ما يعنيه، وما لا يعنيه، شعار “تنحية الرئيس” في سورية اليوم…

March 11th 2013 | كتبها

 

ما برح بعض الحمقى والمشبوهين، ومن لا تدري أين يقعون بين المنزلتين، يرددون خلف ساسة حلف الناتو وحكام الخليج وأتباعهم من الإسلامويين بأن تنحي الرئيس بشار الأسد عن الحكم كفيل بإنهاء القتل والذبح والدمار الغولي في سورية.

 

ويحاول مروجو هذا الطرح أن يظهِروا ما يجري في سورية اليوم من تدمير منهجي للبشر والحجر والدولة كأنه نتاج تعنت فرد واحد وتشبثه بالحكم ورفضه لقواعد اللعبة الديموقراطية وتداول السلطة.

 

ويتجاهل هؤلاء بأن المادة الثامنة من الدستور السوري الجديد، الذي اقر قبل أكثر من عام، تنص بوضوح على ما يلي: “يقوم النظام السياسي للدولة على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطياً عبر الاقتراع”.

 

ويتجاهل هؤلاء كل الإصلاحات التي أقرت بهذا الاتجاه خلال العامين الماضيين، وبأن الرئيس بشار الأسد أعلن أنه ملتزم بإجراء انتخابات حرة نزيهة عام 2014 عندما تنتهي ولايته.

ويتجاهل هؤلاء أن المطلب الرئيسي لأعداء سورية المتحلقين في مؤتمرات “أصدقاء سورية” المتتابعة، وآخرها في روما، يتمحور حول رفض القبول بحق الرئيس بشار أو أي فرد من النخبة الحاكمة في سورية بالترشح للانتخابات الرئاسية عام 2014 أو حتى بلعب أي دور سياسي بعد الحل السياسي.

 

كما يتجاهلون بأن زبائن الفكر التكفيري ليسوا اصحاب مشروع ديموقراطي أو تعددي، ناهيك عن قدرتهم الفذة على إثارة النعرات المذهبية والتفكيكية في سورية وغيرها وإغراق البلاد بالدماء.

 

ويتجاهلون أن رعاة الفورة السورية من حكام دول مجلس التعاون الخليجي يطالبون سورية بتعددية وتداول سلطة غير متوفرين عندهم، وان سورية تتمتع بحريات ثقافية واجتماعية وفكرية يحلم بها مواطنو دول مجلس التعاون الخليجي حلماً.

 

ويتجاهلون مصالح حلف الناتو السياسية والإستراتيجية في الوطن العربي، أي مشروع الهيمنة على الأرض والثروات والأسواق والمواقع، والحلف غير المقدس بين الإسلامويين والليبراليين من جهة وأعداء الأمة العربية من جهة أخرى من سورية إلى غيرها.

فالحقيقة هي أن مطلب “تنحي الرئيس”، بعيداً عن كونه مطلباً ديموقراطياً مزعوماً، بات البؤرة التي تتجمع فيها كل تناقضات الصراعات الدائرة في وعلى سورية اليوم.

 

فهنالك أولاً الحرب الباردة المتجددة على أرض سورية بين حلف الناتو وحلفائه من جهة، والدول الصاعدة مثل روسيا والصين وإيران وفنزويلا من جهة أخرى.  وعنوان هذا الصراع هو: هل يكون العالم متعدد الاقطاب، أم محكوماً من قطب أمريكي أوحد؟

 

وهنالك ثانياً الحرب الباردة الإقليمية ما بين القطب السعودي من جهة والقطب الإيراني من جهة أخرى.  وعنوان هذا الصراع هو: من يسيطر على حوض الخليج العربي؟  الأمريكان أم القوى الصاعدة؟  وبالرغم من التحفظات الكثيرة والكبيرة على إيران وسياساتها من منظور قومي عربي، فإن أخطر ما في هذا الصراع بالنسبة لنا كأمة عربية هو استخدام البترودولار السياسي لتجييش السنة في مواجهة الشيعة مما ينذر بتدمير المنطقة برمتها في حروب أهلية لا نهاية لها.

 

وأخيراً، وليس أخراً، هناك الصراع على استقلال سورية وعروبتها، وهو الصراع الأهم، لأنه الوعاء الذي يستوعب الصراعات الأخرى.  وعنوان هذا الصراع هو: هل تبقى سورية مستقلة وعربية، أم تتفكك إلى دويلات تابعة متصارعة؟  والمفتاح الرئيسي في هذا الصراع هو تماسك الدولة السورية وجيشها وقيادتها.  فلو ضاع منا هذا المفتاح لا سمح الله، فإن النتيجة ستكون تبعية سورية وتفككها.

 

ومن المهم التأكيد أن هذا هو الصراع الأهم، لأن تماسك الدولة السورية وجيشها وقيادتها لا يحافظ على سيادة سورية واستقلالها في مواجهة الأعداء، بل في مواجهة الحلفاء أيضاً.  والحلفاء ما كانوا ليكونوا حلفاء لولا مثل هذا التماسك…

 

ولا يهم هنا إن كان المرء مع كل سياسات ومواقف القيادة السورية سابقاً أو لاحقاً.  المهم هو الإدراك بأن تلك السياسات تنبع من إرادة مستقلة، وبأن الدفاع عن سورية اليوم يعني الدفاع عمن يدافع عن سيادة سورية واستقلالها.

 

فمطلب “تنحي الرئيس” يعني أن من يتمكن من تنحية الرئيس تحت الضغط العسكري والتدخل الخارجي المباشر وغير المباشر، يتمكن من تنحية خلفه، ومن إملاء السياسات عليه، ويعني بالتالي الإمساك بسورية كجغرافيا سياسية وكبلد وسياسات.

 

ولهذا يصر لافروف بأن لا تنحية للرئيس، ويصر الإيرانيون بأن بشار سيترشح عام 2014، ونصر نحن، كقوميين جذريين مدافعين عن عروبة سورية واستقلالها بأن المطلب مرفوض من حيث المبدأ ويساوي إعلاناً للحرب.

 

فهو انتهاك للسيادة السورية.

 

وهو تعدي على حق الشعب العربي باختيار قياداته دون إملاء خارجي.

 

وهو، ببساطة، مشروع إلحاق وهيمنة.

 

وفقط على أرضية الحفاظ على سيادة سورية واستقلالها عن التبعية وقوى الهيمنة الخارجية، وفي ظل استقرار أمني من واجب الدولة أن تحفظه، ووفاق سياسي على آليات تداول السلطة، يصبح اسم الفرد الذي يحكم سورية، أو أي بلد عربي أخر، شأنا روتينياً لا مصادرة للإرادة الوطنية.  وفي الحالتين، هو أمر ليس من شأن حلف الناتو وأذنابه.

 

إبراهيم علوش

للمشاركة على الفيسبوك:

http://www.facebook.com/photo.php?fbid=624326037584635&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

الموضوعات المرتبطة

قراءة في التمرد الكبير ضد “إسرائيل” والصهيونية في قاعدة ترامب الشعبوية

  إبراهيم علوش – الميادين نت تميد الأرض تحت قدمي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جراء الانقسام المتزايد بين تيارات اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة بشأن الموقف الواجب اتخاذه من حرب [...]

المشروع الوحدوي في أمريكا اللاتينية: قوة مضادة للهيمنة الأمريكية والتوسع الترامبي

  إبراهيم حرشاوي – لائحة القومي العربي يشهد صعود القومية الأمريكية على النسق الترامبي، المبني على التوسع الاستراتيجي، والتفوق الحضاري، وإحياء مبدأ "المصير المحتوم"، إعادة تعريف لموقف [...]

أضواء على الخطة الأمريكية-الصهيونية لإعادة احتلال غزة واستعمارها

  إبراهيم علوش – الميادين نت في غزة، كما في لبنان، لم يكن وقف إطلاق النار، من الجانب الصهيوني، جدياً. أما قرار مجلس الأمن رقم 2803، المدعوم من الأنظمة العربية والمسلمة، فليس سوى غطاءٍ [...]

ما هي مؤشرات النصر الانتخابي لزهران ممداني في نيويورك؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت لعل أحد أهم إبداعات النخب الحاكمة في الأنظمة المسماة "ديموقراطية ليبرالية" هو قدرتها على تجديد مشروعيتها، واستعادة توازنها، في مواجهة أي تحولات كبرى قد تهز [...]

جوائز نوبل هذا العام سياسياً وأيديولوجياً

  إبراهيم علوش  - الميادين نت برزت، إعلامياً، 3 أسماء لدى الإعلان قبل نحو أسبوعين عن الفائزين بجائزة نوبل لعام 2025: ماريا كورينا ماشادو، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، لأنها زعيمة للحركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.