حق اليهود بالانتقام :Inglourious Bastards

February 15th 2012 | كتبها

د. إبراهيم علوش

 

العرب اليوم 15/2/2012

 

اشتهر كوينتن تارنتينو Quentin Tarantino كاتب نص ومخرج فيلم Inglourious Basterds “أولاد زنا شائنون” بأفلامه غير التقليدية التي تجمل وجه العنف  (على طريقة أوليفر ستون في فيلم (Natural Born Killers، والتي تعتمد أسلوب الحبكات غير الخطية، أي الحبكات التي لا تتسلسل زمنياً من البداية إلى النهاية، بل تعرض مشاهد الفيلم كومضات ذاكرة تلمع فجأة، أو تترك سؤالاً بلا جواب.   وعندما نقول غير تقليدية، فإن ذلك يبدأ بالعنوان، حيث أن الطريقة الصحيحة لكتابة العنوان بالإنكليزية هي في الواقع Inglorious Bastards، لكن هذا ما أراده المخرج وأصر عليه، ربما ليميزه عن فيلم إيطالي بنفس العنوان من السبعينات يتناول حبكة مشابهة عن ثلة من الأمريكيين ينفذون عملية عسكرية معقدة خلف الخطوط النازية في أوروبا!

 

كوينتين تارنتيو له سجل طويل في الأفلام الهوليودية الناجحة، مثل Pulp Fiction وجزئي Kill Bill، وهو مبدع في تحويل الشأن اليومي العادي إلى شيء مدهش، وتحويل ما هو غير عادي إلى شيء أقل من المتوسط يخلو من الدراماتيكية والكاريزما، بطريقة مبدعة، لكن بسيطة ومقنعة، من فرط ما بذل فيها من جهود إخراجية وعناية بالتفاصيل دون تكلف.  وقد كان فيلم “أولاد زنا شائنون” الذي أشهر في الولايات المتحدة في 21/8/2009 من أفلامه الناجحة حقاً، فرشح لعشرات الجوائز العالمية، وحصد عدداً منها، بالإضافة إلى مئات ملايين الدولارات من العائدات، 321 مليون تقريباً، لفيلم كان قد كلف حوالي 70 مليون دولار، ويقول كوينتين تارنتينو بأنه بدأ بكتابة نصه قبلها بعشرة سنوات…

 

وينسحب لقب “غير تقليدي” على “أولاد زنا شائنون” من كثرة استخدامه للغات الألمانية والفرنسية، وقليلاً من الإيطالية.  فالفيلم الهوليودي يجعل الشخصيات والمحاورات التي يفترض أن تكون أجنبية تجري بالإنكليزية عادةً، لكن بلكنة غريبة، أما هذا الفيلم فأكثر من نصفه يدور بالألمانية والفرنسية أساساً، مما يجعله أوروبياً أكثر منه هوليودياً على هذا الصعيد.  بالتحديد، جرت 42% من محاوراته فقط، حسب موقع IMDB، باللغة الإنكليزية.  وتخيلوا مقدار صعوبة إخراج فيلم بلغات لا يتقنها المخرج، وصعوبة إيجاد ممثلين يتقنون أكثر من لغة، منهم شخصية الضابط النازي هانز لاندا (الممثل كريستوف فالتز) الذي مثل في الفيلم بأربع لغات، وحصد عدة جوائز عالمية كان الأوسكار واحداً منها.  لكن تجاوز تلك الصعوبات بالضبط هو ما يجعل الفيلم أكثر واقعية وإقناعاً.

 

ما سلف كان ضرورياً لتأطير السياق الذي قدمت من خلاله رسالة الفيلم.  فهو ليس عملاً كلاسيكياً بالضبط أو قمة من قمم هوليود كفيلم، لكن رسالته تتجاوز رسالة أي فيلم هوليودي أخر في اعتبار حق اليهود ب”الانتقام”، أي بممارسة العنف ضد أعدائهم، غير مقيدٍ بأي اعتبار أخلاقي أو إنساني.  فهذا الفيلم يعرض التبشيع ضد أعداء اليهود: سلخ فروات رؤوسهم بالسكين تكراراً، تهشيم جمجمة ضابط نازي بمضرب بيسبول، قطع أعناق النازيين بالسكين، ارتكاب مجزرة جماعية فيهم في مسرح بالحرق، حفر الصليب النازي المعكوف بالسكين على جباهم، الخ…  وكل ذلك يقدم كشيء رائع ومشروع، حتى أن البعض صفق له كأحلام يقظة يهودية، أما بعض الكتاب والنقاد اليهود الأكثر وعياً فتخوفوا من الطريقة التي تم فيها تصوير اليهود كما يصور اليهود النازيين.  فها هي مجموعة من الجنود اليهود، تحت قيادة ضابط كاوبوي أمريكي (براد بيت زوج أنجلينا جولي)، تنزل بالمظلات خلف خطوط النازيين لا لتحقيق مهمة عسكرية معينة، كما في الفيلم الإيطالي الذي يتم تقليده هنا، بل للقتل من أجل القتل، على أن يجمع كلٌ منهم مئة فروة رأس نازية… بطريقة تركز على لذة القتل أكثر مما تركز على دوافعه، كما كتب ناقد: هل ترنتينو جيد لليهود؟ (أندرو أوهيهير، 13/8/2009، موقع “صالون”). 

 

الكاتب والمحلل السياسي اليهودي جيفري غولدبيرغ، الذي يدرك جيداً أن وسائل الثقافة الجماهيرية كالسينما أخطر بكثير من أن تترك للسينمائيين، شعر بناءً على ما سبق أن “التركيز على دوافع الانتقام يجعل اليهود كغيرهم”،  وهو ما قد يخلق تعاطفاً مع ضحاياهم النازيين، وربما الفلسطينيين بالمعية؟!  (جيفري غولدبيرغ، مجلة “أتلانتيك” الشهرية، عدد أيلول 2009).

 

أما صانع الأفلام ألكسندر كلوج فيعترض في مقابلة في هارتز “الإسرائيلية” على مشهد الضابط النازي الذي قرر أن يموت ضرباً بمضرب البيسبول على أن يعترف على زملائه الألمان، دفاعاً عن شرفه العسكري كما قال.

 

بالرغم من ذلك، أحب الجمهور “الإسرائيلي” فيلم “أولاد زنا شائنون” كثيراً، كما قال غولدبيرغ نفسه، الذي نقل عن المخرج تارنتينو أنه ملّ تصوير اليهود كضحايا في هوليود، وأراد أن يقدم فيلماً يفعل العكس.  وتركز مواقع الإنترنت: تارنتينو ليس يهودياً.  لكن غولدبيرغ يقول أن مخرجاً غير يهودي فقط كان يمكن أن يصنع فيلماً يمجد الوحشية اليهودية كهذا.   ولكن ما لا يُقال هو أن المنتج والممول الأساسي لأفلام تارنتينو، واسمه لورنس بندر، ليس يهودياً فحسب، بل عضو في “مجلس سياسة إسرائيل” أحد مكونات اللوبي اليهودي-الأمريكي، وكذلك المنتج التنفيذي والموزع هو شركة الأخوين واينستاين، اليهوديين…

 

نقطة أخيرة: يُقتل هتلر وغوبلز، وزير الإعلام النازي، في مسرح سينما في الفيلم، وهذه النقطة ذات قيمة رمزية كبيرة، بمعنى دور السينما في القضاء على النازية والعداء لليهود… وكذلك حرق النازيين في المسرح، رداً على “المحرقة” المزعومة، والحوارات التي يشرف عليها وينستون تشرشل نفسه حول دور غوبلز في تطوير السينما الألمانية، وضرورة الرد عليها بسينما مضادة، مناهضة للنازية.  أخيراً، ضرورة حفر الصليب المعكوف بالسكين على جباه النازيين (المعادين لليهود) ممن يخلعون بزاتهم العسكرية، أي لا يعودون ظاهرين للعيان، وهو ما يعني وصمهم بتهمة “العداء للسامية”.

 

 

 

    

 

 

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.