د. عثمان صالح السعدي، علم العروبة والتعريب، في ذمة الله

December 2nd 2022 | كتبها

 

رحل عنا المجاهد الكبير د. عثمان صالح السعدي الذي بدأ حياته مجاهداً في الثورة الجزائرية، وكان الأمين الدائم لمكتب جيش التحرير الوطني الجزائري في القاهرة أثناء الثورة المسلحة (أي صلة الوصل مع مصر عبد الناصر)، ليتسلم بعدها مناصب دبلوماسية عدة في دمشق وبغداد والكويت، ومناصب حزبية وبرلمانية في الجزائر في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين.

 

لا نتحدث هنا عن مناضلٍ عريق فحسب، بل عن علم من أعلام العروبة والتعريب في الوطن العربي، إذ أصبح الدكتور السعدي رئيس الجمعية الجزائرية للدفاع عن اللغة العربية منذ عام 1990، وكان من أكفأ المدافعين عن لغتنا في وجه دعاة الفرنسة والزواف والمتغربين والانفصاليين، وبقي حتى وفاته من أبرز الداعين إلى مفهوم العروبة الحضارية، أي العروبة المنبثقة من وحدة الحضارة (لا العرق).

 

ولكن أهم إسهامات د. عثمان صالح السعدي الفكرية جاءت في سياق ربط الأمازيغ بالعروبة تاريخياً وحضارياً ولغوياً، وله أعمال مهمة في هذا المجال، مثل “الأمازيغ عرب عاربة” وغيره من الكتب. فأصبح بذلك مرجعاً كبيراً في هذا المجال، إلى جانب د. علي فهمي خشيم من ليبيا، الذي توفي عام 2011 في المانيا ، رحمه الله، خلال عدوان الناتو عليها.

 

وضع د. عثمان صالح السعدي معجماً لغوياً عربياً-أمازيغياً من مجلدين. وقبل أكثر من عشر سنوات، قبيل وفاة والدي ناجي علوش بأسابيع، أرسل د. عثمان السعدي نسخةً منه إلى الوالد الذي فرح به كثيراً، وهو ليس معجماً فحسب، بل تأصيلٌ عروبي قديم للمفردات الأمازيغية. وكانا قد تعارفا في الكويت في الستينيات على خلفية المواد التي نشرها الوالد عن الثورة الجزائرية في جريدة “الطليعة”.

 

ربطُ العروبة القديمة، السابقة على الإسلام، بالعروبة بعد الإسلام، هو مفتاح الرد منهجياً على مزاعم المستشرقين وأذنابهم من انفصاليي اليوم في الأقطار العربية بأن “العروبة خارج الجزيرة العربية احتلال جاء مع الإسلام”، وهو زعم مدسوس يروج له دعاة محو القاسم المشترك للوطن العربي تمهيداً للمزيد من التجزئة والتفكيك، من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق العربي، إذ لا يقتصر الترويج لمثل هذا الزعم على “البربريست” في الجزائر.

 

وحتى لا يتهم أحدٌ د. السعدي بالتعصب، يذكر أنه ينحدر من إحدى أكبر القبائل الأمازيغية، وهو بذلك تجسيد العروبة الحضارية (كما كان د. علي فهمي خشيم شركسي الأصل بالمناسبة).

 

رحم الله د. السعدي فقد أدرك خطورة هذه المعركة الفكرية على هوية الأرض العربية وخاضها حتى النهاية بلا كللٍ ولا مللٍ، كما دافع عن اللغة العربية والتعريب حتى اللحظة الأخيرة.

 

ولطالما استفدت واستندت شخصياً إلى أعمال د. عثمان صالح السعدي في كتاباتي وفي مساجلة أعداء العروبة القديمة والحديثة. فهذا الفارس الذي ترجل عن فرسه بعد طول قتال بات من المرجعيات الفكرية القومية العربية، والمعركة التي خاضها معركةٌ مفصلية لمستقبل وطننا العربي وأقطاره، فهي ليست شأناً تاريخياً ولا ترفاً فكرياً نخبوياً لأن التشكيك بعروبة الوطن العربي قبل الإسلام بات تياراً تعمل مؤسسات وجهات غربية وصه يو نية كثيرة على الترويج له، لا سيما ضمن الموجة الليبرالية الصاعدة.

 

أردت وضع د. عثمان صالح السعدي في سياقٍ معاصر لكي يطلع القوميون العروبيون على أعماله ويكرموا ذكراه ويستفيدوا من الإرث والذخيرة اللذين خلفهما لنا.

 

رحمة الله على د. عثمان صالح السعدي وتعازينا لأهله ومحبيه ورفاقه في الثورة الجزائرية.

 

  إبراهيم علوش

للمشاركة على فيسبوك:

 

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid0BB1edz5yEuKwxxmuGH8VcV4e1PdA41Mj3BS9wxc7MEuGNGCDAWZcDE8neyUZDMBul&id=100041762855804

الموضوعات المرتبطة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة     فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم [...]

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية وسورية

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية [...]

حديث في مصطلح “الوحدة الوطنية الفلسطينية” – فيديو

حديث في مصطلح "الوحدة الوطنية الفلسطينية" - [...]
2024 الصوت العربي الحر.