المبادرة الروسية ليست تخلياً عن سورية وسلاحها

September 11th 2013 | كتبها

 

د. إبراهيم علوش

 

شبكة “الوحدة” الأردنية 11/9/2013

 

أساء بعض أنصار سورية للأسف فهم مغزى المبادرة الروسية لوضع السلاح الكيماوي السوري تحت الرقابة الدولية وصولاً للتخلص منه، وغالى البعض في التشاؤم معتبراً إياها رضوخاً روسياً وضعفاً أمام التهديدات الأمريكية ضد سورية! 

 

لكن المبادرة الروسية أبعد ما تكون عن ذلك.  فقد أفقدت العدوان زخمه وتأييده وها قد تأجل التصويت على إجازته في مجلس النواب والشيوخ الأمريكيين، وسط عويل ونحيب حكام الخليج واللوبي الصهيوني وجماعات العصابات المسلحة السورية، واللعبة الآن باتت في آنٍ معاً على شروط: 1) التراجع الأمريكي و2) التخلص من السلاح الكيماوي السوري، مع تراجع فرص العدوان على سورية دون انتهائها.

 

أي أن مسار التفاوض السياسي بات مفتوحاً، والعبرة في الشروط، وهل تميل لمصلحة روسيا وسورية، أم لمصلحة العصابات المسلحة والكيان الصهيوني والولايات المتحدة؟  وهو ما سيحدده ميزان القوى على الأرض، وهو لا يميل سورياً لمصلحة العصابات المسلحة، ولا يميل دولياً لمصلحة الولايات المتحدة كما كان في زمن نزع سلاح العراق وليبيا. 

 

من الواضح أن محاولة فرنسا بتحويل المبادرة الروسية في مجلس الأمن إلى قرار دولي يتيح التفتيش غير المشروط بموجب الفصل السابع قد فشلت قبل أن تنطلق.  وهذا مؤشر بحد ذاته بأننا لسنا في العام 1991 أو 2003، بل في العام 2013، أي أن القرار الدولي لن يكون نسخة طبق الأصل لقرارات مجلس الأمن القومي الأمريكي.

 

وهذا مهم جداً، ففي العام 1991 ترك السوفييت العراق تحت رحمة الأمم المتحدة الأمريكية، ولم يتمكنوا أبداً من استعادة السيطرة على الموقف، فراح المفتشون يعيثون فساداً في العراق بلا حسيب أو رقيب مدعين دوماً أن العراق لا يتجاوب ولا يتيح الوصول لكذا أو كذا… وكانت ليبيا في العام 2011 نهاية المطاف بالنسبة للروس بعد العراق ويوغوسلافيا، لكن اليوم إذا قالت الولايات المتحدة أن سورية لا تتجاوب ولا تتيح الخ… فإن ثمة من يتحدى تلك الرواية ويدحضها ويقف بالمرصاد لمحاولة تحويلها إلى ذريعة للعدوان على سورية.

 

هي بداية حقيقية لعالم متعدد الاقطاب في الواقع. 

 

نعم ثمة تنازلات سوف تقدم لخلق مثل هذا الحيز السياسي الذي لا يجب العدوان فحسب، بل يجب زمن القطب الواحد أيضاً، لكنه ثمن لا بد من دفعه لحماية الدولة والجيش والشعب السوري، ولو كان الكيان الصهيوني وأذنابه سيدفعون ثمناً مماثلاً أو أكبر قليلاً.  والحفاظ على الدولة السورية وعلى الجيش السوري، ولو بلا سلاح كيماوي، أفضل من تحولهما إلى حركة مقاومة في سورية محتلة كما حدث في العراق. 

 

ولننتبه أن السلاح الكيماوي السوري لن يسلم هكذا، وقد نقلت وسائل الإعلام تصريح بوتين بأن المبادرة الروسية لا يمكن تنفيذها قبل أن تتخلى الولايات المتحدة عن توجيه ضربة لسورية، وهذا مهم جداً، لأنه يعني تماسك روسي كما يعني انسحاباً عسكرياً أمريكياً، وتفاوضاً متكافئ نوعاً ما، لكن ما لم تنقله وسائل الإعلام هو الأهم، وهو موجود على الموقع الرئاسي الروسي على الإنترنت الذي يقول فيه بوتين في بداية التصريح نفسه أن سورية امتلكت سلاحاً كيماوياً لموازنة السلاح النووي “الإسرائيلي”، أي أنه وضع اسلحة الدمار الشامل الصهيونية على الطاولة. 

 

لم يقل بوتين أن على الكيان الصهيوني التخلي عنها طبعاً، لكن روسيا لم تطرح مبادرتها للتخلي عن سورية، بل على العكس، للحفاظ على سورية..  وفي ظل غطاء روسي من هذا النوع، يصبح نزع السلاح الكيماوي السوري أقل خطورة.  فقد تغيرت قواعد اللعبة الدولية والإقليمية.

 

للمشاركة على الفيسبوك:

 

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=721167154567189&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=1

 

 

الموضوعات المرتبطة

قراءة في التمرد الكبير ضد “إسرائيل” والصهيونية في قاعدة ترامب الشعبوية

  إبراهيم علوش – الميادين نت تميد الأرض تحت قدمي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جراء الانقسام المتزايد بين تيارات اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة بشأن الموقف الواجب اتخاذه من حرب [...]

المشروع الوحدوي في أمريكا اللاتينية: قوة مضادة للهيمنة الأمريكية والتوسع الترامبي

  إبراهيم حرشاوي – لائحة القومي العربي يشهد صعود القومية الأمريكية على النسق الترامبي، المبني على التوسع الاستراتيجي، والتفوق الحضاري، وإحياء مبدأ "المصير المحتوم"، إعادة تعريف لموقف [...]

أضواء على الخطة الأمريكية-الصهيونية لإعادة احتلال غزة واستعمارها

  إبراهيم علوش – الميادين نت في غزة، كما في لبنان، لم يكن وقف إطلاق النار، من الجانب الصهيوني، جدياً. أما قرار مجلس الأمن رقم 2803، المدعوم من الأنظمة العربية والمسلمة، فليس سوى غطاءٍ [...]

ما هي مؤشرات النصر الانتخابي لزهران ممداني في نيويورك؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت لعل أحد أهم إبداعات النخب الحاكمة في الأنظمة المسماة "ديموقراطية ليبرالية" هو قدرتها على تجديد مشروعيتها، واستعادة توازنها، في مواجهة أي تحولات كبرى قد تهز [...]

جوائز نوبل هذا العام سياسياً وأيديولوجياً

  إبراهيم علوش  - الميادين نت برزت، إعلامياً، 3 أسماء لدى الإعلان قبل نحو أسبوعين عن الفائزين بجائزة نوبل لعام 2025: ماريا كورينا ماشادو، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، لأنها زعيمة للحركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.