هل تلويح الولايات المتحدة باغتيال الرئيس الأسد تهويل أم تمهيد؟!

April 12th 2013 | كتبها

 

سألتني صحيفة “الوطن” السورية السؤال التالي:  تؤكد معلومات صحفية مسربة حديثاً أن الإدارة الأمريكية “تسعى لإسقاط الأسد بالقوة” عبر مخابراتها الذين “أصبحوا في قلب سوريا”..  فهل تلويح واشنطن “باغتيال” الرئيس الأسد أمرٌ جديٌ أم أنه مجرد تهويل إعلامي يندرج في سياق حرب الشائعات؟!

وكان جوابي كما يلي:

 

في الحقيقة، للولايات المتحدة باعٌ طويلٌ في ممارسة عمليات الاغتيال للقادة المناهضين للإمبريالية منذ أيام الحرب الباردة.  ولدينا هنا أمثلة كثيرة عن عمليات اغتيال الرؤساء من عملية اغتيال باتريس لومومبا عقب انقلاب عسكري عام 1961 في الكونغو برعاية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، وعملية اغتيال رئيس فيتنام الجنوبية نغو دنه دييم عقب انقلاب عسكري برعاية وكالة المخابرات المركزية الأمريكية عام 1963، ورئيس جمهورية الدومينيكان رفائيل تروخللو عام 1961، ناهيك عن ثماني محاولات مثبتة على الأقل من قبل وكالة المخابرات المركزية الأمريكية لاغتيال الزعيم الكوبي فيديل كاسترو.

ومع أن عمليات اغتيال القادة الأجانب تم منعها رسمياً في الولايات المتحدة بعد تقرير لجنة “تشيرش” المنبثقة عن مجلس الشيوخ الأمريكي عام 1975 حول تجاوزات الأجهزة الأمنية الأمريكية بعد فضيحة وترغيت، فإن مدى الالتزام بذلك المنع يبقى موضع تساؤل، لكنه شكل عائقاً قانونياً على الأقل أمام ممارسة عمليات الاغتيال بشكل مباشر، ومن هنا بدأ استبدال مفهوم الاغتيال بمفهوم أخر تم تثبيته وتبنيه بشكل رسمي بعد احداث 11 سبتمبر هو مفهوم “القتل الهادف أو الموجه” أو targeted killing باللغة الإنكليزية، الذي يجتهد علماء القانون العاملون مع الإدارة الأمريكية في إثبات اختلافه عن الاغتيال باعتباره عملاً يتم في حالة الحرب، ودفاعاً عن النفس!

لكن مفهوم “القتل الموجه” بدأ تبنيه في الثمانينات، في ظل الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان، ومن الأمثلة المشهورة عليه الغارة الموجهة ضد العقيد القذافي عام 1986 والتي أودت بحياة عدة أفراد من عائلته.  كما تم استخدام عمليات “القتل الموجه”، الذي لا يختلف عن الاغتيال إلا بالاسم أو الإخراج القانوني، على نطاق واسع من قبل “فرق الموت” التي رعتها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في أمريكا اللاتينية في الثمانينات والتسعينات.

غير أن تكتيك “القتل الموجه” أو الهادف، تم تبنيه رسمياً في خضم ما يسمى “الحرب على الإرهاب”، حيث  تم تكريس عرف عالمي يقوم على “حق” حكومة الولايات المتحدة باستهداف أعدائها الذين تتهمهم بالإرهاب أو بالتخطيط له أو إيوائه في أي مكان حول العالم، وقد تم تثبيت ذلك “الحق” في قرار تم تبنيه بعد أسبوع من أحداث 11 سبتمبر في العام 2001 من قبل مجلسي النواب والشيوخ معاً في قرار يعطي رئيس الولايات المتحدة حق استهداف أي دول أو منظمات أو أشخاص شاركوا بأي شكل بما جرى في 11 سبتمبر، ونعرف بعدها أن حكومة الولايات المتحدة قتلت مئات الأشخاص باستخدام الطائرات بدون طيار تحت هذه الذريعة.

لكن لو نظرنا لما جرى في العراق مع الرئيس صدام حسين في العام 2003، ومع العقيد معمر القذافي في ليبيا عام 2011، فإننا يمكن أن نعتبره شكلاً أخر من “القتل الموجه” الشامل القائم على مهاجمة دولة وتفكيكها واغتيال رئيسها بشكل أو بأخر.

من هنا فإن الولايات المتحدة تستند لمثل هذا السجل الحافل في توجيه تلك التهديدات، لأنها دولة قامت على ممارسة الإجرام بحق السكان الأصليين للقارة الأمريكية، وعلى استعباد الأفارقة، واستباحة أمريكا اللاتينية، ومن ثم على الحروب العدوانية حول العالم والتدخل العسكري وعمليات الاغتيال.  ولهذا لا بد من التعامل مع هذا التهديد بجدية، وأخذ الاحتياطات اللازمة، بكل البرود والحكمة والثبات الذي تتسم به القيادة السورية، مع إيصال رسالة مقابلة أن قضية سورية قضية وطن وسيادة، لا تتوقف عند فرد مهما عظم شأنه، وأن اي محاولة إجرامية بهذا الاتجاه ستجبر سورية على تفعيل حقها الوارد في ميثاق الأمم المتحدة الذي يحرم استخدام العنف من قبل دولة ضد أخرى إلا في حالة الخطر الماثل أو الدفاع عن النفس.  ومن الضروري أن تكون الرسالة مقنعة في جديتها من خلال إعداد العدة جدياً للرد على أية محاولة، ولو فشلت، عند الضرورة.  أما التنازل عن الموقف السياسي تحت وطأة التهديد بالاغتيال فأمر غير وارد على الإطلاق في عرف أي مناضل أو قائد وطني في سورية وفي غيرها.

إبراهيم علوش

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=639581616059077&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

الموضوعات المرتبطة

هل تنجح إجراءات ترامب في إبعاد الاقتصاد الأمريكي عن حافة الهاوية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت حذّر آخر تقرير لصندوق النقد الدولي من أن جولات رفع الرسوم الجمركية التي أطلق دونالد ترامب العنان لها أحدثت "صدمة سلبية كبرى" في الاقتصاد العالمي، وأن تصاعد [...]

سياسة رفع الرسوم الجمركية والردّة الجديدة على آدم سميث

  إبراهيم علوش – الميادين نت على هامش حملات رفع الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب، تهز عاصفة هوجاء أركان كليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.  فما كاد أنصار المدرسة النيوكلاسيكية [...]

قراءة في العقل السياسي لدونالد ترامب واليمين الشعبوي

  إبراهيم علوش – الميادين نت في مستهل الألفية الثالثة، راحت العولمة، كظاهرة طاغية، تفرض وجودها في كل مناحي الحياة فعلياً.  وانزلق كثيرون ممن انكبوا على تحليلها إلى اختزالها في بعدٍ أحادي، [...]

قراءة في أبعاد اللعبة الدولية من سورية إلى أوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت تداول محللون كثر، بعيد الانهيار الكبير في سورية، فكرة إجراء روسيا مقايضة بين أوكرانيا وسورية تتخلى بموجبها عن دعم الثانية في مقابل تسوية بشروطها في الأولى.  [...]

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.