مئة عام على تأسيس الاتحاد السوفييتي

January 2nd 2023 | كتبها

مرت علينا في الثلاثين من الشهر الفائت الذكرى المئوية لتأسيس الاتحاد السوفييتي، أو اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية، كما كان اسمه الرسمي.

في لحظة من الزمان كان هذا الاتحاد القطب المقابل للإمبريالية الأمريكية والعمود الفقري للكتلة الاشتراكية وأحد أهم القوى الداعمة لحركات التحرر في العالم.

كان الاتحاد السوفييتي عظيماً ككتلة جغرافية-سياسية وكمشروع أممي وكأمل في إنشاء نظام بديل يخلو من الاستغلال. ومن لم يعش عظمة الاتحاد السوفييتي، ومن لم يذق طعم الزمن الذي كانت توجد فيه أقطاب عالمية تتحدى النموذج الرأسمالي ذاته، لا الدول الإمبريالية فحسب، لم يعرف كيف كان مجرد وجود الاتحاد السوفييتي يشعر الدول المستقلة وحركات التحرر بوجود سند، حتى لو اختلفت مع كثيرٍ من مواقفه وسياساته، لا بل مع شيوعيته…

مع ذلك، انهار الاتحاد السوفييتي، بكل عظمته، عام 1991، وكان العرب أول من دفع ثمن اختلال الميزان الدولي لمصلحة الإمبريالية، ابتداءً من العراق، وما برح العالم يدفع اليوم ثمن انهيار القطب السوفييتي.

لذلك، لا بد من التفكير بأسباب انهياره وأسباب فشل تلك التجربة، مع التأكيد أن فشل تجربة لا يعني سقوط الفكر الذي تنطلق منه، ففكرة إنشاء نظام اقتصادي-اجتماعي خالٍ من استغلال الإنسان للإنسان أسبق من الاتحاد السوفييتي، وستستمر بعده (وفكرة الإسلام أسبق من الخلافتين الأموية والعباسية وستستمر بعدهما، وفكرة القومية العربية أقدم من هزيمة ال67 وستستمر بعدها، إلخ…).

لا شك أن الاتحاد السوفييتي ارتكب كثيراً من الأخطاء، وأنه اخترق ليبرالياً وصه-يو نياً، وكان غورباتشيف ويلتسين ذروة ذلك الاختراق، ولكن من أهم الأخطاء التي ارتكبها، برأيي المتواضع، هو استناده إلى الفكرة الشيوعية المدرسية أن الاشتراكية تجب الأمم والقوميات، وأن القومية تذوب في الإطار الاشتراكي الأممي، فيما تفرض قوانين الجغرافيا السياسية أن تعبر الدولة موضوعياً عن المصلحة العليا للكتلة القومية الأكبر فيها.

ولذلك، عبّر الاتحاد السوفييتي عن الروس أولاً، وعن السلاف ثانياً، وتعاملت بقية الأمم المنضوية فيه مع الاتحاد السوفييتي على هذا الأساس، من أمم البلطيق إلى أمم القوقاز إلى غيرها، وظلت تشعر أن الدولة ليست دولتها، وأنها مهمشة فيها، مهما أنفق الاتحاد السوفييتي على تنمية بنيتها التحتية واقتصادها، وقد أنفق الكثير، أوكرانيا نموذجاً. وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي تفكك على أساس قومي، بعد 70 عاماً من الاشتراكية!

لا بد من مراجعة الموقف الشيوعي المدرسي من القومية، إذاً، فهي أقدم من الرأسمالية ذاتها، ولا تنحل عند قيام الاشتراكية، والأمم والقوميات والشعوب ذات الصفات القومية هي شكل وجود البشرية على كوكبنا. ومن لا يدرك هذه النقطة يزيغ كثيراً.

ولا يقتصر من لا يدركونها على بعض الشيوعيين طبعاً، إنما لا يدركها الليبراليون المتغربون أيضاً، ولا يدركها بعض الإسلاميين الذين يتوهمون أن “الدولة الإسلامية” تجب الأمم والقوميات، وهو خطلٌ من الطراز ذاته. على سبيل المثال، السلطنة العثمانية مثلت العنصر الطوراني أساساً، وكانت دولة قومية طورانية بغلاف متأسلم، والمشروع العثماني إعادة إنتاج معاصرة لها، لا أكثر. وكل من ينكرون أولوية الهوية القومية سواء في الضلالة أو التضليل.

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid0x7SMVVpM8jJJuz8NZF7r8kfhkfRfufUhxkxvCkhDdC6tq8usvoSVZFPtwVQG6VVel&id=100041762855804

الموضوعات المرتبطة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة

فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم التي تبث من غزة     فيديو: إلى أين تتجه الأمور في غزة ؟ د. إبراهيم علوش في مقابلة مع فضائية القدس اليوم [...]

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية وسورية

فيديو: زيارة الرئيس الأسد إلى الصين واللجنة العربية [...]

حديث في مصطلح “الوحدة الوطنية الفلسطينية” – فيديو

حديث في مصطلح "الوحدة الوطنية الفلسطينية" - [...]
2024 الصوت العربي الحر.