انتخابات الدوما ونقمة الناخب الروسي

December 11th 2011 | كتبها

د. إبراهيم علوش

 

العرب اليوم 11/12/2011

 

(ملاحظة: اعتمدت إلى حد كبير على رسائل صديق يعرف الروسية هو محمد أبو نصر في المادة أدناه)

 

أنتجت الانتخابات البرلمانية الروسية في 4/12/2011 تغييراً نسبياً في ميزان القوى في البرلمان الروسي (الدوما).  فمن أصل 450 مقعداً، انخفض عدد نواب حزب بوتين ومدفيديف، حزب “روسيا الموحدة”، من 315 مقعداً في البرلمان السابق إلى 238 نائباً، حيث لا يزال ذلك الحزب هو المسيطر.  وبعده جاء الحزب الشيوعي الروسي، المستفيد الأول من تقهقر حزب روسيا الموحدة، بعد أن ازدادت مقاعده من 57 في الدوما السابق إلى 92 مقعداً، وازدادت مقاعد حزب “روسيا العادلة” من 38 إلى 64 مقعداً، وازدادت مقاعد الحزب الليبرالي، حزب جيرونوفسكي، وهو حزب قومي شوفيني متشدد (فلا يخدعنك اسمه) من 40 إلى 56 مقعداً. 

 

فالناخب الروسي تحرك باتجاه التشدد إلى يسار بوتين، وليس إلى جهة الغرب، ولذلك يُستغرب أمر ذلك الضجيج الذي تثيره هيلاري كلينتون ووسائل الإعلام الغربية حول الانتخابات البرلمانية الأخيرة في روسيا.  فمجموعات الغرب المفضلة، مثل حزب يابلوكو (التفاحة) لم تنل مقعداً واحداً في الدوما، وأقربها للغرب، مثل حزب “روسيا العادلة” هو حزب اشتراكي-ديموقراطي، كان قد استوعب في صفوفه قبل سنوات حزباً سابقاً هو حزب المتقاعدين، وهم متقاعدون أفلستهم سياسات السوق الحرة، لذلك فإنه ليس حزباً منسجماً مع الغرب أيضاً، ولا يعتقد الناخبون الذين حجبوا أصواتهم عن حزب بوتين بأن الإجراءات التقشفية التي بات يُعلن عنها في أوروبا أو الولايات المتحدة عبارة عن موسيقى لآذانهم.

 

وقد احتج الحزب الشيوعي الروسي حول بعض حالات التزوير في الانتخابات بالرغم من تسجيله مكاسب ملموسة وكبيرة.  والسبب الذي جعله يحقق مثل تلك المكتسبات هو أن الركود الاقتصادي الذي جاءت به الأزمة المالية الدولية جعل الناخبين الروس الذين لا ينتمون للطبقة الوسطى المدنية، التي ازدهرت على هامش الاقتصاد الجديد، يعانون.  وكان من الملاحظ أن الحزب الشيوعي حقق نتائج مهيبة في المناطق الصناعية وفي دوائر البحث العلمي.  فعلماء الفيزياء والمهندسون وأساتذة الجامعات الذين كانوا يحصلون على الدعم الحكومي في ظل الاتحاد السوفييتي السابق باتوا مضطرين بعده للقيام بأعمال السمكرة وتصليح المنازل لتأمين لقمة العيش.

 

ولم يكن الوضع الاقتصادي العام في روسيا بالنسبة لأغلبية الناخبين جيداً بما فيه الكفاية على الرغم من أن بوتين استعاد لروسيا بعضاً من عزتها وكرامتها القومية.  ولا تزال الخدمات الاجتماعية غائبة إلى حدٍ بعيد، وكذلك كثير من الأجهزة الحكومية، مثل الشرطة، لا تزال تعمل بشكل أكثر سوءاً مما كانت تعمل في العهد السوفييتي.  ومن هنا فإن التصويت للشيوعيين يصبح منطقياً ومشروعاً.  ويرتبط هذا الأمر، أكثر ما يرتبط، بمعاناة الناس الناتجة عن عمليات الخصخصة، التي صاحبها الكثير من الفساد، في سنوات يلتسين التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي.

 

إذن النقمة في روسيا حقيقية، ولكنها ليست محابية للغرب، ولا تتطلع ل”السوق الحرة” كمخلص، بل أن معظم الناقمين يربطون مصاعبهم في الحياة بالضبط بتلك “السوق الحرة”.  لذلك فإن الولايات المتحدة يمكن أن تسعى لإيجاد طرق لتوظيف تلك النقمة لخلق الإشكالات للحكومة الروسية خاصة وهي تزيد من إنفاقها على القطاع العسكري والتنمية الصناعية، بدلاً من الخدمات الاجتماعية، ولكن النقمة الروسية بالأساس ليست بحد ذاتها محابية للناتو.

 

وتنمو المنظمات الفاشية القومية، خارج الدوما، تحت شعار “روسيا للروس”، داعية إلى طرد الجورجيين والأوزبكيين والشيشان وغيرهم، والى التوقف عن تقديم المساعدات الاجتماعية لهم.  ومن هنا تصاعد شعبية القوميين الفاشيين، وهم أكثر عداءً للولايات المتحدة من حزب بوتين بدرجات.

 

فإذا كاتت شعبية حزب “روسيا الموحدة” في انخفاض، فإن ذلك يعود لكون المزيد والمزيد من الروس يرون بأنها ليست حازمة ولا قومية بما فيه الكفاية، وبأنها تستند للسوق الحرة أكثر من اللزوم. 

 

والولايات المتحدة، عندما تثير الضجيج حول الانتهاكات في الانتخابات الروسية، لا تسعى في الواقع للترويج لحرية التعبير عن إرادة الشعب الروسي، كما تزعم، أو للديموقراطية.  فالروس عندها سوف يقومون بشنق الأمريكيين في الشوارع لو استطاعوا.  الولايات المتحدة تريد فقط أن تحرك المشاكل لزعزعة استقرار روسيا، أو على الأقل أن تشغل بوتين بالحرائق المحلية الصغيرة.

 

وقد كانت إثارة الثورات والحراك الشعبي طريقة عمل الثوريين المناهضين للولايات المتحدة يوماً ما، أما اليوم، فإن الولايات المتحدة والناتو باتوا مستعدين لخلق أو دعم أي حراك، بغض النظر عن أيدلوجيته، إذا كان يمكن أن يطيح بنظام غير صاغر.  وعلى هذه الخلفية أرسل جون ماكين، المرشح الرئاسي الأمريكي السابق، وعضو مجلس الشيوخ الأمريكي، رسالة عبر توتير إلى رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين نصها ما يلي: عزيزي فلاد، الربيع العربي قادم إلى حيٍ قريب من مكان سكناك!  أما وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون فقد عبرت عن استيائها من طريقة إدارة الانتخابات الروسية قائلة أنها “غير عادلة”.  وقد ردت مفوضية الانتخابات المركزية الروسية على تصريحات كلينتون داعيةً إياها للاهتمام بالشؤون الداخلية للولايات المتحدة!

 

وقد صرح مارك تونر، الناطق بلسان وزارة الخارجية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة سوف تقدم المزيد من الدعم المالي للمنظمات غير الحكومية في روسيا من أجل تحقيق “شفافية أكبر” في الانتخابات الرئاسية الروسية عام 2012، كما جاء في مقالة بالإنكليزية على موقع “روسيا اليوم” في 6/12/2011 بعنوان: الشرق أو الغرب: أي ديموقراطية أفضل؟

 

وتضيف المقالة نفسها بأن الولايات المتحدة، على الرغم من انهيار موازنتها الحكومية، فقد خصصت ملايين الدولارات ل”تحسين” الانتخابات الروسية، تم إنفاق تسعة ملايين دولار منها حتى الآن، حسب تصريح تونر، الناطق باسم الخارجية الأمريكية، على منظمات مثل “غولوس”، مضيفاً أن تلك المنظمة غير الحكومية مجرد واحدة من المنظمات غير الحكومية العديدة التي تنال ذلك النوع من الدعم.

 

وتزيد المقالة المذكورة أن هنالك 5000 فرع لمنظمات غير حكومية أجنبية في روسيا، وقد قرر الدوما الروسي عام 2006 أن يفرض مزيداً من الرقابة على نشاطات المنظمات غير الحكومية في روسيا بعد أن قرر أن بعض المجموعات تتلقى الأموال من حكومات أجنبية، ربما عبر أجهزة أمنية أجنبية.

 

الموضوعات المرتبطة

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]

قضية للنقاش في هوامش الخطاب الإعلامي المقاوم

  إبراهيم علوش – الميادين نت حقق الخطابُ المقاومُ، في مختلف تنويعاته، اختراقاتٍ حقيقيةً بموازاة عملية "طوفان الأقصى" التي شكلت رافعة مادية له، وشكل بدوره غطاءً وامتداداً إعلاميين لها، [...]

القرار الأولي لمحكمة العدل الدولية بشأن غزة في ميزان الصراع

  إبراهيم علوش – الميادين نت   كان من المفهوم تماماً أن ينفعل البعض تحمساً لرفع جنوب إفريقيا قضية ضد الكيان الصهيوني في محكمة العدل الدولية تتهمه فيها بممارسة الإبادة الجماعية في غزة، [...]
2024 الصوت العربي الحر.