هامش الرد على العدوان السعودي على اليمن

May 6th 2015 | كتبها

لم تنجح “عاصفة الحزم” حتى الآن في شل حركة الحوثيين والجيش اليمني أو منعهم من بسط سيطرتهم على عتق عاصمة محافظة شبوة، أو من التغلغل في خور مكسر في عدن، أو المنشآت النفطية في الحديدة وغيرها. فالعاصفة المزعومة ربما تكون قد أربكت خطوط إمدادهم جزئياً ودفعتهم لتغيير بعض خططهم، وربما تكون قد شجعت العناصر الانفصالية على اللعب بالسلاح، لكنها لم تستطع قلب موازين القوى على الأرض بشكل جذري أو حاسم، ولن تستطيع قلبها ما دامت تفتقد لعنصر الهجوم البري الذي امتنعت مصر وباكستان وتركيا عن التورط فيه، والذي لا تستطيع ولا تجرؤ قوات آل سعود على أن تحمل درعه.

أما ما نجحت “عاصفة الحزم” في القيام به فعلاً فهو: 1) قتل اليمنيين وتشريدهم والشروع بتدمير اليمن وبناه التحتية ومدنه ومدارسه ومستشفياته ومؤسساته الحكومية، 2) إيجاد حيز أوسع لتمدد “القاعدة” و”داعش” في اليمن، بخاصة بعد فيديو “داعش” قبل أيام الذي يوثق جريمة تصفية 15 جندياً يمنياً، منهم أربعة بقطع الرأس، في شبوة، والفيديو الداعشي الذي سبقه بأيام الذي يوجه تهديداً مباشراً للحوثيين (“جئناكم بالذبح”!)، و3) دفع القوى اليمنية المناهضة للحوثيين والجيش اليمني للارتماء بأحضان آل سعود ورفع سقف توقعاتها بشكل لا عقلاني يعطل إمكانية حل الأزمة اليمنية سياسياً في المدى المنظور.

نجحت “عاصفة الحزم” أيضاً في دفع الكثير من المواطنين اليمنيين والعرب الذين كانوا قد امتعضوا من سيطرة الحوثيين على صنعاء وغيرها للتعاطف معهم، أو لإعطاء الأولوية لإدانة العدوان السعودي الغاشم على اليمن على الأقل، وقد تجلى ذلك مثلاً بمواقف مناهضة للعدوان السعودي برزت بوضوح عبر الإعلام المصري، كما تجلى عبر صفحات الكثير من المواطنين اليمنيين على فيسبوك وغيره، ولعل مشهد أكبر ترسانة للأسلحة الغربية في المنطقة، وهي تلقي بأحمالها الجهنمية على اليمن العربي وشعبه ومدنه، لا يمكن إلا أن يثير حنق أي مواطن عربي شريف، بخاصة عندما تكون “الأضرار الجانبية” للعدوان ذات ابعاد كارثية إنسانية لا تتناسب مع أهدافه السياسية القاصرة … إلا إذا كان الهدف الفعلي تدمير اليمن نفسه، واخضاعه وتفكيكه، وهو ما يبدو أنه الهدف الحقيقي للعدوان، بعد أكثر من 2500 غارة على اليمن المعذب.

الأمر غير المفهوم حتى الآن هو غياب أي رد منهجي مباشر من قبل الحوثيين والجيش اليمني على العدوان السعودي، باستثناء ما تناقلته بعض المواقع الإخبارية عن اقتحام لقاعدة الخميس الجوية في 12 نيسان 2015، والاشتباكات الحدودية في منطقة نجران في نهاية الشهر الفائت التي قُتل فيها أربعة جنود سعوديين، وما رشح عن اشتباكات في منطقة جازان ونجران ليلة 4 أيار 2015 بين مقاتلين قبليين يمنيين والجيش السعودي.

وكان السيد عبد الملك الحوثي قد أكد في كلمة متلفزة له يوم 19 نيسان 2015 على حق الشعب اليمني بـ”مقاومة العدوان بكل الوسائل المتاحة”، ثم جاء الإعلان السعودي بوقف العدوان على اليمن بعد ذلك الخطاب بيومين فحسب!

رحب البيت الأبيض في واشنطن فوراً بإعلان وقف الضربات الجوية السعودية لليمن ودعا للحل السياسي، مما يعكس اختلاف سلم الأولويات بين أجندة التفاهم مع إيران واحتواء التمدد التكفيري عند إدارة أوباما والأجندة الطائفية الحربجية للتكتل السعودي-القطري-التركي، من دون التقليل، في ظلال القنابل العنقودية الأمريكية الملقاة على اليمن، من مساحات التقاطع بين الطرفين، فالولايات المتحدة، في النهاية، هي الحاضنة الدولية لتلك الرجعيات الإقليمية التي ترى نفسها مهددة مما تعتبره سياسات رخوة عند إدارة أوباما في الإقليم في سياق تركيزها على محاربة صعود روسيا والصين كونياً. فالإدارة الأمريكية اليوم تلعب مثلاً لعبة الرخي مع كوبا والشد مع فنزويلا، لتفكيك التحالف الأمريكي-اللاتيني المناهض لها، كما تلعب لعبة الرخي مع إيران والشد مع روسيا، التي تستهدف أيضاً تعزيز وضع المعتدلين الإيرانيين على حساب المحافظين، ومحاولة تحييد إيران ودفعها للتفاهم بما يتجاوز النووي على المعادلة التالية: أغلب العراق مقابل سورية واليمن، وهو ما يرفضه المحافظون في إيران، مما يدفع الولايات المتحدة لتسهيل الضغط الميداني في اليمن وسورية، مع محاولة التفاهم مع إيران على ضرب “داعش” في العراق.

السعودية وقطر وتركيا في حالة انفلات في سورية، لكنه يبقى إلى الآن انفلاتاً تحت عناوين تبدو ظاهرياً عناوينَ محليةً سوريةً مثل “جيش الفتح”، لا عبر ضربات مباشرة، على رغم التلويح بها، أما الانفلات السعودي-الخليجي في اليمن فيأخذ شكلاً مباشراً، ولهذا فإن لليمن حقَ الرد عليه بشكل مباشر، بخاصة أن التكتل السعودي-القطري-التركي غير معني بالتفاهم أو بتسوية سياسية، بل بمشروع طائفي دموي متخلف، ولهذا لم يتوقف العدوان السعودي على اليمن بعد إعلان وقفه، بل اتخذ اشكالاً جديدة، فالسعودية لا تريد حلاً سياسياً في اليمن، بل تريد أن تستعبده. ومن هنا أيضاً دفع النواب الجمهوريين (الأكثر انسجاماً مع سياسات آل سعود في الإقليم) في لجنة القوات المسلحة الأمريكية باتجاه تسليح السنة والأكراد مباشرة، الأمر الذي يعني موضوعياً تفكيك العراق.

العبرة أن ثمة هامش للرد على العدوان السعودي المباشر على اليمن، وثمة ضرورة للرد عليه، لأنه لن يتوقف من تلقاء نفسه ما دام بلا تكلفة محلية. وثمة ضرورة أن يكون مثل ذلك الرد يمنياً وعربياً صرفاً، لا إيرانياً مباشراً، لكي لا يتضخم إلى حرب إقليمية كبرى بين السعودية وإيران، ولكي لا يفقد الحوثيون والجيش اليمني أفضليتهم المعنوية في الصراع. كذلك ثمة إمكانية لرد يأخذ مثلاً شكل قصف صاروخي أو عمليات اقتحام وانسحاب، أو لأي رد آخر يراه اليمنيون مناسباً، لكن لا بد من رد ما، قبل أن تُدمر البقية الباقية من اليمن… وسورية.

إبراهيم علوش

البناء 6 أيار 2015

للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1101680139849220&id=100000217333066&pnref=story

الموضوعات المرتبطة

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]

مسألة هوية “سوريا الجديدة”: برميل بارود برسم الانفجار

  إبراهيم علوش – الميادين نت يبدو أن هناك تواطؤاً سورياً عاماً، من جراء إرهاق الحصار ربما، ووطأة سنوات القتال، على تمرير "المرحلة الانتقالية"، ريثما تتضح معالم ما يسميه البعض "سوريا [...]
2025 الصوت العربي الحر.