January 30th 2021 | كتبها
admin

المؤشرات الأولية حول تحولات سياسة إدارة الرئيس الأمريكي بايدن في منطقتنا بعيداً عن النهج الذي تبناه دونالد ترامب تتضمن، فيما تتضمنه، الإيحاء بالرغبة بـ:
-
العودة للاتفاق النووي مع إيران،
-
سحب الدعم الأمريكي للعدوان على اليمن،
-
وقف الانسحاب الأمريكي من العراق وسورية (وأفغانستان)،
-
التراجع عن اعتراف إدارة ترامب بملكية المغرب لصحرائه،
-
الاستمرار بمحاولة زعزعة استقرار حواضن المقاومة في لبنان اقتصادياً وسياسياً وأمنياً،
-
إعادة رسم خريطة التحالفات الأمريكية في المنطقة، بوضع مسافة أكبر مع المحور السعودي-الإماراتي لمصلحة منافسيه العرب والأتراك،
-
تثبيت الموجة الثانية من التطبيع الرسمي العربي مع العدو وتعزيزها والبناء عليها، مع رمي عظمة “الدويلة” الفلسطينية مجدداً للاهثين والمطبعين.
إذا ثبتت مثل هذه التوجهات الأولية لدى إدارة بايدن، وهي توجهات الدولة العميقة في الولايات المتحدة بالمحصلة، وثمة قوى شد عكسي داخل النظام الأمريكي طبعاً لا توافق عليها، فإن الحصيلة تعني محاولة التفاهم مع إيران مع تشديد الحصار على سورية ومحاولة زعزعة حواضن المقاومة في لبنان وتحالفاتها.
ما من شكٍ في أن الإدارة الأمريكية ستحاول مجدداً وضع الملفات الإقليمية على الطاولة في أي مسعى للتفاهم مع إيران، وأنها ستطرح “صفقة اليمن مقابل سورية”، وبرأيي المتواضع أن إيران أعلنت وستتمسك برفضها التحدث عن أي ملف خارج نطاق النووي، ومنه موضوع الصواريخ وغيرها، فضلاً عن كونها تعرف جيداً أن سورية تعني لبنان، أما الانسحاب من العراق فقد بات مؤجلاً أمريكياً إلى ما بعد حسم ملف سورية، ليبقى العراق أداة ضغط وساحة صراع وعنصر تفجير محلي وإقليمي.
تفاقم ظاهرة الإرهاب، ومنها إعادة تظهير “د‘ا*ع-ش” في الميدان السوري، وتشديد الحصار الاقتصادي، والاستمرار بالضربات “الإسرائيلية”، مباشرةً أو عبر العملاء في الجنوب السوري، وتزايد عربدة الميليشيات التابعة للمحتل الأمريكي والتركي، كما نرى في الحسكة وغيرها، من المتوقع كله أن يتصاعد وصولاً للانتخابات الرئاسية في سورية، والرهان الأمريكي هنا هو على:
-
زعزعة الحاضنة الشعبية للدولة السورية،
-
إبقاء العراق عمقاً استراتيجياً للاحتلال الأمريكي في سورية.
المفصل المركزي الثالث في المعادلة الإقليمية هو إيران طبعاً، ولكن الرهان الأمريكي على دفع إيران للتخلي عن سورية والمقاومة في لبنان مقابل رفع الحصار عنها ووقف العدوان على اليمن هو رهان تافه برأيي المتواضع وينطلق من عقل نفعي براغماتي أمريكي نموذجي يظن أن الإنسان يحيا بالخبز وحده، وليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.
المفصل المركزي الثاني هو العراق، فمن دون القواعد العسكرية الأمريكية في العراق، لا يستطيع الأمريكان الاستمرار في سورية، في شرق الفرات تحديداً، ولا يستطيعون الاستمرار بحرمان سورية من نفطها وغازها وقمحها وقطنها ومائها، والانسحاب الأمريكي من العراق يعني رفع اليد عن شرق الفرات، ولذلك فإن مضي العراقيين قدماً بقرارهم إجلاء المحتل الأمريكي عن العراق بات الآن مثالاً نموذجياً على ترابط أجزاء بلادنا من المنظور الجغرافي-السياسي، وهو يُظهِر أن تحرير العراق وتحرير سورية وحل أزمة لبنان السياسية والمعيشية كلها حلقات مترابطة.
لا مفر إذن من تصعيد المقاومة العراقية رداً على قرار إدارة بايدن البقاء في العراق، وهذا بات شرطاً إقليمياً للتحرر، لا شرطاً عراقياً فحسب. ومن البديهي أن ذلك ينسحب على القواعد الأمريكية في شمال العراق، إذ أن بقاءها هناك هو تكريسٌ لتقسيم العراق أولاً ولبقاء الاحتلال في شرق الفرات، أي لتقسيم سورية، ثانياً. والاحتلال الأمريكي يجب أن يخرج من كل العراق بطريقةٍ أو بأخرى، ابتداءً من شماله.
أما المفصل المركزي الأول في رفع الحصار عن سورية فهو موقف عامة السوريين من الحصار والإرهاب الاقتصادي وغير الاقتصادي وطريقة تعاملهم معه. فعلى الرغم من أن الغرب ودوله رفضوا الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية عام 2014، فإنهم يعرفون جيداً أن خروج الملايين للتصويت ومشاركتهم المكثفة في المسيرات المؤيدة للدولة هو أكبر مصدر دستوري لمشروعية تلك الانتخابات، ولأن الشعب هو مصدر السلطات، فإن كل ما يجري من تضييق للحصار وتصعيد للإرهاب هو محاولة أمريكية-صه*يو-نية لدفع الشعب السوري للتخلي عن بلده تحت وطأة الجوع والفقر والمعاناة والحصار، وهذه ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الأمريكيون لمثل تلك الأساليب القذرة عبر القارات الخمس.
صناع السياسة الأمريكيون براغماتيون يحسبون الأمور بعقلية باردة، فإن وجدوا أن السوريين لم يتأثروا سياسياً ولم يخضعوا للابتزاز الأمريكي، وأنهم عادوا للمشاركات المليونية بالاستحقاقات الدستورية، فإن ذلك سيرسل رسالةً واضحةً لصاحب مشروع الهيمنة الأمريكي أن تصعيد الحصار والإرهاب فاشلٌ وأن عليه أن يبحث عن غيره. لذلك فإن المفصل المركزي الأول لرفع الحصار عن سورية هو المشاركة الجماهيرية الواسعة بالانتخابات الرئاسية، وذلك هو الطريق الأقصر لرفع الحصار، للجادين برفعه، ولإفشال جدواه السياسية.
إبراهيم علوش
هذا الموضوع كتب بتاريخ Saturday, January 30th, 2021 الساعة 10:31 pm في تصنيف
مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال
RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك
اضافة رد, او
تعقيب من موقعك.