قراءة في خريطة التصويت على مشروع قرار إدانة المقاومة الفلسطينية في الجمعية العامة للأمم المتحدة

December 7th 2018 | كتبها

إبراهيم علوش

مشروع القرار الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة المعنون “أنشطة حماس وغيرها من الجماعات المقاتلة في غزة” هو قرار موجه في صياغته ضد حماس و”الأطراف المقاتلة الأخرى، بما في ذلك حركة الجهاد الإسلامي”، وموجه في مضمونه وروحه ضد العمل المقاوِم المسلح ضد العدو الصهيوني، فهو يدين “إطلاق الصواريخ… والأنشطة العنيفة الأخرى… وإقامة بنى تحتية عسكرية تشمل أنفاقاً”، كما أنه موجه ضد الخطاب المقاوِم سياسياً وإعلامياً بتأكيده على إدانة “جميع أعمال الاستفزاز والتحريض والتدمير”، فالقرار إذاً لا يتعلق بحماس فحسب، أو حتى بقضية فلسطين عموماً فحسب، بل بنهج المقاومة المسلحة عموماً، والمقاومة المسلحة في غزة خصوصاً، التي اعتبر القرار أن البالونات الحارقة جزءٌ منها.

وإذا كانت غالبية الأعضاء الحاضرين قد صوتوا مع القرار الأمريكي (87 دولةً)، فإن فشل الولايات المتحدة وحلفائها في الحصول على غالبية الثلثين المطلوبة لتمرير القرار، في هذه الحالة بالذات، بناءً على مقترح كويتي بأن يحتاج تمرير القرار إلى غالبية الثلثين، قد أدى إلى سقوط القرار سقوطاً يكشف عن الكثير، لا فيما يتعلق بالموقف من قضية فلسطين فحسب، بل فيما يتعلق بالهيمنة الأمريكية والصهيونية وبعالمنا المعاصر وخريطة اصطفاف الدول المختلفة فيه على جانبي جبهة التناقض مع الإمبريالية والصهيونية.

 

فنتائج التصويت تؤكد أولاً على أن الصراع مع الصهيونية والوجود اليهودي في فلسطين (لأن القرار يركز على إدانة استهداف “المدنيين” المزعومين في الكيان الصهيوني) ليس مسألة فلسطينية أو عربية أو إسلامية فحسب، بل أنها كانت ولا تزال أحد العناوين الرئيسية للصراع في عالمنا المعاصر.

تؤكد نتائج التصويت، ثانياً، على أن الإمبريالية والصهيونية لا تزالان تتمتعان بأغلبية نسبية في ميزان القوى العالمي، في مسارٍ عامٍ يتسم بالتدهور والتراجع، كما يتجلى ذلك من تصويت 57 دولة ضد القرار، وامتناع 36 دولة عن التصويت، وهو ما يعني أن معارضي القرار والممتنعين عن تأييده هم (93) دولة.

ثالثاً، نلاحظ أن تكتيك جعل مرور القرار يتطلب أغلبية الثلثين أتى أكله، وكان العامل الأهم في إفشاله، وهنا لا بد من الانتباه إلى أن بعض الدول التي صوتت مع تأييد مقترح جعل مرور القرار يتطلب أغلبية الثلثين صوتت مع القرار الأمريكي، أي أنها وافقت على جعل مرور القرار أصعب بكثير، ثم صوتت معه، لكي لا تدخل في صدامٍ مع الإمبريالية والصهيونية، ومن هذه الدول مثلاً الأرجنتين والبرازيل واليابان… ولنلاحظ بالمقابل أن دولاً مثل أفغانستان وأنغولا وأوغندا وتنزانيا والإكوادور والسلفادور صوتت مع رفع نسبة مرور القرار إلى الثلثين، ثم امتنعت عن التصويت عليه، أي أنها مهدت الطريق لرفضه، من دون أن ترفضه صراحةً، وهذا أمرٌ مهمٌ في قراءة خريطة التصويت على القرار، لأنه لعب دوراً مفصلياً بإفشال القرار الأمريكي.

رابعاً، نلاحظ أن الدول الأوروبية، الغربية والشرقية، أجمعت على الالتحاق بالولايات المتحدة وكندا في التصويت ضد غالبية الثلثين ومع القرار الأمريكي (النرويج وسويسرا امتنعت عن تأييد غالبية الثلثين وأيدت القرار الأمريكي، أي أن “حيادها” مال مع الأمريكان)، مع محاولتها تضمين القرار شيئاً عن حل الدولتين، وهو ما لم تنجح فيه، وهذا مهمٌ في فهم طبيعة “التضامن” الغربي، حينما يأتي، مع القضية الفلسطينية، فهو محكومٌ بسقف محدد هو “حق إسرائيل بالوجود”، مناهضة الكفاح المسلح، وبصيغ تعايشية مع الاحتلال مثل “الدويلة الفلسطينية” أو “إسرائيل لمواطنيها كافةً” إلخ… وبمحاولة فرض برنامج “نضال” فلسطيني على هذا المقاس الرث.

خامساً، من البديهي أن الدول التي رفضت القرار الأمريكي ليست كلها مع العمل المسلح والتحرير الكامل إلخ… وأن قلة منها يمكن أن تدعمه علناً، لو أيدته من حيث المبدأ، أو على خجل، فروسيا والصين مثلاً تتخذ نهج عدم دعم الحركات التحررية ومحاولة فرض الاحتكام لمجلس الأمن على الولايات المتحدة وحلف الناتو، فتصويتها ضد القرار الأمريكي يأتي أساساً كتصويت ضد الهيمنة الأمريكية على العالم، ومثل روسيا والصين الكثير من الدول الأخرى، وهذا مهمٌ أيضاً، ومفيد، في اعتراض الهيمنة الأمريكية والصهيونية وإضعافهما، ولو لم تؤيد مثل تلك الدول برنامجنا الأقصى.

سادساً، كان تصويت الهند، ككتلة وازنة في جنوب الكرة الأرضية وفي الاقتصاد العالمي، مخيباً للظن بالنسبة لدولة كبيرة كالهند لنا معها كعرب تاريخٌ في حركة عدم الانحياز ومناهضة الاستعمار، فقد عارضت الهند أغلبية الثلثين، مصوتةً ضد المقترح الكويتي، ثم امتنعت عن التصويت على القرار الأمريكي، فقد سهلت بهذا مرور القرار حتى لو لم تؤيده، والهند من الدول التي خسرناها بفضل المعاهدات العربية مع العدو الصهيوني التي فتحت أبواب أكثر من خمسين دولة لإقامة علاقات ديبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

سابعاً، يمكن أن نقول الكثير عن مدى تمثيل الأنظمة لشعوبها عامة، والأنظمة العربية للشعب العربي خاصة (وأعرف، في سياق خارج عن النص، أن هناك من يصر أننا يجب أن نقول بعامة وبخاصة، بدلاً من عامةً وخاصةً، لكن كثرة الفذلكة البلاغية تعيق وصول مضمون الفكرة بعامة!)، ولكن حتى أكثر الأنظمة بعداً عن تمثيل الشعب ومصلحته لا يستطيع أن يعبث كما يشاء بحساسياته، وكان من الملفت أن أنظمة الوطن العربي والعالم الإسلامي أجمعت على تأييد غالبية الثلثين ورفض القرار الأمريكي، حتى أكثرها تطبيعاً مع العدو الصهيوني وارتباطاً بالإمبريالية الأمريكية، مثل الدول الخليجية، حتى لو جاء خطاب المندوب السعودي، متحدثاً باسم الإمارات والبحرين واليمن المختطف، متوافقاً مع الخط الأمريكي-الصهيوني، فالعبرة أن هذه الأصوات صبت ضد القرار الأمريكي في النهاية، وهو ما أثار حفيظة “الإسرائيليين”، وجعلهم يشعرون أنهم “ينفخون في قربة مقطوعة” (انظر صحيفة “هآرتز” مثلاً يوم 7/12/2018).

ما ينطبق على الدول الخليجية المطبِّعة (على طرفي التناقض السعودي-القطري) يجري على السلطة الفلسطينية طبعاً، مع أنها ليست عضواً يحق له التصويت في الأمم المتحدة، فثمة أشياء لا يمكن اللعب فيها، لأن ذلك قد يؤدي للسقوط المدوي، لا لأنها غير مطبِّعة أو غير مرتبطة بالتنسيق الأمني والمساعدات الغربية، بل لأنه سيكون لعباً بالنار. والنتيجة هي نصرٌ للقضية الفلسطينية ولنهج الكفاح المسلح.

على المقلب الآخر، لا يجوز أن تفهم “حماس” مما تمخض عنه التصويت بأنه “اعترافٌ شخصيٌ” بها وبحكمها في غزة، لأن عشرات الدول تجاوزت عن التناقض معها، ومع تنظيم “الإخوان المسلمين”، دعماً لفلسطين وللمقاومة، لا دعماً لها تحديداً، كما أن الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي والعالمي المؤيد للمقاومة وفلسطين لا يمنح أحداً شيكاً على بياض ليفعل به كما يشاء باسم فلسطين والمقاومة، فالدعم لموقف في الواقع، ولغزة، وللمقاومة الفلسطينية، لا لحماس تحديداً.

 

للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=2467256479958239&id=100000217333066

الموضوعات المرتبطة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة     فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم [...]

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية وسورية

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية [...]

حديث في مصطلح “الوحدة الوطنية الفلسطينية” – فيديو

حديث في مصطلح "الوحدة الوطنية الفلسطينية" - [...]
2024 الصوت العربي الحر.