مصر: “انتفاضة شعبية”… كبرقِ سحابةٍ لم تمطر… بعد

January 29th 2013 | كتبها


 

لا يكفي انهيار حاجز الخوف من السلطة، بحد ذاته، لإطلاق ثورة، إذا التزمنا بمعنى كلمة “ثورة” حقاً، كمشروع للتحرر الوطني والاجتماعي (لا للأخونة أو السلفنة أو الديموقراطية الليبرالية).

 

والانتفاضة أو الحراك الشعبي لا يقيّم (لم أزل مصراً على كلمة “تقييم” بدلاً من “تقويم”) بمقدار تعرض المشاركين فيه للمظالم التاريخية وعدائهم للسلطة المهيمنة فحسب، مع أن هذا مهم ولا يمكن تجاهله طبعاً… بل بمقياسين أساسيين:

 

الأول، إذا كان مثل ذلك الحراك يمتلك برنامجاً للتحرر القومي والاجتماعي من الإمبريالية والصهيونية وأدواتهما المحلية..

 

والثاني، إذا كان الحراك يمتلك قياداتٍ تاريخيةٍ ذات سجل واضح ومعروف في تبني مثل ذلك البرنامج،  وتمتلك البوصلة والقدرة على إدارة الصراع باتجاه تحقيق أهدافه.

 

ولذلك كلما نظرنا، في الحراك الشعبي المصري المتجدد، إلى محمد البرادعي، ربيب الإمبريالية في لجنة التفتيش عن الأسلحة في العراق، وكلما نظرنا إلى عمرو موسى، ربيب نظام مبارك ومنتدى دافوس والجامعة العبرية، وكلما نظرنا إلى صَدَفَة ناصرية، خاوية من أي مضمون ناصري قومي تحرري حقيقي، اسمها حامدين صباحي، ادركنا أن الحراك الذي يقوده مثل هؤلاء لا يزال أبعد ما يكون عن وصفه بكلمة “ثورة”، فلا فرق بين تطبيع وتبعية ببدلة وربطة عنق، وتطبيع وتبعية بعمامة وثوب قصير ولحية طويلة.

 

ولا تزال “جبهة الإنقاذ الوطني” في مصر أبعد ما تكون عن التحول إلى بديل حقيقي للإخوان…

 

وربما ينتج البحث الصعب عن خيارات أفضل من الإخوان، مع انكشاف أوراقهم، ديناميكية حقيقية للتغيير على المدى البعيد، فالتاريخ لا تُغلق منافذه، لكن التاريخ الحقيقي لم يبدأ بعد…

 

والحراك الحالي، الإخواني والمناهض له، لا يزال تحت السقف الأمريكي في المنطقة، ولو أن استمرار الحراك بحد ذاته ربما يبشر بالخير… ربما…

 

الجماهير ليست دائماً على حق، ولكنها لا تجمع على باطل طويلاً، وجوهر إمكانات الأمة، غير القابل للإتلاف، لا يفتأ ينتج دوماً طليعةً بعد طليعة، جيلاً بعد جيل، ولكننا لا نزال بلا طليعة بعد.

 

ولأن ما يجري في مصر ينعكس بالضرورة على كل الأمة العربية، فإننا نبقى مليئين بالأمل أن ينطلق منها مشروعٌ ناصريٌ حقاً سنعرف أماراته عندما نسمع قيادات جماهيرية ذات مصداقية ووزن تهدر كجمال عبد الناصر ضد الصهيونية، وضد كامب ديفيد والمؤسسات الاقتصادية الدولية، وتدعوا للاستقلال السياسي والاقتصادي، ولمشروع التنمية المستقل، وهو ما لا يمكن أن يتحقق إلا في سياق مشروع قومي عربي.

 

فالناصرية في مصر ليست تتمة للتحرر الوطني، تحدث بعد تحقيقه، بل شرط ضروري له… وهو الدرس الذي اكتشفه كل حاكم وطني مصري مخلص منذ بدء النيل…  لا بل لا مشروع “وطني ديموقراطي” في كل قطر عربي على حدة، فإما المشروع القومي، وإما لا شيء…

 

إبراهيم علوش

للمشاركة على الفيسبوك:

http://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=597919983558574&id=100000217333066

الموضوعات المرتبطة

خيارات الرد الإيراني من المنظور المعادي

  إبراهيم علوش – الميادين نت تتقاطع التقارير والمقالات الأمريكية و"الإسرائيلية" التي تتناول خيارات الرد الإيراني على استهداف القنصلية الإيرانية على أتوستراد المزة في دمشق، والمحاذية [...]

مدرج الطائرات الضخم في جزيرة عبد الكوري في أبعاده الصغرى والكبرى

  إبراهيم علوش – الميادين نت تبلغ مساحة جزيرة عبد الكوري، في أرخبيل سُقطرى اليمني، 133 كيلومتراً مربعاً فحسب، ويبلغ طولها 36 كيلومتراً، وعرضها، عند أوسع حيز فيها، 5 كيلومترات، أما عدد سكانها [...]

قراءة في قواعد الصراع على جبهة “إسرائيل” الشمالية

  إبراهيم علوش – الميادين نت ربما يظن بعض الذين ولدوا في العقدين أو العقود الثلاثة الفائتة أن الخطاب الذي يسوَّق ضد حزب الله في لبنان محلياً وعربياً، وخصوصاً منذ حرب صيف 2006، جديدُ المفردات [...]

الممر البحري بين قبرص وغزة وآباؤه الكثر

إبراهيم علوش- الميادين نت جرى تبني الممر البحري من قبرص إلى غزة رسمياً، والرصيف المؤقت والطريق الفولاذي العائم اللذين سيشيدهما الجيش الأمريكي خلال شهرين، في بيان مشترك نُشر في موقع [...]

عواصف البحرين الأحمر والعربي في سياق الصراع الدولي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على الرغم من تأكيد صنعاء مراراً وتكراراً، في مستهل دخولها على خط نصرة غزة، أنها لا تستهدف سوى السفن المرتبطة بالكيان الصهيوني، ملكيةً أو وجهةً، فإن واشنطن، في [...]
2024 الصوت العربي الحر.