وجه الخطورة في الحديث عن “الفضاء العربي-التركي-الإيراني” وما يعادله

May 7th 2020 | كتبها

كثيراً ما يتردد في أوساط محسوبة على محور المقاومة، أو تعلن مناهضتها للهيمنة الغربية والعدو الصهيوني، تعبير “الفضاء” أو “الإقليم” أو “الحقل” أو “الوعاء” “العربي-التركي-الإيراني”، إذ قد تسمع أو تقرأ مثلاً إن هذه المنطقة هي تاريخياً “وعاء عربي-تركي-إيراني”، أو إن القوى الأساسية الفاعلة فيها هي العرب والأتراك والإيرانيين، إلخ…

يختلف مثل هذا المصطلح عن مصطلح “المشرقية” الذي بلوره الأستاذ أنيس النقاش في دعوته لما يسميه “الكونفدرالية المشرقية”، التي يفترض أن تضم إيران وتركيا والعراق وأقطار بلاد الشام، أو الدعوات “المشرقية” عموماً بتلاوينها، في أنها لا تقصي العروبة والهوية العربية صراحةً عن العراق وبلاد الشام، غير أنها بدلاً من أن تقصيها حضارياً فإنها تقصيها عملياً بطرقٍ أخرى، كما أنها تقضي على أي فرصة لتبلور رافعة قومية عربية مستقلة.

فما هي المشكلة في الحديث عن “الفضاء العربي-التركي-الإيراني”؟

– المشكلة، أولاً، بأل التعريف، حيث ترد، إذ أن بلدان الوطن العربي تعيش في فضاءات متعددة، منها الآسيوي والإفريقي والمتوسطي والإسلامي والجنوبي والعالمي، ناهيك عن الفضاء العربي ذاته، لا في فضاء تركي-إيراني-عربي تحديداً أو أولاً.

– المشكلة، ثانياً، بلي عنق التاريخ، إذ أن تاريخ المشرق العربي، منذ العصر العباسي الثاني، أي منذ أكثر من ألف عام، لم يكن تاريخاً عربياً-تركياً-إيرانياً مشتركاً، بل كان تاريخاً تركياً، تاريخ هيمنة تركية غاشمة أعاقت التطور التاريخي للعرب بالتحديد، ومن ثم كان تاريخاً إيرانياً، أكثر بكثير مما كان تاريخاً عربياً، حتى ظهور محمد علي باشا في مصر في النصف الأول من القرن التاسع عشر، وحتى ظهور الحركات القومية العربية وحركات التحرر الوطني في القرن العشرين.

– المشكلة، ثالثاً، بالأجندة الإسلاموية، إذ أن القاسم المشترك الأكبر والأهم في مثل ذلك “الفضاء العربي-التركي-الإيراني” المفتعل هي الإسلام السياسي، بغض النظر عن الفارق السياسي الكبير بين حركة الإخوان المسلمين في تركيا وغيرها، وبين النظام الإسلامي في إيران، لكن القاسم الأيديولوجي المشترك والأكثر حضوراً في مثل هذه التوليفة هي “الإسلام السياسي” في المحصلة، وهو ما سيعطي ذلك التيار أفضلية محلية في حالة نشوء مثل ذلك “الوعاء” أو “الفضاء”.

– المشكلة، رابعاً، بالجغرافيا السياسية ومعادلاتها، إذ أن مثل ذلك “الفضاء العربي-التركي-الإيراني” يتميز بوجود قطب تركي قوي، وقطب إيراني قوي، وبعض الأقطار العربية المجزأة، وفي مثل تلك التوليفة من الواضح أن العرب سيكونون فيها حقل نفوذ أو صراع أو ظلالاً للقطبين القويين التركي والإيراني، ولن يكونوا طرفاً فاعلاً، بل مفعولاً به (رغم وضع اسمهم أولاً).

– المشكلة، خامساً، في تركيا الحالية، فهي فضلاً عن عضويتها في حلف الناتو وعلاقاتها الممتدة مع العدو الصهيوني، تحتل أراضٍ سوريةً واسعةً، من المحافظات الشمالية إلى لواء الإسكندرون، وما برحت تكشف أطماعها بشمال سورية وشمال العراق، لا بل بالوصول إلى مكة، ضمن معادلة طائفية تهدف لنيل “حق تمثيل السنة”، فالحديث عن محور عربي-تركي-إيراني، في سياق مواجهة الأطماع الغربية والكيان الصهيوني، يتضمن شيئاً من الوهم عند البعض في محور المقاومة، وهو وهمٌ قاتلٌ، يصب في مصلحة تركيا الإخوانية أكثر بكثير مما يصب في مصلحة إيران، ولن نتحدث عن مصلحة العرب المغيبة تماماً هنا طبعاً..

– المشكلة، سادساً، في ترتيب الأولويات الاستراتيجية، فتأسيس قطب عربي قوي ووازن، كما مصر عبدالناصر في حركة عدم الانحياز مثلاً، هو الشرط الضروري والمسبق لدخول العرب في أي حلف إقليمي أو دولي من موقع الندية، لا من موقع التبعية والاستخزاء، فإذا تأسس مثل ذلك القطب، فإننا نكون قد قطعنا نصف الطريق نحو مواجهة الهيمنة الغربية والكيان الصهيوني، وبصراحة تامة، ولا نريد أن نشكك بالنوايا، فإن من المؤكد أن بعض من يدعون لصيغة عربية-تركية-إيرانية اليوم، سوف يكفّون عندها عن الدعوة لمثل تلك الصيغة تماماً خوفاً من “الهيمنة العربية”.

– المشكلة، سابعاً، في خلط الأوراق، بين ما هو حلف استراتيجي، وبين ما هو عملية إلحاق سياسي وحضاري، فالحديث عن منطقة يختلط فيها ما هو عربي بما هو تركي وإيراني تاريخياً وحضارياً، مثل الحديث عن “فلسطين أو إسرائيل عربية-يهودية”، هو مساس بهوية الأرض، لا مشروع حلف سياسي فحسب، فثمة فرق كبير مثلاً بين الحلف الاستراتيجي بين سورية وإيران، في إطار محور المقاومة، وهو حلفٌ باقٍ بالرغم من كثرة التهويش على وسائل التواصل الاجتماعي، وبين مشروع اندماج تحكم مخرجاته معادلات موازين القوى فيما العرب في أقصى حالات الضعف.

باختصار، الأولوية الأولى هي لمشروع النهوض القومي العربي، وبعدها لكل حادث حديث.. وبالمناسبة، فإن “الفضاء التركي-الفارسي” هو ما نجده في رواية “سمرقند” مثلاً للمستشرق أمين معلوف، وهو فضاء يغيب فيه العرب عن دائرة الفعل، فليس تلك فكرة “جديدة” أو “مقاوِمة” على الإطلاق!

للمشاركة على فيسبوك:

وجه الخطورة في الحديث عن "الفضاء العربي-التركي-الإيراني" وما يعادلهكثيراً ما يتردد في أوساط محسوبة على محور المقاومة،…

Geplaatst door ‎إبراهيم علوش‎ op Donderdag 7 mei 2020

الموضوعات المرتبطة

هل تطيح عملة بريكس الجديدة الدولار الأمريكي؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت صرحت نالدي باندور، وزيرة خارجية جنوب إفريقيا، أن إنشاء عملة بريكس جديدة سيكون بنداً رئيسياً  في جدول أعمال قمة البريكس المقبلة، في جوهانسبرغ في 22 آب / أغسطس، [...]

استقلالية المصرف المركزي والدولار الأمريكي

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يعد استقلال البنك المركزي عن الدولة، في النظرية الاقتصادية النيوكلاسيكية، أحد أهم شروط أهليته.  وتدفع المؤسسات الاقتصادية الدولية دوماً، ولا سيما صندوق [...]

حول الانتقال إلى بديل للدولار الأمريكي دولياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت   الدولار الأمريكي المتربع على رأس هرم المنظومة المالية الدولية اليوم، لو دامت لغيره لما آلت إليه.  ساد الجنيه الإسترليني قبله خلال معظم القرن الـ 19 والنصف [...]

أثر المصالحة السعودية-الإيرانية عربياً وحركة الالتفاف من القوقاز وتركمانستان

  إبراهيم علوش – الميادين نت   حققت الدبلوماسية الإيرانية اختراقات حقيقية على جبهاتٍ عدةٍ في الفترة الأخيرة، كان من أبرزها المصالحة مع السعودية برعاية صينية، الأمر الذي وضع استراتيجية [...]

بنك التنمية الجديد: تحديات وآفاق

كل عام وأنتم بخير     إبراهيم علوش – الميادين نت   كانت سابقةً زيارةُ الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا، الأسبوع الفائت، لمقر "بنك التنمية الجديد" New Development Bank في الصين، لحضور حفل تنصيب ديلما [...]
2023 الصوت العربي الحر.