August 23rd 2021 | كتبها
admin
يتحسس البعض من مصطلح “قومية عربية” أو “أمة عربية” على الرغم من عدم ممانعتهم لاستخدام تعبير “عرب” أو “عروبة”، فالعروبة والعرب عندهم شيء ما، هلامي، ليس أمة ولا تشده روابط قومية.
اليوم مثلاً تم تداول فيديو على بعض مجموعات وسائل التواصل يقول فيه أحدهم إنه لا ينكر وجود “عرب” و”عروبة”، ولكنه لا يعترف بوجود أمة عربية ككيان سياسي!
فما هم العرب إن لم يكونوا أمة إذن؟ وما هي العروبة إن لم تكن هوية ورابطة قومية لتلك الأمة؟ هذا هو الإشكال الذي يجد فيه البعض أنفسهم عندما لا يستطيعون إنكار المحيط العربي، وهو أكبر وأعمق من أن يقدر أحد على إنكار وجوده، فيما يتوجسون من نهوض ذلك المحيط ككتلة واحدة استناداً إلى رابطته وهويته القومية.
المشكلة عند هؤلاء أيديولوجية أساساً، على الرغم من محاولة التظاهر بـ”الواقعية”. المشكلة الإيديولوجية هي ببساطة أن بعض الإسلامويين الذين لا يفهمون الصلة بين العروبة الإسلام، وبعض الليبراليين الذين لا يفهمون الصلة بين القومية والإنسانية، يتوجسون من تأجج الحس القومي لدى الشعب العربي استناداً إلى تحيزاتهم الأيديولوجية، وأحياناً استناداً لارتباطهم بالغرب أو بقوى شعوبية مثل المشروع العثماني الجديد.
أما “واقعيتهم” فهي أقرب للسطحية، لأنها لا تتجاوز قشور الواقع ومظاهره الخارجية، فلا الممارسات الحمقاء للنظام الرسمي العربي تمثل الأمة العربية، ولا الانقسامات المجتمعية، الطائفية والعشائرية إلخ…، تجعلها أمماً، ولا الهم المعيشي اليومي للمواطن العربي ببعيد عن غياب مشروع للنهوض القومي هو وحده ما يمكن أن يحل الأزمة المعيشية جذرياً.
الأهم هو أن فرض التقسيم على أمة من الأمم لا يلغي وجودها. فألمانيا مثلاً كانت أكثر من 500 إمارة وإقطاعية ودويلة عام 1807، وهذا لا يعني أنه لم تكن توجد أمة ألمانية متميزة. كذلك لا يلغي وجودها احتلال، تماماً كما لا يلغي وجودها السيطرة على إمبراطورية متعددة القوميات. فـ400 عام من الاحتلال العثماني البغيض لم تلغِ وجود الأمة العربية مثلاً. ولا الخلافة الراشدة أو الأموية أو العباسية ألغت وجود الأمة الفارسية. ولا أكثر من 70 عاماً من الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي ألغت وجود الأمة الروسية أو غيرها من الأمم. وعندما كانت الصين مقسمة إلى 10 مناطق نفوذ أجنبي لم تكف الأمة الصينية عن الوجود. ولذلك فإن من لا يعرف كيف يميز بين وجود الأمم، كظواهر اجتماعية-سياسية، وبين قيام الدولة القومية nation-state التي تعبر عنها ككيان قانوني، يحتاج للعودة للدراسة، قبل الخوض في موضوع لا يملك ناصيته.
من الطبيعي أن الأمم تمر عبر تاريخها بمراحل ضعف وقوة، تماماً كما يمرض الإنسان ويتعافى. والأمم يمكن أن تموت وتنقرض أيضاً، تماماً كما انقرضت أمة الروم التي كانت تحكم العالم في فترة ما (وتتحدث اللاتينية التي تفرعت منها اللغات الفرنسية والإيطالية والإسبانية والبرتغالية والرومانية وغيرها). والأمة العربية مهددة بوجودها سياسياً وثقافياً، لكن ألمها ذاته دليل حياة، وهذا الألم سوف يزداد، والمخاطر سوف تتضاعف، إن لم تنشأ حركة عربية جديدة للنهوض القومي.
أما وجود الأمة العربية، فليس بحاجة إلى دليل، لأن شروط وجود الأمم، من اللغة إلى الجغرافيا إلى الثقافة والتاريخ المشترك، إلى المصير المشترك الذي تفرضه المصالح المشتركة النابعة من الجغرافيا السياسية، كلها متوفرة في الأمة العربية أكثر مما هي متوفرة في أي أمة على وجه الأرض، من كوريا واليابان في أقصى الشرق، إلى الولايات المتحدة الأمريكية في أقصى الغرب.
هذا الموضوع كتب بتاريخ Monday, August 23rd, 2021 الساعة 2:23 am في تصنيف
مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال
RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك
اضافة رد, او
تعقيب من موقعك.
الموضوعات المرتبطة
إبراهيم علوش- الميادين نت
جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
حقق الخطابُ المقاومُ، في مختلف تنويعاته، اختراقاتٍ حقيقيةً بموازاة عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت رافعة مادية له، وشكل بدوره غطاءً وامتداداً إعلاميين لها، [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب إفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
ربما يبدو الخلاف بين ولاية تكساس، ممثلةً بحاكمها منذ عام 2015، غريغ آبوت، وبين الحكومة المركزية في واشنطن، ممثلةً بإدارة الرئيس جو بايدن، خلافاً جزئياً فحسب [...]