا أن يرتد عليهم في النهاية.

 

للمشاركة على الفيسبوك:

 

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=753034008047170&id=100000217333066

 

 

 

     

 

 

 

 

 

  

الموضوعات المرتبطة

هل تطيح عملة بريكس الجديدة الدولار الأمريكي؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت صرحت نالدي باندور، وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، أن إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً  في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة، في جوهانسبرغ في 22 آب / أغسطس، [...]

استقلالية المصرف المركزي والدولار الأمريكي

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يعد استقلال البنك المركزي عن الدولة، في النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية، أحد أهم شروط أهليته.  وتدفع المؤسسات الاقتصادية الدولية دوماً، ولا سيما صندوق [...]

حول الانتقال إلى بديل للدولار الأمريكي دولياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت   الدولار الأمريكي المتربع على رأس هرم المنظومة المالية الدولية اليوم، لو دامت لغيره لما آلت إليه.  ساد الجنيه الإسترليني قبله خلال معظم القرن الـ 19 والنصف [...]

أثر المصالحة السعودية-الإيرانية عربياً وحركة الالتفاف من القوقاز وتركمانستان

  إبراهيم علوش – الميادين نت   حققت الدبلوماسية الإيرانية اختراقات حقيقية على جبهاتٍ عدةٍ في الفترة الأخيرة، كان من أبرزها المصالحة مع السعودية برعاية صينية، الأمر الذي وضع استراتيجية [...]

بنك التنمية الجديد: تحديات وآفاق

كل عام وأنتم بخير     إبراهيم علوش – الميادين نت   كانت سابقةً زيارةُ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الأسبوع الفائت، لمقر "بنك التنمية الجديد" New Development Bank في الصين، لحضور حفل تنصيب ديلما [...]
2023 الصوت العربي الحر.