من تداعيات الأزمة الأوكرانية عربياً

October 26th 2022 | كتبها

 

إبراهيم علوش  – الميادين نت

ازدادت أهمية تركيا كمحور لتصدير الغاز الروسي إلى أوروبا بالتناسب مع تصاعد التوتر مع دول أوروبا الشرقية المعادية للروس، ولا سيما بولندا وأوكرانيا.  لذلك، بدأ بناء خط غاز “السيل التركي” عام 2014 بعد أشهر من استعادة روسيا لشبه جزيرة القرم وما تبع ذلك من عقوبات غربية على روسيا.

ومن البديهي أن تفجير خطي “السيل الشمالي – 1″ و”السيل الشمالي – 2” في 26 أيلول / سبتمبر الفائت زاد تركيا أهميةً بالنسبة لروسيا.  لم يكن من المفاجئ إذاً أن يقترح الرئيس بوتين في قمة آستانا على أردوغان في 14 تشرين الأول / أوكتوبر بناء خط غاز جديد من روسيا إلى تركيا من أجل التصدير إلى أوروبا.

يذكر أن خطوط الغاز الأخرى من روسيا إلى أوروبا إما توقفت عن العمل أو مهددة بالتوقف في أي لحظة؛  فخط “يامال” عبر بولندا توقف، وخط الغاز عبر أوكرانيا ما برح يعمل جزئياً، لكنه مهدد بالتوقف في أي لحظة، لا سيما مع بروز خلافات جديدة بين روسيا وأوكرانيا حول رسوم عبور الغاز الروسي عبر الأراضي الأوكرانية.

توقف السيلان الشماليان بسبب تفجيرهما طبعاً.  وهناك فرع من “السيل الشمالي – 2” ما برح يصلح لتصدير الغاز إلى ألمانيا، ولكنّ “السيل الشمالي – 2” توقف عن العمل بقرار سياسي، وهناك ضغوط شعبية ألمانية وأوروبية لتفعيله، وريثما تثمر تلك الضغوط عملياً، يبقى ذلك الخط مغلقاً في المدى المنظور.

لم يبقَ إذاً إلا “السيل الأزرق” من روسيا إلى تركيا، وتبلغ طاقته 16 مليار متر مكعب سنوياً، و”السيل التركي” من روسيا إلى تركيا أيضاً، ومنها إلى دول البلقان، وتبلغ طاقته 31.5 مليار متر مكعب سنوياً.  لهذا، جاءت محاولة تفجير “السيل التركي”، بعد تفجير السيلين الشماليين، منطقية تماماً من منظور من يسعى لقطع علاقة روسيا غازياً مع أوروبا.

لكن الخطين التركيين لا يعوضان بما يكفي عن الخطوط الأخرى.  تبلغ الطاقة القصوى لخط الغاز الروسي عبر أوكرانيا مثلاً 100 مليار متر مكعب سنوياً، وتبلغ طاقة “السيل الشمالي – 1” من روسيا إلى ألمانيا 55 مليار متر مكعب سنوياً، وخط “يامال” عبر بولندا 33 مليار متر مكعب سنوياً، و”السيل الشمالي – 2″، الذي لم يفعّل قط، كانت طاقته القصوى تبلغ، قبل تفجير أحد أنبوبيه، 110 مليار متر مكعب سنوياً.  من هنا، يأتي مشروع بوتين لبناء خط جديد من روسيا إلى تركيا لتعويض طاقة ضخ الغاز المفقودة، أو على وشك الفقدان، إلى أوروبا.

النظام التركي يلعب على كل الحبال

تزداد أهمية تركيا بالنسبة إلى روسيا إذاً، ويزداد الاستثمار الروسي في العلاقة معها، ولا يتعلق الأمر بالغاز فحسب، إنما يضفي الغاز بعداً رئيسياً على تلك العلاقة.  ويفترض أن تموّل روسيا تشييد الخط الجديد، ولكنْ، ما هو الجدوى من بنائه فعلياً في ضوء التوجه الأوروبي لمقاطعة حوامل الطاقة الروسية وإيجاد بدائل لها؟

يلعب النظام التركي على كل الحبال غازياً، وصولاً إلى التحول إلى محبس إسطوانة الغاز الأوروبية.  ويمر عبر تركيا أيضاً خط “ممر الغاز الجنوبي”، من أذربيجان إلى جورجيا ثم عبر تركيا إلى أوروبا، الذي دشن عام 2018، والذي شيدته المفوضية الأوروبية لتخفيف الاعتماد الأوروبي على النفط الروسي، وتبلغ طاقته القصوى 24 مليار متر مكعب سنوياً، وهو يواكب، في جزء من طريقه، أنبوباً نفطياً من أذربيجان إلى جورجيا، ثم عبر تركيا إلى خليج الإسكندرون المحتل على البحر المتوسط، وطاقته مليون برميل يومياً.

وهناك أنبوب تبريز-أنقرة، الذي ينقل الغاز الإيراني إلى تركيا، والذي يلتحق بخط “السيل الأزرق” قبل أنقرة بقليل، وتبلغ طاقته القصوى 14 مليار متر مكعب سنوياً، وهو ما يزيد من أهمية تركيا غازياً بالنسبة لإيران أيضاً، خصوصاً كمصدر عملةٍ صعبةٍ للبلد المحاصر.

أما الدور المعلن رسمياً لخط الغاز الإيراني، فهي تخفيف الاعتماد التركي على الغاز الروسي!  فإذا وقِّع اتفاقٌ نووي، تحولت تركيا أيضاً إلى معبرٍ للغاز الإيراني إلى أوروبا.  وفي الآن عينه، يعمل أردوغان على تطوير العلاقة مع العدو الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني على أمل مد أنبوب غاز من شرق المتوسط عبر تركيا إلى أوروبا.

تستورد تركيا أيضاً 4.4 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من الجزائر سنوياً، ويرتبط البلدان باتفاقات لتطوير مشاريع استكشاف الغاز الطبيعي وإنتاجه وبعلاقات واسعة النطاق.   وفي الآن عينه، دفعت تركيا أذرعها في ليبيا إلى منافسة الجزائر على خط الغاز الذي يدفع الأوروبيون لتشييده من نيجيريا إلى أوروبا، وأعلنت “حكومة الوحدة الوطنية” في ليبيا أنها قدمت عرضاً إلى نيجيريا بهذا الخصوص، الشهر الفائت، لتمرير خط الغاز النيجيري من نيجيريا إلى تشاد إلى ليبيا (بدلاً من مروره من نيجيريا إلى النيجر إلى الجزائر).

أضف إلى ذلك أن تركيا ستبدأ الضخ من حقل “سقاريا” الذي اكتشفته في البحر الأسود عام 2023، بمعدل 3.7 مليار متر مكعب سنوياً، يفترض أن يرتفع إلى 15 مليار متر مكعب عام 2026، وهذا بالطبع لن يكفي حاجتها السنوية البالغة نحو 60 مليار متر مكعب، لكنه سيوفر المزيد لإعادة التصدير إلى أوروبا.

ومع الأزمة الأوكرانية، ازداد تشابك مصالح روسيا وإيران، والجزائر إلى حدٍ ما، مع تركيا، غازياً وغير غازياً، في الوقت الذي تلعب فيه الأخيرة على الجميع.  خلق هذا وضعاً ربما يدفع الحلفاء للتساهل مع التغول التركي، من سورية والعراق إلى ليبيا، ولتقديم ما يلزم من أجل إعادة انتخاب أردوغان عام 2023، معتقدين أنهم “رجلهم”، فيما يحاول توظيفهم من أجل تجاوز الاستحقاق الانتخابي أولاً، ولتعزيز شروط توسع المشروع العثماني الذي يهدد روسيا وإيران في الصميم ثانياً.

ما يحتاجه أردوغان مثلاً في الوقت الحالي أمام الناخبين الأتراك، هو أن يبدو كأنه يحل مشكلة اللاجئين السوريين في عز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها تركيا، وأن يبدو كأنه يطبع العلاقة مع الدولة السورية في ذلك السياق، فهي حاجة انتخابية ليس إلا، ستنتهي عندما تنتهي الانتخابات.

ولو كان صادقاً لما تأخر في تنفيذ اتفاق إدلب عام 2018 مع روسيا، فيما يعمل على تتريك الشمال السوري على قدمٍ وساق.

الأزمة الأوكرانية تسهم بالإفراج عن غاز لبنان وغزة؟

لا شك في أن قوة المـ.ـقـ.ـاومة اللبنانية وإصرارها لعب الدورَ الرئيس في إخراج الاتفاق حول حقل قانا بالصورة التي خرج فيها، أي باستعادة الحقل إلى السيادة اللبنانية من دون:

 1 – اعتراف بالكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني.

 2 – علاقات تطبيعية معه.

 3 – “معاهدة سلام”.

وعلى عكس ما يشيع البعض، فإن الاتفاق لم يتضمن ترسيماً رسمياً للحدود البرية أو البحرية بين لبنان والعدو الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني، بل بقي موضوع الحدود بين لبنان و”إسرائيل” معلقاً، وبقيت حالة العداء قائمة.

لعل الأمريكيين والأوروبيين كانوا يفضلون لو أمكن ضخ الغاز من قانا و”كاريش” و”مارين” (قبالة غزة) وغيرها من الحقول من دون إعطاء شيء للعرب، أصحابها الأصليين، ولكنّ الأزمة الأوكرانية والحاجة الملحة أوروبياً لإيجاد بدائل للغاز الروسي خلق سياقاً سرّع من رضوخ الكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني لشروط لبنان.

لم تكن المرحلة مرحلة تعطيل وتسويف على هوى نتنياهو، بل كانت مرحلة التجاوب مع ضغط إدارة بايدن والاتحاد الأوروبي كما فعل لابيد، إذ إن الحاجة الملحة لإدخال المزيد من غاز شرق المتوسط في دورة السوق العالمية لم تعد تنتظر.

من ناحية أخرى، أعلنت هيئة البث “الإسرائيلية”، الشهر الجاري، عن اتفاق بين مصر والسلطة الفلسطينية والكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني لتطوير حقل “مارين” قبالة غزة.  لكن تقارير لاحقة في المواقع “الإسرائيلية” قالت إن مفاوضاتٍ تجري بخصوص حقل “مارين”، كما أشار موقع “غلوبس” مثلاً في 20/10/2022، مضيفاً أن الضغط الأوروبي لعب دوراً رئيسياً في تحريك تلك المفاوضات، ومختتماً أن الكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني “لم يتخل رسمياً عن حقوقه في حقل مارين”، وملمحاً إلى أن إنتاجه من الغاز سوف تشرف عليه مصر و”إسرائيل”.

نقلت “يديعوت أحرونوت” في المقابل، في 20/10/2022 أيضاً، على لسان وزيرة الطاقة كارين الهرار ورئيس مجلس الأمن القومي أيال حالاتا، أن موضوع حقل “مارين” مؤجل إلى ما بعد الانتخابات، حتى تبت فيه الحكومة المقبلة.

في الحالتين، يبرز العامل الأوروبي في تحريك ملف حقل “مارين”، ويبقى الفرق بين حقلي “مارين” و”قانا” في مدى قدرة الاحتلال على التحكم بما يجري أو لا يجري فيهما، أي في عنصر السيادة التي تدعمها القوة.

وفي المحصلة، لا يحقق الظرف الموضوعي الملائم نتائج إيجابية من تلقاء ذاته، بل يجب أن توجد قوة ذاتية مستعدة وقادرة على الاستفادة منه، كما في لبنان.  وليس من الواضح بعد كم ستستفيد “إسرائيل” من ضخ الغاز من “مارين”، عندما يبدأ الضخ منه، على الرغم من نفي السلطة الفلسطينية.

ويزعم الغرب والكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني أن لهما مصلحة في استعادة لبنان حقل قانا أيضاً لأن ذلك:

 1 – يقلل حاجة لبنان إلى حوامل الطاقة الإيرانية.

 2 – يخلق مصلحة حيوية للبنان في عدم توتير الأجواء مع الكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني أو في استهداف حقول غازه، حرصاً على حقل قانا.

لكن هذا كله يبهت أمام حقيقة ماثلة هي أن عائدات حقل قانا، إذا لم تضِع في الفساد، يمكن أن تسهم بقوة في تحقيق انفراج اقتصادي في لبنان، وهو نقيض ما سعى إليه من حاصروا لبنان اقتصادياً ومالياً منذ 3 سنوات على أمل خلق هوةٍ سحيقة بين المـ.ـقـ.ـاومة وحاضنتها الشعبية، أي أن استعادة حقل قانا هو نصرٌ سياسيٌ وميدانيٌ واقتصادي للمـ.ـقـ.ـاومة وحاضنتها وللبنان لا ريب فيه، الأمر الذي يحتاج إلى تحصينٍ من خلال محاربة الفساد، وإلا فإنه نصرٌ مرشحٌ للتبديد.

هل تتجه العلاقات السعودية-الأمريكية نحو المزيد من التأزم؟

 

 

تتسارع التطورات في جبهة العلاقات السعودية-الأمريكية بعد قرار “أوبك+” خفض إنتاجها مليوني برميل يومياً، على النقيض من دفع إدارة بايدن باتجاه زيادة إنتاج النفط، وهو ما استتبعه تهديدٌ ووعيدٌ أمريكيان، من بايدن إلى مشرعين أمريكيين، منهم من دعا إلى وقف بيع الأسلحة الأمريكية إلى السعودية، ومنهم من أعاد طرح تشريع يجرم “أوبك” في الكونغرس كاحتكار.

سبق أن تناولت أبعاد هذا القرار في ضوء الأزمة الأوكرانية وخلفيات اندفاع السعودية نحو التصرف بصورةٍ مستقلة عن الإدارة الأمريكية نفطياً في مادة “السيل الشمالي، أوبك+، والنفط والغاز كرافعة سياسية” في الميادين نت في 18/10/2022.

لكنّ التطور البارز واللافت خلال الأيام الفائتة كان الإعلان عن رغبة السعودية الانضمام إلى منظمة “بريكس”، نقلاً عن سيريل رامافوزا، رئيس جنوب إفريقيا، الذي كان في زيارة للسعودية، الشهر الجاري.  وقد وقّع البلدان خلالها اتفاقيات ومذكرات تفاهم بقيمة 15 مليار دولار.  ويذكر أن الرئيس رامافوزا سيكون الرئيس الدوري لمنظمة “بريكس” عام 2023.

وإذا عددنا تمسك السعودية بتخفيض الإنتاج نوعاً من المناكفة مع الحزب الديموقراطي الحاكم وإدارة بايدن، فإن الانضمام إلى “بريكس”، إذا تم، يمثل نقلةً استراتيجيةً كاسرة للتوازنات من المرجح أن تصعّد التوتر مع الإدارة الأمريكية.  وسنرى كيف ستتبلور الصورة على هذا الصعيد عندما تنعقد قمة “بريكس” المقبلة عام 2023 في جنوب إفريقيا.

تتطور في الآن عينه علاقات وطيدة بين الصين والسعودية عمادها تصدير النفط السعودي إلى الصين والأسلحة الصينية إلى السعودية.  وفي الأيام الفائتة، تناقلت وسائل الإعلام الغربية بقلقٍ خبر لقاءٍ افتراضي جمع وزيري الطاقة السعودي والصيني تمحور حول “أمن الطاقة عالمياً”.

يذكر أن السعودية هي المورد الأول للنفط إلى الصين، تليها روسيا ثم العراق وعُمان، ثم أنغولا والكويت والإمارات والبرازيل، بالتتالي، من حيث الأهمية، غير أننا لسنا بحاجة للانتظار حتى انعقاد قمة “بريكس” عام 2023 لنعرف كيف ستتطور العلاقات الأمريكية-السعودية.

وبحسب تقرير مطول نشره موقع قناة NBC في 18/10/2022، تدرس إدارة بايدن خيار دفع الشركات الأمريكية إلى تقليص استثماراتها ونشاطها الاقتصادي في السعودية، ولا سيما “مبادرة مستقبل الاستثمار” (المعروفة أيضاً بإسم “دافوس في الصحراء”)، التي تمثل واسطة عقد مشاريع محمد بن سلمان التي يسعى إلى استقطاب الاستثمار الأجنبي المباشر إليها.

ويتلئم اللقاء السنوي للمبادرة، بمشاركة عالمية واسعة، في الرياض في 25-27 تشرين الأول / أوكتوبر الجاري، في ظل شبه مقاطعة رسمية أمريكية للقاء هذا العام، وترد السعودية بأنها لم توجه دعوة للإدارة الأمريكية للمشاركة في اللقاء أصلاً…

لا تتوقف التطورات عند هذا الحد، إذ يقول تقرير الـNBC المذكور آنفاً إن إدارة بايدن تتجه لتخفيف تعاملاتها الاقتصادية والدبلوماسية مع الرياض بانتظار تاريخ 4 كانون الأول / ديسمبر المقبل، حين ينعقد اللقاء الوزاري لــ”أوبك+”.  وتعد الإدارة الأمريكية ذلك الموعد مفصلياً في تحديد مستقبل العلاقات السعودية-الأمريكية.  ففي اليوم الذي يسبقه، أي في 3 كانون الأول / ديسمبر المقبل، تدخل حزمة عقوبات أوروبية جديدة ضد روسيا موضع التنفيذ.  وتتضمن الحزمة:

 1 – حظراً جزئياً على استيراد النفط الروسي.

 2 – حظراً تاماً على استيراد النفط الروسي بحرياً، أي عبر الناقلات.

 3 – عقوبات موجهة لمنع دول الاتحاد الأوروبي من إعادة بيع النفط الروسي ومشتقاته.

وستخرج هذه الحزمة من العقوبات الأوروبية، بمقدار ما ينجح تطبيقها، مليوني برميل من النفط الروسي يومياً من السوق.  وتريد الإدارة الأمريكية والاتحاد الأوروبي من “أوبك” أن تزيد من إنتاجها النفطي وقتها، للتعويض عن الفاقد الروسي، فإن لم تفعل، فإن علاقات الإدارة الأمريكية مع السعودية مرشحة للمزيد من التدهور بالضرورة.

من هنا، إن خطوة السعودية في طلب الانضمام إلى منظومة “بريكس” تعد مؤشراً على ما سيأتي، فالصدام مع الإدارة الأمريكية، إذا ثبتت السعودية على موقفها، يحتاج إلى حلفاء أقوياء، وإلى نزع فتائل التوتر مع أولئك الحلفاء، من سورية إلى اليمن.  وهو تطور إيجابي عربياً وإقليمياً ودولياً إذا استقرت السعودية على هذا المسار.

الاستثمارات الخليجية في مصر

 

تصاعدت الاستثمارات السعودية والإماراتية والقطرية والكويتية في مصر في الأشهر الفائتة، وشكل هذا الاستثمار المباشر، أي في مؤسسات إنتاجية، خطاً بيانياً صاعداً منذ عام 2021، إلا أنه ازداد حدة مع الأزمة الأوكرانية من جراء ارتفاع سعر النفط والغاز عالمياً في المقام الأول، ما خلق فوائض مالية خليجية راحت تبحث عن منافذ استثمارية أكثر آماناً من الغرب الذي لم تثبت تجربة أوكرانيا أنه غير مستعد للدفاع عسكرياً عن حلفائه فحسب، بل أنه على استعداد لمصادرة الأصول والاستثمارات الأجنبية الموجودة عنده بجرة قلم، كما جرى مع مئات مليارات الدولارات من الأصول الروسية وغيرها.

وبناءً عليه، راحت مليارات الدولارات الخليجية تتدفق إلى مصر، وهو ما غطاه الإعلام العربي بكثافة، ولذلك لن أتوسع فيه، سوى للقول إن تزايد الاستثمار الخليجي في مصر يمثل أحد تداعيات الأزمة الأوكرانية عربياً، وهو أمر إيجابي بمقدار ما تترسخ تحولات السعودية الأخيرة في الساحة الدولية.

 

خلاصة

انعكست الأزمة الأوكرانية إيجابياً على الصعيد العربي ما عدا فيما يتعلق بتعزيز دور تركيا ووزنها الإقليمي، الأمر الذي لا بد أن ينعكس سلبياً على سورية والعراق وليبيا، وحيثما تتغول تركيا في الوطن العربي.  ويتعمق ذلك الأثر سلبياً بمقدار ما تشعر روسيا بالحاجة إلى التخفيف من وجودها وفعالياتها في سورية للتركيز بصورةٍ أكبر على المسرح الأوكراني.

ولو كان الغرب أكثر تماسكاً، ولو لم يكن نفوذه إلى أفول، لما تجرأت تركيا أو الكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني على اللعب على الحبلين في الأزمة الأوكرانية، ولتعمقت التناقضات بين روسيا من جهة، وتركيا والكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني من جهةٍ أخرى، لكنّ هذا لم يحدث.

وقد نجح الكيان العثماني في أداء مثل هذا الدور المزدوج ببراعةً أكبر من الكيان الصـ.ـهـ.ـيـ.ـوني، فتعززت مكانته عند روسيا وإيران وغيره من مناهضي الهيمنة الغربية، وهو ما يحتمل أن ندفع ثمنه نحن العرب، إذا لم ينشأ وزنٌ مكافئ للمشروع التركي في الإقليم، وهو الأمر الذي بات أولوية أمن قومي عربي لا غنى عنها.

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid02JHNGKWisCJ4kzpJZ4S7v2R1Yot38aZAgGANVcASEzEQTXKGfdScyAFi8w1Q5GRGol&id=100041762855804

     https://www.almayadeen.net/research-papers/%D9%85%D9%86-%D8%AA%D8%AF%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B2%D9%85%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%88%D9%83%D8%B1%D8%A7%D9%86%D9%8A%D8%A9-%D8%B9%D8%B1%D8%A8%D9%8A%D8%A7

 

الموضوعات المرتبطة

خيارات الرد الإيراني من المنظور المعادي

  إبراهيم علوش – الميادين نت تتقاطع التقارير والمقالات الأمريكية و"الإسرائيلية" التي تتناول خيارات الرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية على أتوستراد المزة في دمشق، والمحاذية [...]

مدرج الطائرات الضخم في جزيرة عبد الكوري في أبعاده الصغرى والكبرى

  إبراهيم علوش – الميادين نت تبلغ مساحة جزيرة عبد الكوري، في أرخبيل سُقطرى اليمني، 133 كيلومتراً مربعاً فحسب، ويبلغ طولها 36 كيلومتراً، وعرضها، عند أوسع حيز فيها، 5 كيلومترات، أما عدد سكانها [...]

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]
2024 الصوت العربي الحر.