مأساة اللجوء السوري

August 5th 2015 | كتبها

مأساة اللجوء السوري

بعد احتلال العراق عام 2003، استقبلت سورية حوالي مليوني مواطن عراقي، ولم تنشأ مخيمات للاجئين العراقيين في سورية.

وفي خضم العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006، استقبلت سورية أكثر من نصف مليون لبناني ضيوفاً في المنازل والمؤسسات، ولم تنشأ مخيمات للاجئين اللبنانيين في سورية.

قبل هذا وذاك، استقبلت سورية مئات آلاف الفلسطينيين، وعاملتهم معاملة المواطن السوري وأحسن، حتى تحولت بعض المخيمات الفلسطينية إلى ضواحي مدنية تسكنها الطبقة الوسطى، ناهيك عن استقبال الفلسطينيين المسحوبة جنسياتهم بعد حرب أيلول عام 70 في الأردن، وقد بلغوا مع عائلاتهم عشرات الآلاف. وإن كانت هناك مظلمة تعرض لها فلسطيني هنا أو هناك، فإنها لم تصبه لكونه فلسطينياً، بل ربما تكون قد أصابت مواطنين سوريين من قبله وبعده، وهي قصة مختلفة تماماً.

كذلك ربما لا يعرف كثيرون أن سورية استقبلت عشرات آلاف اللاجئين السياسيين العرب وعائلاتهم، ولم تكن تضع قيوداً على إقامة المواطنين العرب فيها، باستثناء تبليغ أقرب مخفر بمكان الإقامة بعد مضي عشرة أيام. فسورية، قلب العروبة النابض، بحسب الزعيم جمال عبد الناصر، اكتسبت تلك الصفة بسلوكها وحفاوتها بالعرب ومشاطرتهم لقمة العيش، ولم تعلقها على صدرها شعاراً من الإنشاء الفارغ.

أوليس من حق المواطن السوري، بعد هذا، أن يعتب على طريقة تعامل بعض البلدان العربية القريبة والبعيدة مع اللاجئين السوريين؟ بلى، من حقه أن يعتب، وقد خجل بعضنا، نحن أنصار سورية، عندما رأينا طريقة تعامل بعض الموظفين في المرافئ الحدودية مع مواطنين سوريين، رغم إدراكنا الكامل أن الدول العربية الصغيرة، التي يعاني مواطنها شظف العيش أصلاً، وتعاني موازناتها الحكومية من العجوزات الكبيرة، لا تستطيع وحدها أن تقوم بواجب موجات كبيرة من اللاجئين بشكلٍ ملائم، لكن حق المواطن السوري في أن يعامل معاملة لائقة على المرفأ الحدودي العربي مسألة مختلفة تماماً ولا تتطلب الكثير من الموارد، ولو تطلبت شيئاً من النخوة والأخلاق، يفترض أنها بالأساس أخلاقنا العربية الأصيلة.

يجب أن يتذكر اللاجئ الخارج من سورية، بالمقابل، أن هناك من خدعه عندما أوهمه أعداء سورية بأن أنهار السمن والعسل بانتظاره في اللحظة التي يعبر فيها الحدود، وأن النظام على وشك أن يسقط في أسابيع يمكن أن يقضيها مرفهاً في الخارج! وثمة دول نفطية خليجية عملت منذ بداية الأزمة على تشجيع الهجرة إلى خارج سورية لخلق تجمعات من اللجوء السوري يمكن توظيفها في إحراج سورية سياسياً وفي خلق بيئات آسنة تصلح لاستقطاب المرتزقة ضد بلادهم. والفلسطينيون، كشعب خَبِرَ جيداً معاناة اللجوء، لم يعد يدفعهم القصف والتنكيل الصهيونيين للنزوح الجماعي من أرض آبائهم وأجدادهم، لأن الإنسان خارج أرضه، مهما قست عليه، ربما يحصل على بعض الأمان، لكن أنى له أن يحصل على الكرامة؟! وهو الدرس الذي بدأ يدركه اللاجئ السوري الآن.

لنلاحظ أيضاً أن سبب اللجوء هو إرهاب العصابات المسلحة الممولة والمدعومة من تحالف البترودولار والإسلام السياسي وحلف الناتو، وهو ما خلق الأزمة التي وجدت الدولة السورية نفسها مضطرة لمعالجتها. ويُذكر هنا أن اللجوء الداخلي في سورية يتم عامةً من المناطق التي تسيطر عليها العصابات المسلحة إلى المناطق التي تسيطر عليها الدولة، وليس العكس، وأن ملايين السوريين تركوا مناطق العصابات المسلحة ليعيشوا في ظل الدولة، حيث توجد الأغلبية الساحقة للسوريين حتى الآن، رغم كل شيء.

ثمة تجارة لجوء اليوم تتكسب منها أطراف إقليمية وسورية مناهضة للدولة على حساب المواطن السوري. وهذه التجارة جزءٌ من مخطط تفريغ سورية وتفكيكها. بالمقابل نلاحظ أن الدولة السورية تقوم بدفع رواتب الموظفين وتعمل ما استطاعت على تأمين خدمات البنية التحتية حتى في المناطق التي تسيطر عليها العصابات المسلحة، وهو ما يشكل عاملاً مساعداً في بقاء المواطن السوري حيث هو. وبغض النظر عن أية أخطاء أو نقائص لا بد لها أن تظهر في طريقة التعامل مع اللجوء الداخلي في ظل أزمة كبرى كالأزمة السورية، فإن الحقيقة تبقى أن الدولة السورية تعمل، بما تملكه من موارد، على تثبيت المواطن السوري في سورية، وأن الدول والأطراف الراعية للإرهاب هي المتسبب الحقيقي بموجات اللجوء السوري، وأنها لا تتحمل، إلى الآن، حتى جزءاً يسيراً من عبء تأمين حاجات اللاجئين السوريين خارج وطنهم. وأن هناك من دعا السوريين لمغادرة سورية، ثم تركوهم لتنهشهم اسماك القرش في المتوسط.

الأهم أن المواطن السوري يجب أن يدرك أن أخاه المواطن العربي ليس مسؤولاً عن مأساته أو لجوئه أو الإرهاب الذي يصيبه، إنما الأنظمة النفطية البترودولارية، وتركيا، والأنظمة العربية المرتبطة بحلف الناتو، والكيان الصهيوني طبعاً. فاللجوء السوري هو نتاج الأزمة السورية، أي نتاج سياسات إقليمية ودولية معادية، ولذلك فإن حل تلك المشكلة، وإيقاف نزيف اللجوء، الداخلي والخارجي، يبدأ بنزع فتيل تلك الأزمة المتمثل بتدخل حكام السعودية وقطر وتركيا والأردن ودول الناتو في سورية.

إبراهيم علوش

البناء 5/8/2015

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1157947967555770&id=100000217333066&pnref=story

الموضوعات المرتبطة

جوائز نوبل هذا العام سياسياً وأيديولوجياً

  إبراهيم علوش  - الميادين نت برزت، إعلامياً، 3 أسماء لدى الإعلان قبل نحو أسبوعين عن الفائزين بجائزة نوبل لعام 2025: ماريا كورينا ماشادو، الفائزة بجائزة نوبل للسلام، لأنها زعيمة للحركة [...]

“الهوية اليهودية”: قومية أم دينية؟  

إبراهيم علوش – الميادين نت تاريخياً، نحا الخطاب المقاوم في فلسطين باتجاه تصنيف اليهود أتباعاً لديانة سماوية فحسب، لا مشكلة معهم جوهرياً بصفتهم تلك، وباتجاه تركيز بوصلة التناقض الرئيس نحو [...]

اليهودية، الصهيونية، ومسألة “إسرائيل الكبرى” عقائدياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت تقبع، بين جولات الصراع مع العدو الصهيوني، مسألة جوهرية، يتحرج كثيرون من الخوض فيها، على الرغم من أنها تمثل رافعة أيديولوجية لزعزعة استقرار المنطقة من المنظور [...]

“إسرائيل الكبرى” بين الجغرافيا السياسية والأيديولوجيا

  إبراهيم علوش ربما تبدو مقولة "إسرائيل الكبرى" شطحة أيديولوجية تعتنقها قوى وشخصيات متطرفة تتموضع في أقصى يمين الحركة الصهيونية، وربما تبدو تلك المقولة نبتاً شيطانياً يرعاه أمثال "الحزب [...]

المنظومة الليبرالية في الغرب في مواجهة “أزمة غزة” داخلياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان مهماً جداً الربط الذي أقامه المناضل جورج إبراهيم عبدالله، في حواره الخاص مع قناة الميادين في 3/8/2025، بين ظاهرة تصاعد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، [...]
2025 الصوت العربي الحر.