قرار اليونسكو عن الأقصى ليس نصراً حقيقياً!

October 19th 2016 | كتبها

الأقصى ليس بديلاً عن القدس، والقدس ليست بديلاً عن فلسطين، لكن للأقصى رمزيةً خاصة تتعلق بالرواية التاريخية للصراع، وهل الأرض يهودية، كما يزعمون، أم عربية؟  فالقول أن الأقصى لا علاقة لليهود به، يزعج الصهاينة المتدينين تحديداً ممن يستندون لاسطورة هيكل سليمان، في مطرح المسجد الأقصى، للزعم بأن فلسطين يهودية! لكن قرار منظمة اليونسكو الأخير حول البلدة القديمة في القدس لم يأتِ مصداقاً على عروبة فلسطين، ولا حتى على عروبة القدس، لأنه ركز على التراث الثقافي لفلسطين والطابع المميز للقدس الشرقية فحسب، كما جاء حرفياً في النص: the cultural heritage of Palestine and the distinctive character of East Jerusalem، كما أنه أكد على أهمية القدس القديمة للديانات الموحدة الثلاث the importance of the Old City of Jerusalem and its Walls for the three monotheistic religions ، بما في ذلك اليهود طبعاً، وقد لاحظت افتتاحية صحيفة هارتس في 16/10/2016 أن التأكيد على أهمية البلدة القديمة لليهود “لم يكن موجوداً في قرار مماثل صادقت عليه اليونسكو قبل نصف سنة”.   كذلك لاحظت الصحيفة أن “البند 14 الذي يتحدث عن مسؤولية إسرائيل عن الإضرار بممتلكات الأوقاف الإسلامية خارج الحرم” قد تم إلغاؤه. (انظر ترجمة افتتاحية هآرتس في صحيفة “الغد” الأردنية في 18/10/2016 في الصفحة 23).

قرار اليونسكو يأتي تأكيداً لقرارات سابقة بالاتجاه نفسه، والتصويت معه جاء من دول عربية وإسلامية وعالم ثالثية، مما يعكس نزعة التأييد لفلسطين وقضيتها في تلك الدول، وهو تأييد كان أكبر وأقوى قبل مرحلة المعاهدات والتطبيع التي ساهمت بفك الحصار الدبلوماسي عن الكيان الصهيوني، بعد أن كان التأييد لفلسطين عالمياً في حالة عارمة نفستّها النزعات الاستسلامية في صفوفنا.  فدعونا لا نحتفل كثيراً بـ”انتصاراتنا الدبلوماسية” لمحاصرة الكيان الصهيوني الآن، بعد أن قمنا بالاعتراف به والتعاطي معه، وفك الحصار عنه.

رغم ذلك، يشكل امتناع بعض الدول الغربية عن التصويت (لا مع القرار ولا ضده)، جزءاً من سياق سياسي يتم فيه ممارسة ضغط غربي، خصوصاً من إدارة أوباما حالياً، على اليمين الصهيوني، خصوصاً اليمين الديني، لكي يتساهل قليلاً، قليلاً فقط، في مسألة تهويد القدس والضفة، للسماح لعربة المفاوضات أن تعود إلى سكتها العبثية من جديد، مما يتيح تعويم خيار التسوية مع العدو الصهيوني من جديد، مما بات يتطلب بدوره إعطاء بعض المصداقية للدبلوماسية والعمل الدبلوماسي وتقديم التنازلات على عروبة كل القدس وكل فلسطين، كبديل للعمل المسلح والتمسك بالميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل.

أيضاً، يركز القرار على الولاية الهاشمية على المسجد الأقصى، وضرورة إعادة وضع الأقصى إلى سابق عهده قبل أيلول عام 2000، عندما كانت دائرة الأوقاف الأردنية السلطة الوحيدة المشرفة على شؤون المسجد، وهذا بدوره يمكن أن يُقرأ من عدة زوايا، منها ما يُحضر من مشاريع للكونفدرالية الأردنية-الفلسطينية، بعد الإعلان الصوري للدويلة المسخ، وصولاً إلى الكونفدرالية الثلاثية مع الكيان الصهيوني.

العبرة أن القرار حوّل مسألة الأقصى إلى مسألة دينية صرف، وفصلها عن قصة عروبة القدس كلها، ناهيك عن عروبة كل فلسطين والصراع حول الرواية التاريخية وهوية الأرض، كما أنه، إذ أكد على إسلامية الأقصى، لم يؤكد على عروبته، وهنا مربط الفرس، وأكد بالمقابل على الصلة التاريخية، بشكل مستحدث، بين اليهود والقدس القديمة.

باختصار نقول، لمن يعومون على شبر المؤسسات الدولية وما شابه: هذا ليس نصراً حقيقياً! بل هو اختراق للدعم الشعبي الدولي القديم للقضية الفلسطينية.  ونصرنا لن يأتي من أي مؤسسات دولية، بل من تمسكنا بالمبدأ، ومن فوهة البندقية.

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1495290923821147&id=185865588097027

الموضوعات المرتبطة

البنك الدولي: توقعات متشائمة لمعدلات نمو الاقتصاد دولياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت   صدر هذا الأسبوع تقرير البنك الدولي "آفاق الاقتصاد العالمي" Global Economic Prospects، حاملاً توقعات بمزيدٍ من الركود التضخمي دولياً في العام الجاري والذي يليه، مع [...]

هل يصلح الذهب بديلاً للدولار الأمريكي؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت أظهر تقرير أصدره "مجلس الذهب العالمي" في 5/5/2023 أن مشتريات المصارف المركزية من الذهب حول العالم بلغت رقماً قياسياً في الربع الأول من العام الجاري ينوف عن 228 طناً.  [...]

هل تطيح عملة بريكس الجديدة الدولار الأمريكي؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت صرحت نالدي باندور، وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، أن إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً  في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة، في جوهانسبرغ في 22 آب / أغسطس، [...]

استقلالية المصرف المركزي والدولار الأمريكي

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يعد استقلال البنك المركزي عن الدولة، في النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية، أحد أهم شروط أهليته.  وتدفع المؤسسات الاقتصادية الدولية دوماً، ولا سيما صندوق [...]

حول الانتقال إلى بديل للدولار الأمريكي دولياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت   الدولار الأمريكي المتربع على رأس هرم المنظومة المالية الدولية اليوم، لو دامت لغيره لما آلت إليه.  ساد الجنيه الإسترليني قبله خلال معظم القرن الـ 19 والنصف [...]
2023 الصوت العربي الحر.