قضية محمد فرج في سياقها الأردني

December 31st 2025 | كتبها

 

إبراهيم علوش – الميادين نت

اعتقل الإعلامي محمد فرج لدى وصوله إلى مطار عمان مساء يوم الجمعة الموافق 12/12/2025.  لم تعلن السلطات الأردنية عن سبب اعتقاله، ولم تحوّله إلى القضاء.  ولم تلقَ الدعوات الواسعة إلى إطلاق سراحه أو إبداء سببٍ وجيه لاعتقاله تجاوباً أو رداً ممن يحتجزونه.

كان بودي أن أقول إن ما جرى مع الصديق محمد فرج هو استنثاء أو أمرٌ غير عادي، لكنه أمرٌ عاديٌ جداً سبق أن مرّ به مئاتٌ، إن لم نقل آلاف الأردنيين ممن يناهضون التطبيع مع العدو الصهيوني، أو ممن انتصروا لغزة، أو للمقاومة من قبلُ.

أن يصبح ما هو غير عادي عادياً، لا يعني أن نسكتَ عنه طبعاً… وهذه مناسبة للتحدث عن قضية محمد فرج في سياق تلك الظاهرة، لأنه ابن المعارضة الوطنية في الأردن منذ نعومة أظفاره.

بضعة أيام أو أسابيع أو أشهر من الاعتقال، تنتهي كما بدأت، من دون إبداء الأسباب.  وإذا جرى التحويل إلى القضاء، فإن ذلك يكون أمراً شكلياً أو غطاءً “قانونياً” لقرار أمني.  وعندما تقرر الجهات المعنية أن “الرسالة وصلت”، تُعلّق القضية، ولا تُغلق، تماماً كما فُتحت، بالتوازي مع وسائل تضييق أخرى، كأنه سرٌّ مُعلن، يعرفه الجميع، ويتجنبون الخوض فيه، درءاً لمفاقمة المشكلة.

لا توجد جهة إقليمية أو دولية معنية حالياً بتوظيف هذا الملف ضمن أجندتها، لذلك لا تتحول إلى ظاهرة إعلامية صارخة.  وتحرص السلطات، من جهتها، على تجنب المغالاة أو الإساءة للمعتقل شخصياً في أغلب حالات الاعتقال السياسي أو الإعلامي، مع ترك ظروف الاعتقال تفعل فعلها.  وثمة ظروف اعتقال أفضل، وأخرى أسوأ، من غيرها.  ولا يلغي ذلك إمكانية التعرض للضرب والقسوة في المظاهرات والاعتصامات، كما هو معروف.  وثمة وسائل ضغط أقسى من الضرب طبعاً.

لا يجري حتى التحقيق مع المعتقل في بعض الحالات، أو ربما يخضع لتحقيق واحد خلال أسابيع.  والعبرة في التكهن والترقب والانتظار.  وربما يحدث العكس ويتعرض المعتقل لتحقيقات متكررة.  وكثيراً ما يتعرض النشطاء لاستدعاءات وتحقيقات متتابعة من دون اعتقال.  خلال التحقيق، كثيراً ما يُقال للمعتقل: “لن نسمح لك أن تدَّعي البطولة عندما تخرج”، أو: “أنتَ وحدك هنا وأصحابك يعيشون حياتهم”، إلخ…

لذلك، فإن تبني قناة الميادين لحملة إطلاق سراح محمد فرج مهمٌ جداً إعلامياً لأنه يوسع نطاق الحديث عن ظاهرة غالباً ما تبقى حبيسة صفحات أصدقاء المعتقلين ورفاقهم وأقربائهم في وسائل التواصل الاجتماعي، وتحت التقييد، إذا تجرأوا على طرحها علناً.  وأؤكد لكم أن مئاتٍ اعتقلوا على خلفية نصرة غزة لم يتحدث عنهم أحد.

كما أن هذه الحملة مهمةٌ لكل إعلامي وناشط يتبنى خيار المقاومة بأنه لن يكون خلف القضبان وحيداً، وهذا يعزز موقفه وصموده معتقلاً أو مهدداً بالاعتقال.

لماذا لا يوجد رد رسمي على حملة المناداة بإطلاق سراح محمد فرج؟  لأن الرد يفتح باباً للأخذ والرد، الأمر الذي يلقي الزيت على النار إعلامياً، وهو عكس السياسة المتبعة بإبقاء وتيرة الاعتقالات المستمرة منخفضة، بما يؤدي غرض ضبط الساحة الأردنية، من دون تحول الأمر إلى ملف إعلامي متأجج.

ولأن الرد يضع السلطات في موضع المساءلة سياسياً، وهذا ربما يفتح باباً لا يمكن إغلاقه على نطاق أوسع بكثير، ولا بد أن تبقى السلطة قادرة على ممارسة سلطتها من دون تفسير أو تبرير، فذلك جزء من “هيبتها”، ولا بد أن تبقى حالة من التهديد غير المحدد أو المعرّف تحوم فوق رؤوس المعارضين لنهج وادي عربة والتطبيع مع العدو الصهيوني، حتى إذا سئلوا: “هل تعرض لكم أحد بشيء؟”، بدت ردودهم كأنها مستندة إلى خيالات وهواجس لا أكثر.

لكنني أقول لكم إن اعتقال محمد فرج هو الرسالة، وهو التهديد الموجه إلى كل واحد منا، بأن عليه أن يقمع نفسه ذاتياً وإلا…  وثمة رسالة مثلها توجه دورياً لمن يتبنون هذا الخط، قبل محمد فرج، ومن بعده، وبالإمكان تعداد العشرات.   فإذا اتسع الحراك، ازداد عدد المعتقلين والموقوفين ومن تُركب لهم قضايا “قانونية” أو “جرائم إلكترونية” أو ما شابه.

رب قائل إن ما سبق لا ينطبق على الإعلامي محمد فرج، لأنه يعيش خارج الأردن منذ سنوات، ولا يمارس نشاطاً سياسياً فيه، ولأنه يمارس نشاطه الإعلامي والإخراجي بمهنية ومقاييس بحثية عالية، ولأنه لا يتعرض للحكم في الأردن، ولا يستهدفه.

إن كل ما سبق صحيح طبعاً، ومحمد شخص يترفع عن المهاترات حتى في علاقاته الشخصية، فما بالكم بمنصاته الإعلامية!  وهو يشتغل فوق ذلك بمسائل نظرية وفكرية، كثيراً ما تجد طريقها إلى إنتاجه الإعلامي لتميزه.

لكنّ ذلك يؤكد أن المستهدف هو الخط، النهج، والموقف، الذي تبناه محمد فرج، لا مشاركته في وقفة غير مرخصة هنا أو “إطالة اللسان” هناك.  وأود لفت النظر، في هذا السياق، إلى المادة 195 من قانون العقوبات الأردني، والتي تنص على عقوبة “إطالة اللسان” تراوح ما بين سنة و3 سنوات سجناً لمن تقرر السلطات أنه أساء شفهياً أو خطياً أو إلكترونياً أو رسماً لأحد أفراد العائلة المالكة.

حالة محمد فرج إذاً هي حالة قمع للنهج الإعلامي المقاوم لدى المواطن الأردني.  وسوف يكون الرد طبعاً: هناك آلاف الأردنيين ممن يتبنون موقفاً مقاوماً من دون أن يتعرض لهم أحد بشيء.  وعلى الرغم من أن ذلك ليس دقيقاً تماماً، فإن قصة محمد فرج تنبئنا بأنهم باتوا مستهدفين رسمياً.  وبناءً عليه، فإن عليهم أن لا يصمتوا على ذلك الاستهداف.

فلنرفع الصوت عالياً إذاً: #الحرية_لمحمد_فرج

للمشاركة في فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=pfbid0pngQLQK2qbHqiW31rtwDcdp86Le8fuDy4U1DJt69FrUP2TCwP3XdJBWJpMa68FWUl&id=100000217333066&__cft__[0]=AZa7aUy7SF1u-POs-atErpjqc398Uarx9B2f4vVX4EnabYm_mgopVkG9PpRP_P7AqwJz1uHW8stY5BzkFBJPWbuKN-R-jOsgR8Pj5xnRaB4KrEN_U88U0trfyXlg_7WVhcYJpnlK0MRHF5NZiOh6D2dBHHaL8SeSjPIS43wWGwRpLlguRmMs8odBipV-aYkyFno&__tn__=%2CO%2CP-R

https://www.almayadeen.net/articles/قضية-محمد-فرج-في-سياقها-الأردني

الموضوعات المرتبطة

استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة: ماذا تعني بالنسبة للعالم وإلينا؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت ما زالت وثيقة الأمن القومي الأمريكي التي نشرتها إدارة ترامب في 4/12/2025 تُثير عاصفةً من التحليلات على ضفتي الأطلسي، تتخللها أمواجٌ عالية من النقد، بسبب تحوّلات [...]

قراءة في التمرد الكبير ضد “إسرائيل” والصهيونية في قاعدة ترامب الشعبوية

  إبراهيم علوش – الميادين نت تميد الأرض تحت قدمي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من جراء الانقسام المتزايد بين تيارات اليمين الشعبوي في الولايات المتحدة بشأن الموقف الواجب اتخاذه من حرب [...]

المشروع الوحدوي في أمريكا اللاتينية: قوة مضادة للهيمنة الأمريكية والتوسع الترامبي

  إبراهيم حرشاوي – لائحة القومي العربي يشهد صعود القومية الأمريكية على النسق الترامبي، المبني على التوسع الاستراتيجي، والتفوق الحضاري، وإحياء مبدأ "المصير المحتوم"، إعادة تعريف لموقف [...]

أضواء على الخطة الأمريكية-الصهيونية لإعادة احتلال غزة واستعمارها

  إبراهيم علوش – الميادين نت في غزة، كما في لبنان، لم يكن وقف إطلاق النار، من الجانب الصهيوني، جدياً. أما قرار مجلس الأمن رقم 2803، المدعوم من الأنظمة العربية والمسلمة، فليس سوى غطاءٍ [...]
2025 الصوت العربي الحر.