معاناة المسافرين الغزيين على معبر رفح: لا لإغلاقات الحدود بين العرب

August 26th 2021 | كتبها

 

ترشح قصص معاناة مطولة لا تصدق عن المسافرين المارين عبر معبر رفح بين قطاع غزة ومصر، المعبر الوحيد لقطاع غزة على العالم.  وإذا كانت وسائل الإعلام التركية والإخوانية تتاجر بمثل تلك القصص وتوظفها سياسياً بشكلٍ موجه، فإن الحقيقة تبقى أن الكثير من تلك القصص المؤسفة تأتي من مواطنين غزيين عاديين، بعضهم غير مسيس، وبعضهم لا يصطف مع حمـ.ا س سياسياً.  فلو افترضنا جدلاً أن 50%، أو حتى 70%، من تلك القصص عبارة عن مبالغات، فإن ما يتبقى يكفي لكي يتوقف المرء مطولاً أمام معنى تعريض المسافر الغزي لمثل هذه المعاناة فوق الحصار الذي يتعرض له قطاع غزة.

 

نفهم أن غزة هي خاصرة مصر، وأن وجود قاعدة إخوانية فيها يعد خطراً محتملاً على الدولة في مصر، ولا نجادل أبداً في حق مصر وواجبها في الدفاع عن أمنها في مواجهة الإرهاب، لا بل يتوجب على كل مواطن عربي شريف أن يدعم من يواجهون الإرهاب التكفيري في كل قطر عربي، وكل الدعم للجيش المصري وكل الجيوش والقوى الأمنية العربية التي تواجه الإرهاب.  وهذا هو “الاختيار” الوحيد بالنسبة لنا.

 

توجب تكرار هذه النقطة، على الرغم من التأكيد عليها مراراً خلال السنوات الفائتة، لكيلا توظف هذه السطور في غير موضعها، إنما يتوجب التنويه أيضاً إلى أن تعذيب المسافرين الغزيين عبر معبر رفح لا يضر بحمـ.ا س، فها هي قياداتها تسافر ضمن ترتيبات خاصة، ونراها في قطر أكثر مما نراها في غزة، ومن يعاني هو المواطن العادي الذي تدفعه مثل هذه الإجراءات والتعقيدات والتجاوزات في بعض الأحيان إلى اتخاذ موقف من الدولة المصرية، مما يصب في مصلحة الإخوان وتركيا وأعداء الدولة المصرية.  كما أنه يصبح مادة إعلامية لتشويه مصر والإساءة إليها خارج غزة ضمن سياق “كلامٌ بعضه حق يراد به باطل”.  فلماذا توضع مصر في مثل هذا الموقف؟!  والكلام من منطلق الحرص لا التهجم.

 

النقطة الأخرى هي أن إغلاق المعبر، كما يحدث تكراراً، يمثل خنقاً للمواطن الغزي، وضغطاً سياسياً على غزة للدخول في تفاهمات سياسية مع الاحتلال لتمرير ما تحتاجه عبر معبر كرم أبو سالم المسيطر عليه “إسرائيلياً”، وهو ما يقدم ذريعة لدعاة التفاهم مع العدو الصهـ.يو ني بأن “العرب يحاصروننا، وبالتالي لا خيار لنا إلا التفاهم مع الاحتلال!”، وهو معنى شعار “يا وحدنا” الذي طرحه ياسر عرفات من قبل ودعاة التسوية مع العدو.

 

قبل أيام تم إغلاق معبر رفح مباشرة بعد المسيرات الشعبية شرق قطاع غزة، وتحديداً بعد عملية إطلاق النار على القناص “الإسرائيلي” الذي نال من العشرات من شبابنا قبل أن ينالها من مسافة صفر!  ولم يقدم الجانب المصري تفسيراً لإغلاق المعبر، إنما تسلسل الأحداث يوحي بشكلٍ جليٍ أن الإغلاق جاء عقاباً على التصعيد في غزة ضد الاحتلال (لا ضد مصر)، في الوقت الذي لم يلتزم فيه الاحتلال بشروط التهدئة بعد معركة “سيف القدس”، وبالتالي فإن الإغلاق لا يصبح مفهوماً هنا على الإطلاق إلا كدعمٍ للعدو الصهـ.يو ني، وهو ليس ما نتوقعه من مصر الكبيرة والعظيمة التي يفترض بها أن تفصل ما بين الموقف من حمـ.ا س والإخوان من جهة، والموقف من غزة وأهلها وكل الأشقاء العرب من جهةٍ  أخرى، فمصر التي نعرفها تستوعبهم جميعاً في قلبها.

 

من ناحية مبدئية، كل إغلاق للحدود بين قطرين عربيين يدفع ثمنه المواطن العربي أكثر من النظام السياسي الحاكم.  ولذلك فإن فتح الحدود لمرور المواطنين والسلع والاستثمار والسياحة والتزاور، مع حق كل قطر بأخذ الاحتياطيات الأمنية التي تناسبه، يفترض أن يكون القاعدة العامة بين الأقطار العربية، كما أن من الطبيعي أن يكون إغلاق الحدود أو التضييق الشديد عليها مستهجناً لأنه غير طبيعي، لا سيما بين أجزاء وطن عربي تمت تجزئته بشكل مصطنع ولم يكن مقسماً عبر تاريخه. 

 

الكلام ليس عن غزة ومصر فحسب بالطبع، بل عن الجزائر والمغرب، وحتى عن الحصار الخليجي المضروب على قطر، وعن العذاب المر الذي يتعرض له حامل الوثيقة الفلسطينية على الحدود العربية… أو الجواز السوري إلخ… ومرة أخرى، هذا لا علاقة له بالأنظمة الحاكمة من قريب أو بعيد.  وتكفي مراجعة سريعة لكي يرى القارئ الكريم موقفنا الثابت من النظام المغربي أو القطري أو السلطة الفلسطينية أو الإخوان.

 

فالحق يجب أن يقال: إغلاق معبر رفح جريمة، وكذلك كل إغلاق للحدود بين الأقطار العربية.  ومن وجهة نظر قومية عروبية، فإن الدعوة لفتح الحدود بين الأقطار العربية هي الحد السياسي الأدنى في زماننا الرديء هذا.

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=5055514287799099&id=100000217333066

الموضوعات المرتبطة

تفكيك الهوية والجغرافيا في مصطلح “الشرق الأوسط” ومشتقاته

  إبراهيم علوش – الأسبوع الأدبي* نشأت مصطلحات الشرق الأدنى، والأوسط، والأقصى، في مطابخ الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر في سياق الصراع الدولي آنذاك بين الإمبراطورية البريطانية [...]

استمرار الحرب يُدخِل الاقتصاد “الإسرائيلي” في دورة تآكل

    إبراهيم علوش – الميادين نت من انخفاضٍ معدلات نمو الاقتصاد، وارتفاعٍ العجز الحكومي والدين العام وتكاليف الحرب ذاتها، إلى شلل الشمال و"إيلات" اقتصادياً، إلى إفلاس آلاف الشركات [...]

تناقض ترامب مع مشروع العولمة هو ما دفع الدولة العميقة إلى السعي لتصفيته

الشأن الاقتصادي في ميزان الانتخابات الأمريكية المقبلة    إبراهيم علوش – الميادين نت 12/7/2024 تقول استطلاعات الرأي إن المسائل الاقتصادية تتبوأ مراتب أعلى في سلم اهتمامات الناخب العادي [...]

قراءة في خلفيات الانتخابات الأمريكية المقبلة وآلياتها

  إبراهيم علوش – الميادين نت يمثل تاريخ الـ 5 من تشرين الثاني / نوفمبر المقبل لحظةً مفصليةً للتيارات المتصارعة في إطار النظام السياسي الأمريكي، فهو التاريخ الذي يجري فيه انتخاب رئيس [...]

هل ستشتعل جبهة لبنان، وكم سينخرط الأمريكي فيها؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت     أكدت الإدارة الأمريكية، مجدداً، لوفدٍ زائرٍ من كبار مسؤولي الكيان الصهيوني، بأنها مستعدة بالكامل لدعم حليفتها في حال اندلاع حرب شاملة على الجبهة [...]
2024 الصوت العربي الحر.