في الجيولوجيا السياسية للزلازل السورية

March 1st 2023 | كتبها

 

إبراهيم علوش – طلقة تنوير 86

 

بلغت قوة زلزال مرعش في 6 شباط / فبراير الفائت 7.6 على مقياس ريختر.  بناءً عليه، فإنه يعد من الزلازل الكبرى عالمياً.  وقد وقع أثره الأكبر في شمال سورية لأن محافظة مرعش تعد جغرافياً الحد الشمالي للأقاليم السورية الشمالية التي ألحقت ظلماً وبهتاناً بتركيا بموجب معاهدة لوزان 1923 بين تركيا من جهة، وفرنسا أساساً، ومعها القوى المنتصرة في الحرب العالمية الأولى، ما عدا الولايات المتحدة الأمريكية، من جهةٍ أخرى.  وكانت مرعش تابعة تاريخياً لحلب، حتى أواخر العهد العثماني.

العبرة أن زلزال مرعش، ومن ثم زلزال لواء الإسكندرون السليب في 20 شباط / فبراير، والذي بلغت قوته 6.4 على مقياس ريختر، هما زلزالان سوريان بامتياز، سواءٌ امتد أثرهما إلى مناطق تركية، أو إلى مناطق  سورية محتلة تركياً أو خارجة عن سيطرة الدولة شمال غرب سورية أو تقع ضمن سيطرة الدولة السورية في محافظات حلب وإدلب واللاذقية وحماة.

تصنيف الزلزالين، ولا سيما أولهما، بأنهما سوريان، مهمٌ لأن انهمار التعاطف باتجاه أنقرة، في حين أن معظم المناطق المنكوبة سورية، وأغلب الوفيات لسوريين، مقيمين ونازحين ولاجئين، جعل من التعاطف مع أنقرة، في سياق ما بعد الزلزال بالذات، ذريعةً لـ:

أ – تهميش دمشق سياسياً لدى الغرب الجماعي وبعض الأنظمة العربية، أي لتكريس حصارها.

ب – استغلال الفرصة للمطالبة بفتح المعابر التركية مع مناطق شمال غرب سورية الخارجة عن سيطرة الدولة السورية، أي لتكريس الهيمنة التركية عليها.

ج – توجيه معظم المساعدات دولياً وإقليمياً باتجاه أنقرة، بعيداً عن دمشق، في حين أنها تحتاجها أكثر بكثير من أنقرة.

الزلازل ووتيرتها:

في السياق العام، تقع الزلازل في كوكبنا بوتيرةٍ أعلى بكثير مما قد نتخيل للوهلة الأولى، لكنّ الزلازل الكبرى، أي تلك التي تبلغ قوتها أكثر من 7 على مقياس ريختر، تلفت نظر الناس، نتيجة الدمار والموت العظيمين اللذين تخلفهما عند وقوعها، فنظن أنها وحدها الزلازل، لكن هذا ليس دقيقاً على الإطلاق.

يقع نحو مليون زلزال سنوياً على كوكب الأرض، لكننا لا نشعر بغالبيتها الساحقة لأن قوة 600 ألف منها تبلغ 2.0 على مقياس ريختر، أي نحو 56 كيلوغراماً من المتفجرات، أو أقل.  وتقع نحو 300 ألف هزة أرضية سنوياً بقوة تراوح بين 2.0 و3.0 على مقياس ريختر.  على سبيل المقارنة، تبلغ قوة صاعقة عادية نصف هذا المدى تقريباً.  وتقع نحو 50 ألف هزة أرضية سنوياً بقوة 3-4 على مقياس ريختر، وهذه لا يشعر بها إلا من كان قريباً منها.  وتقع نحو 6000 هزة سنوياً بقوة تراوح بين 4 و5 على مقياس ريختر، وربما تسبب مثل تلك الهزات تصدعات خفيفة على سطح الأرض أحياناً، ولكنها ليست ذات شأن كبير.

الهزات الأرضية التي يمكن أن تحدث دماراً ما تبدأ بعد 5.0 على مقياس ريختر، وهذه أقل وقوعاً وتكراراً، ولكنها أبلغ أثراً، وتقع الهزات التي تبلغ قوتها بين 5.0 و6.0 على مقياس ريختر نحو ألف مرة سنوياً، وتلك التي تبلغ قوتها بين 6.0 و7.0 على مقياس ريختر نحو 120 مرة سنوياً، وتلك التي تبلغ قوتها بين 7.0 و8.0 نحو 18 مرة سنوياً (وزلزال مرعش كان منها)، وتلك التي تزيد قوتها عن 8.0 مرة واحدة أو أقل سنوياً.

كان أقوى زلزال سجل في العصر الحديث هو زلزال “فالديفيا” في ساحل تشيلي على الأطلسي في أمريكا الجنوبية يوم 22/5/1960، وبلغت قوته 9.5 على مقياس ريختر، وتسبب بموجة تسونامي سافرت بسرعة تزيد على 320 كيلومتراً في الساعة عبر المحيط الأطلسي فقتلت العشرات على الأقل في كلٍ من هاواي واليابان والفليبين وغيرها بالأمواج العملاقة.  على سبيل المثال، انقضت أمواج “فالديفيا” العالية على الساحل الياباني في جزيرة “هونشو”، على بُعد أكثر من 17 ألف كيلومتر عن تشيلي، وبَعد 22 ساعة من وقوع الزلزال، فدمرت 1600 منزل وقتلت أو ابتلعت 185 شخصاً.

ولولا أن زلزال “فالديفيا” جاء بعد الظهر في تشيلي، لا في الليل والناس نيام، ولولا أنه افتتح فعالياته المدمرة بهزة إنذار أولية قوية، دفعت بمعظم الناس خارج الأبنية إلى الشوارع والساحات، في ما يشبه الهدوء قبل أن يحل بكامل عنفوانه، لكان عدد قتلاه في تشيلي لا يعد ولا يحصى، ولكنه ترك مليوني شخص بدون مأوى بعد تهديمه آلاف العمارات، وقتل عدة آلاف من التشيليين من أثر التسونامي أساساً.  وهذا بحمد الله ولطفه إذا أخذنا بعين الاعتبار أن زلزال “فالديفيا” أطلق طاقة تعادل عشرات ترليونات الأطنان من المتفجرات.

 

كيف تحدث الزلازل؟

ربما يبدو سطح الأرض هادئاً وثابتاً، لكنه ليس كذلك إطلاقاً، ونحن لا نتحدث عن دوران الأرض حول نفسها أو حول الشمس هنا، بل عن الصفائح التكتونية المتحركة باستمرار على سطح الكرة الأرضية، إذ إن غلاف الكرة الأرضية، بقاراتها وجبالها وسهولها وسواحلها وأنهارها وبحارها ومحيطاتها، هو عبارة عن مجموعة من الصفائح التي تشبه جزراً بريةً عملاقةً تعوم في القشرة الأرضية، فتصطدم وتلتحم أو تعلق ببعضها ثم تنزلق.  وتنشأ الزلازل بأنواعها من تفاعل تلك الصفائح مع بعضها البعض.

يمكن أن تصل سماكة الصفيحة التكتونية بالمتوسط إلى 200 كيلومتر تحت سطح القارات، ونحو 50 إلى 100 كيلومتر تحت سطح المحيطات.  لكن هذا العمق هو متوسط فحسب، والمتوسط العام لعمق الصفيحة هو 125 كيلومتراً، ويبلغ أقصى مداه تحت سلاسل الجبال وأدناه عند أطراف المحيطات.

تتحرك هذه الصفائح بسرعات متباينة.  فإذا علقت ببعضها أثناء حركتها يحدث احتكاك فيما بينها، فإذا ازداد الاحتكاك تتراكم طاقة عند نقاط الاحتكاك، أو خطوط تماسها إذا شئت، فإما أن تتغلب قوة حركة الصفيحة على مقاومة الاحتكاك، فتنشأ موجة زلزالية عند أطراف الصفائح، وهو الأعم الأغلب، وإما أن لا تتغلب عليها، فتنتقل الطاقة إلى وسط الصفيحة وتنطلق الموجة الزلزالية هناك، وهو الأندر حدوثاً.  ولكنه حدثٌ ربما يمثل في الطبيعة شكلاً من أشكال تحول التناقض الخارجي إلى تناقض داخلي عندما يستعصي على الحل فيصبح انفجاراً داخلياً.

المهم أن المادة والحركة صنوان، وأن التغير والتبدل، لا الجمود، هما الظاهرة الطاغية على الوجود، وأن الحركة، لا السكون، هي قانون الطبيعة الذي سنّه الله في الكون، إذ وجد علماء الفلك أن ثمة هزات قمرية مثلاً، أي أن الزلازل لا تقتصر على كوكب الأرض.

لمحة عن الصفائح على كوكب الأرض

 

نعمّر مدننا ومصانعنا وشوارعنا وعماراتنا إذاً على صفائح تكتونية متحركة، وبعض تلك الصفائح كبير الحجم وعددها 7، وأكبرها صفيحة المحيط الأطلسي، ويزيد حجمها عن 103 مليون كم مربع؛ ومنها الصفيحة الأمريكية الشمالية، وتضم معظم أمريكا الشمالية وغرينلاندا وجزء من سيبيريا، ويبلغ حجمها نحو 76 مليون كم مربع؛ ومنها الصفيحة الأوراسية، وتضم معظم، وليس كل، آسيا وأوروبا، ويبلغ حجمها نحو 68 مليون كم مربع؛ ومنها الصفيحة الإفريقية التي يبلغ حجمها أكثر من 61 مليون كم مربع، وهي تتألف من معظم القارة الإفريقية والمياه المجاورة، باستثناء الصفيحة الصومالية الممتدة على شكل قوس من خليج عدن باتجاه القرن الإفريقي إلى جزيرة مدغشقر، وهي صفيحة بدأت تنشق عن الصفيحة الإفريقية منذ نحو 22 مليون عام بمعدل 6 إلى 7 مليمتر سنوياً، لتدخل بذلك في طائفة الصفائح الثانوية، وهي تلك التي يقل حجمها عن 20 مليون كم مربع ويزيد عن مليونٍ واحد.

من الصفائح الثانوية جيولوجياً أيضاً الصفيحة العربية، ويبلغ حجمها 5 مليون كم مربع، وتتميز بأنها صفيحة مستقلة بذاتها تتحرك شمالاً بمعدل 15 إلى 20 مليمتراً سنوياً، دافعةً الصفيحة الأناضولية الأصغر حجماً إلى الغرب بمعدل 21 مليمتراً سنوياً بعكس اتجاه الساعة، أي باتجاه جنوبي شرقي، لأن الصفيحة الأناضولية التي تشكل معظم تركيا الحالية تصدها الصفيحة الأوراسية غرباً وشمالاً، والصفيحة الإفريقية جنوباً وشرقاً.

يدفع هذا التناقض الصفيحة الأناضولية للانفصال عن الصفيحة الأوراسية التي تشكل الأناضولية جزءاً منها، كما أن الصفيحة الإفريقية تغوص تحت الصفيحة الأناضولية، كأنها تحتويها؛ تماماً كما احتوت الصفيحة الأوراسية قبل ملايين السنين الصفيحة الأدرياتكية، المتشكلة من شبه الساق والقدم الإيطالية والمياه المجاورة وصولاً إلى سواحل اليونان، وهي الكتلة المنفصلة عن الصفيحة الإفريقية بالأساس، والمندمجة الآن بالصفيحة الأوراسية.

الصفيحة العربية والإفريقية في مواجهة الصفيحة الأناضولية

 

تمدد الصفيحة الأناضولية ظاهرياً فوق الصفيحة الإفريقية تفتح الباب لكثيرٍ من الإسقاطات في حقل الجغرافيا السياسية، وكذلك توزع الصفائح التكتونية عبر الوطن العربي وجواره.

فإذا كانت الجغرافيا السياسية هي دراسة توزع الوحدات السياسية مكانياً، وأثر العوامل الجغرافية في تشكل الكيانات السياسية وتفاعلاتها، فإن الجغرافيا لا تقتصر على المرئي من سطح الأرض فحسب، وربما يكون الوقت قد حان لتعميق الجغرافيا السياسية من خلال أخذ الجزر التكتونية وتفاعلاتها وانزياحاتها التي تمتد بضع عشرات الكيلومترات في باطن الأرض.  فلننظر إلى الخريطة المرافقة التي تمثل توزع الصفائح التكتونية في المشرق العربي وجواره جيداً.

نلاحظ هنا، أولاً، أن الصفيحة العربية تمتد طبيعياً من بحر العرب عبر الجزيرة العربية إلى سورية والعراق، وصولاً إلى المحافظات السورية والعراقية المحتلة تركياً، وعلى رأسها مرعش، وهي خطوط تماس بين الصفيحة العربية وتلك الأناضولية وأحد أهم وأطول خطوط الاحتكاك الزلزالي في العالم، جيولوجياً وسياسياً، منذ الحثيين إلى الرومان والبيزنطيين إلى السلاجقة والعثمانيين إلى يومنا هذا.

من الواضح هنا، ثانياً، أن لا انفصال جيولوجياً (ولا تاريخياً) بين الجزيرة العربية من جهة، وسورية والعراق من جهةٍ أخرى، وأن الصفيحة العربية تمتد من الشمال إلى الجنوب على حدود جبال زاغروس لتضم كل الأحواز وصولاً إلى مضيق هرمز ثم إلى بحر العرب، تليها شرقاً الكتلة الإيرانية التي تعد جزءاً من الصفيحة الأوراسية.

ثالثاً، لو عدنا إلى الخريطة السابقة لأهم الصفائح التكتونية عالمياً، سنجد الصفيحة العربية محاذية جنوباً وشرقاً بعد ذلك للصفيحة الهندية (المتصلة بدورها بالصفيحة الأسترالية)، وأن عُمان هي جغرافياً النقطة العربية الأقرب إلى الهند، ما يفسر العلاقات التاريخية مع الهند وجوارها عبر عُمان.

من اللافت جداً هنا، رابعاً، أن الساحل الشامي، بين أنهار بلاد الشام الغربية: العاصي والليطاني والأردن، من جهة، وبين البحر المتوسط، من جهةٍ أخرى، يقع على الصفيحة الإفريقية، المقطع السينائي منها تحديداً.  لكن الكتلة السينائية، الممتدة إلى لواء الإسكندرون السليب وعمق كيليكية، هي خط التماس بين الصفيحة الإفريقية من جهة والصفيحة الأناضولية المنشقة عن الصفيحة الأوراسية.  ففي شمال غرب سورية المحتل تركياً تلتقي الصفائح العربية والإفريقية والأناضولية، لتشكل بؤرة زلزالية ذات شأن.

ليس من المستغرب، خامساً، أن يكون الساحل الشامي على البحر المتوسط، القائم بكليته على الصفيحة الإفريقية، أكثر تفاعلاً مع مصر تاريخياً، من غزة إلى أوغاريت التي كتبت أبجديتها بالنقش المسماري ولكن التي تعد امتداداً للحرف السينائي، وهو الأبجدية الأولى في التاريخ التي تكونت في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد في الوعاء الجغرافي الإفريقي الشامي-السينائي-المصري.

للمزيد حول هذه النقطة، الرجاء مراجعة “الآراميون، الأنباط، المصريون القدامى، وأصل الخط العربي” لكاتب هذه السطور في العدد 84 من مجلة “طلقة تنوير”، ويذكر طبعاً أن الأنباط لم يقتصروا على شرق الأردن بل امتدوا من مدائن صالح في الحجاز إلى محطاتٍ شيدوها في النقب مثل “عبدة” في الطريق إلى غزة.

يذكر طبعاً أن الكنعانيين، وفرعهم الفينيقي، انحسروا غرب أنهار بلاد الشام الغربية، أي على الجرف الإفريقي من بلاد الشام، فيما حل الآراميون محل العموريين في أقسامها الداخلية.  ولعل ربطَ كنعان بنسل حام الإفريقي في التوراة (سفر التكوين 18:9 و6:10) تعبيرٌ ثقافي (مضاد) عن تلك الصلة، بغض النظر عن دقة التوراة في هذا الأمر أو عدم دقتها، فنحن نتناولها هنا كوثيقة سياسية، لا كنص تاريخي، تؤكد على الصلة الكنعانية-المصرية.

المهم، حدث زلزال 20 شباط / فبراير الفائت في لواء الإسكندرون جزئياً نتيجة تغول الصفيحة الأناضولية على الرأس الشامي للكتلة السينائية من الصفيحة الإفريقية، فكأنها تعتصره، مع أخذ مواقع الصفائح الأخرى المحاذية وحركتها بعين الاعتبار، في حين راحت الصفيحة الإفريقية تتمدد من تحت الصفيحة الأناضولية، وهو ما ينذر إما بالتحامٍ دائم أو بانفجارٍ عظيم.

خط تصدع البحر الميت

 

لعلها حكمةٌ إلهية أن يكون الساحل الشامي، لا سيناء أو مصر، هو الرابطُ الجيولوجي بين الصفيحة العربية المستقلة والصفيحة الإفريقية، في ما يشبه تكريساً للهوية العربية-الإفريقية المشتركة للأمة العربية، والصفيحة العربية هي بالأساس كتلة منشقة عن الصفيحة الإفريقية، وبسبب ذلك الانشقاق تكوّن البحر الأحمر.

لا يشكل الساحل الشامي إذاً جناحاً غربياً للهلال الخصيب، الذي لا يمكن فصله جيولوجياً عن الصفيحة العربية بطبيعة الحال، بل يشكل لساناً إفريقياً في آسيا بدلالة خط التصدع المعروف باسم “خط تصدع البحر الميت”، والذي يمتد طولياً كخط تماس بين الصفيحة العربية من جهة وتلك الإفريقية من جهةٍ أخرى، كما نرى في الصورة المرافقة.  وينشأ التصدع هنا من التصاق الساحل الشامي بالصفيحة النوبية (الإفريقية) عبر سيناء، التي تنزع شمالاً وشرقاً، تماماً كالصفيحة العربية، إنما بوتيرة أبطأ من حركة الصحيفة العربية، ما ينتج احتكاكاً وانزلاقاً بين الصفيحتين.

لا يحدث الانزلاق بالمعدل ذاته على طول خط تصدع البحر الميت، ما يجعله مجموعة من خطوط التصدع فعلياً؛ ففي منطقة وادي عربة مثلاً كان معدل الانزلاق بين 2 و6 ميلمتر سنوياً ما تسبب بأربعة زلازل في الأعوام 1068، 1212، 1293، و1458 ميلادي؛ وفي منطقة غور الأردن بين البحر الميت وبحيرة طبريا بلغ معدل الانزلاق نحو 5 ميلمترات سنوياً، ما تسبب بزلزال كبير في العهد الأموي عام 749 ميلادي كان مركزه الجليل في فلسطين دمر بلداتٍ ومدناً كثيرةً في فلسطين وشرق الأردن والجولان، كما تضررت مدنٌ عديدةٌ عبر بلاد الشام، وقضى في ذلك الزلزال عشرات الآلاف، وتلته أربعة زلازل بين عامي 1033 و1035 ميلادي أحدثت دماراً عظيماً في بلاد الشام، قضى فيه 70 ألفاً، وأحدث تسونامي في البحر المتوسط.  وتتوقع دراسات عبرية أن الطاقة المحتقنة منذ ذلك الوقت تكفي لإحداث زلزال في المنطقة أشد وأكبر حجماً.

الموضع الإشكالي الآخر في خط تصدع البحر الميت يعرف باسم فالق اليمّونة، عبر سلسلة جبال لبنان الغربية، نسبة إلى منطقة اليمونة في محافظة بعلبك-الهرمل في لبنان، ويوازيه صدع روم وصدع راشيا-سرغايا، ويبلغ متوسط معدل الانزلاق على طول صدع اليمونة 4.0 إلى 5.5 مليمتر في السنة، مع وجود فاصل زمني كبير لتكرار الزلزال يتراوح بين 1020 و1175 سنة.  ووقع الزلزال الأخير المتصل بذلك الصدع عام 1202.  ويبلغ معدل الانزلاق على صدع روم نحو 1 ميلمتر سنوياً، ومعدل الانزلاق على صدع راشيا-سرغايا 1.4 ميليمتر سنوياً، ويعد مسؤولاً عن زلزالين كبيرين عام 1759 في ظل الاحتلال العثماني الغاشم.

أما القسم الشمالي من صدع البحر الميت فيتألف من أربعة صدوع: مصياف، سهل الغاب، حجي باشا، وكاراسو، وأخطرها صدع مصياف في محافظة حماة، ويمتد من صدع اليمونة في لبنان، ويبلغ معدل الانزلاق عند صدع مصياف-سهل الغاب 6.9 ميلمتر سنوياً، ويعد مسؤولاً عن زلزالين كبيرين عامي 115 و1170 ميلادي، ولا يتوقع الجيولوجيون حدوث زلزال قريباً عند ذلك الصدع، والله أعلم.

حان الوقت إذاً للتحدث عن الجيولوجيا السياسية، وهي تظهر بوضوح أن بلاد الشام هي واسطة عقد الجناح الجزيري والجناح الإفريقي للأمة العربية، وأن كلا الجناحين يتحدان في الشام في مواجهة الكتلة الأناضولية. وللمزيد حول هذا الموضوع، الرجاء مراجعة “عروبة سورية خط دفاع جغرافي-سياسي في وجه الأناضول”، و”إشكالية الموقف من تركيا عقائدياً وسياسياً”، لكاتب هذه السطور.

كلمة أخيرة حول الزلازل

لا تحدث الزلازل من جراء اصطدام الصفائح التكتونية فحسب، إذ ربما تحدث على أعماق تتجاوزها بكثير، وصولاً إلى 500 و800 كيلومتر تحت سطح الأرض.  لكنّ الزلازل التي تقع عميقاً في غور الأرض لا تؤثر على قشرتها بالدرجة ذاتها، ويمكن القول عموماً أن أثر الزلزال يقل بمقدار ابتعاده عن سطح الأرض.  فإن وقع على عمق 20 كيلومتراً سيكون أكبر أثراً مما لو وقع على عمق 500 كيلومتر.

لكنّ هذا ليس العامل الوحيد الذي يحدد أثر الزلازل، كما أن مدى الموجة الزلزالية (المحسوبة بلوغاريتم الموجة الزلزالية)، أو كمية الطاقة التي يفجرها الزلزال، بمقياس ريختر أو غيره، ليس بدوره العامل الوحيد الذي يحدد أثره.

تتسم أشد الزلازل عنفاً بأنها نتاج انغراس صفيحة تحت أخرى، تماماً كالصفيحة السينائية تحت الأناضولية.  كما أن طول الفالق الذي يقع الزلزال عنده يعد أحد أهم العوامل التي تحدد أثر الزلزال، فكلما زاد ذلك الطول، كلما اشتد أثر الزلزل وتوزع بصورة أوسع.  ويذكر أن أحداً لم يستطع بعد التنبؤ بوقوع الزلازل بصورةٍ منهجية.  ولكن طول خطوط التماس مع الكتلة الأناضولية وطبيعتها تنذر دوماً ببقاء سورية في حالة من عدم الاستقرار، ولا حل لهذه المشكلة إلا بتفكيكها.

أخيراً، ربما يتسبب زلزال بقوة 6.5 مثلاً بضررٍ أقل من زلزال بقوة 5.5، وذلك أن طبيعة التربة التي يقع فيها الزلزال تلعب دوراً كبيراً في احتوائه أو نقل موجاته.  فالصخور الصلبة والتربة المتماسكة ناقل رديء للأمواج الزلزالية، وبالتالي تعمل على احتوائها، أما الرمل والوحول فتعمل على تكبير حجم الموجة الزلزالية ونقلها بصورةٍ أسرع.  والعبرة واضحة: كلما كانت تربتنا أكثر تماسكاً، كلما قلّ ضرر الموجات الزلزالية الناتجة عن الاحتكاك مع الأناضول… عبر تاريخنا الجيولوجي والسياسي برمته.

 

للمشاركة على فيسبوك:

 

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid023FWFfgk4JQeztshLbiNCnZ6583aXHmb5En49ZpKhCKQf3RRXk4DGUR6yuXb93ugrl&id=100041762855804

 

 

 

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.