اعتصام “جك” (جماعة الكالوتي) غير قابل للتجيير

October 6th 2011 | كتبها

د. إبراهيم علوش

 

المناهضة، نشرة غير دورية تصدر عن جمعية مناهضة الصهيونية والعنصرية، عدد 15، 1/10/2011

عند كتابة هذه السطور، تكون “جك”، اختصاراً ل”جماعة الكالوتي”، قد أقامت اعتصامها الثمانين على رصيف جامع الكالوتي في منطقة الرابية على مقربة من سفارة العدو الصهيوني في عمان.   ولقد أصبح ذلك الاعتصام معلماً من معالم المشهد السياسي الأردني منذ بدأ قبل حوالي عام وأربعة أشهر في 31/5/2010 بالتحديد.  ويتميز اعتصام “جك”، كما اشرنا في أكثر من مادة، بنفسه الطويل وبطبيعته الحضارية وبعدم ارتباطه بتقلبات الحدث السياسي، بل بتركيزه الدائب على مطلبين أساسيين: 1) إغلاق السفارة الصهيونية في عمان، و2) إعلان بطلان معاهدة وادي عربة.

غير أن ذلك لا يمنع أن تكتسي تلك الصفات التي تمثلها “جك” أبعاداً أكثر أهمية مع تقلبات الحدث السياسي.  ف”جك” ليست خارج السياق السياسي، بل هي جزءٌ منه بالضرورة، وبالتالي فإن معنى “جك” وما يمثله اعتصامها لا بد أن يكتسب ظلالاً جديدة مع اختلاف السياق وتغير الألوان التي يلقيها على الاعتصام الأسبوعي.  وقد برز اعتصام “جك” بالتحديد وكأنه مخالفٌ للتيار الأردني والعربي الذي اعتبر أن “الإصلاح الديموقراطي والدستوري” هو أساس التغيير.  ولذلك فإن اعتصام “جك”، في موضعه المكاني والأسبوعي الثابت، بات يؤشر من تلقاء نفسه على أولوية التناقض مع الإمبريالية والصهيونية، وصار يعبر، دون أن يقصد أو يعلن، أن بطلان معاهدة وادي عربة أساس التغيير، وأن كل بوصلة لا تشير إلى القدس، أي إلى أولوية التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني، هي بوصلة مضللة أو مشبوهة أو مخترقة.

وقد أدى هذا الموقف الذي جسده اعتصام “جك”، دون أن يسعى، إلى اكتساب عداوة بعض القوى والشخصيات التي رأت في “الإصلاح الدستوري والديموقراطي” أساساً للتغيير، ورأت بالتالي أن المرحلة تقتضي تهميش التناقض مع الأعداء الخارجيين وامتداداتهم.  وقد ترافقت تلك العداوة مع حملة تشويه كنا قد تعودنا عليها من الأنظمة وأجهزتها فباتت تتولاها للأسف قوى وشخصيات “مجتمع مدني” يفترض أنها معارِضة أو تدعو للإصلاح!   وقد فوجئنا أن بعض الذين ندعوهم كل أسبوع للمشاركة في الاعتصام راحوا يعتبرون أن محاصرة اعتصام “جك” ضد السفارة الصهيونية والتشكيك بالقائمين عليه بات بنداً رئيسياً في مشروعهم لل”إصلاح” و”التغيير” الديموقراطي، وهو ما لم نكن نتمناه لهم وما لن ننجر للرد عليه بالمثل، لأن من يركز على أولوية التناقض مع الطرف الأمريكي-الصهيوني لا ينجر للمعارك الجانبية، سوى أننا نلفت النظر أن المستفيد من محاربة الاعتصام الدوري المستمر هو السفارة الصهيونية فحسب.

وبعد قيام أشاوس مصر الأبطال باقتحام السفارة الصهيونية في القاهرة، وهو الأمر الذي نفتخر به ونعتبره إنجازاً لكل أبناء الأمة العربية، لا للمصريين فحسب، وبعد قيام مجموعات شبابية بالدعوة لمسيرة موازية في عمان ضد السفارة الصهيونية بالتزامن مع اعتصام “جك” يوم الخميس الموافق في 15/9/2011، وبعد هرب ملاك السفارة الصهيونية كالفئران المذعورة من الأردن بسبب الإعلان عن تلك المسيرة، فوجئنا بتصريح السفير الصهيوني في عمان في 17/9/2011 دانيئل نيفو بأن ذلك الاحتجاج كان “استعراضاً لعضلات جماعة الإخوان المسلمين”!!

القاصي والداني يعرف أن “جماعة الكالوتي” جماعة مفتوحة وهي ليست حزباً ولا تنظيماً ولا حتى جمعية، بل تتألف من ألوان عدة، معظمها مستقل ووطني وقومي ويساري. والإسلاميون الذين شاركوا بالاعتصام الأسبوعي، والجميع مرحبٌ بهم بلا استثناء، كانوا عامةً قلة قليلة بالنسبة للمجموع، ونقول هذا مع التأكيد أننا نتشرف بمشاركة الجميع، لا بل نعاتب من لا يشارك، والعتب على قدر المحبة، ولكننا كنا نتمنى على جماعة الإخوان المسلمين أن توضح على الملأ أن مشاركتها في الاحتجاج الذي جرى يوم الخميس الموافق في 15/9/2011 لم تكن كثيفة، ولم تكن تمثل الكتلة الرئيسية من الحضور، وأنها شاركت كغيرها، وأنها لا تقبل للسفير الصهيوني أن يدق الأسافين بينها وبين بقية المشاركين، أو مع من وقفوا شهوراً طويلة عبر الشتاء والصيف على ذلك الرصيف ضد السفارة والسفير، مع تأكيدنا بدورنا، كجماعة الكالوتي، أننا كنا فقط إحدى الجماعات المشاركة في ذلك الاحتجاج، ولم نكن وحدنا القائمين عليه.

المهم، اعتصام جماعة الكالوتي سيستمر، كل أسبوع، بمن حضر، مهما قل العدد أو زاد، ومهما تغيرت الرياح الموسمية، وبغض النظر عن الحالة الجوية أو السياسية، وعن حملات التشويه بغض النظر عن الجهة التي تتعهدها..

الموضوعات المرتبطة

ماذا يريد الكيان الصهيوني في سورية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت من بين مئات الأميال المربعة الجديدة التي احتلها الكيان الصهيوني جنوبي سورية منذ 8/12/2024، يبرز عالياً جبل الشيخ، على وجه الخصوص، أو جبل حرمون بحسب اسمه الكنعاني [...]

هل كل من يناهض حكومة نتنياهو أو إحدى سياساتها مناهضٌ للصهيونية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت تحتكم سياسة الكيان الصهيوني، في علاقته مع المحيط الذي فُرِض عليه، إلى عاملين وجدانيين نقيضين، لكنْ متكاملين، لطالما حكما موقف أهل الغيتو من "الأغيار" خارجه. [...]

روسيا وإيران وغزة والخيوط الرفيعة بين الحقيقة والظلال

  إبراهيم علوش – الميادين نت في بيئة تتسم بالسيولة، وخصوصاً قابلية أجوائها للتحول سريعاً من تصاعد التوترات إلى عقد الاتفاقات، وبالعكس، كما في حالة وقف إطلاق النار في غزة مثلاً، أو [...]

هل الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لآوانه؟

      إبراهيم علوش – الميادين نت يقف الطرف الأمريكي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب [...]

متى سيتجدد العدوان الصهيو-أمريكي على إيران؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت اندلع الجدال، غربياً، بشأن حجم الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني، حتى قبل إعلان ترامب وقف إطلاق رسمياً صبيحة يوم 24/6/2025.  وتصاعد ذلك الجدال بصورة أكبر [...]
2025 الصوت العربي الحر.