في انعكاس الحدث الداعشي في العراق على سورية

July 4th 2014 | كتبها

كانت المعركة في سورية في طور الحسم النهائي لمصلحة القيادة والجيش العربي السوري عندما قامت “داعش” بحركتها التوسعية من الرقة ودير الزور باتجاه محافظات نينوى وصلاح الدين والأنبار. فتوقيت بداية النهاية في سورية لم يكن إلا توقيت نهاية البداية في العراق، التي ابتدأت بتصعيد حملة السيارات المفخخة طائفياً وسيطرة “داعش” على الفلوجة، فلا يمكن بأية حال أن نفصل التوقيت الأول عن الثاني، لأن “داعش” لم تهبط على الرقة ودير الزور من السماء، إنما من حاضنة الحدود التركية-السورية وبرعاية تركية وبترودولارية رسمية، وهذا يعني أن ثمة قوى إقليمية تقف في ظلال الهجمة على سورية والعراق، حتى لو كانت “داعش”، كفيروس مناهض لكل شيء بشري، قابلة للإفلات ممن أطلقه.

من الواضح أن مشروع القرار الروسي في مجلس الأمن الذي يدين شراء أي نفط يمول الجماعات الإرهابية في سورية هو قرار موجه ضد تركيا أساساً التي تتم عمليات شراء النفط الخام من “النصرة” و”داعش” وغيرها من الجماعات المسلحة عبرها. وعندما يُقال في وسائل الإعلام أن النفط العراقي يتسرب عبر كردستان إلى الكيان الصهيوني فإن ذلك يعني فعلياً أنه يتسرب إلى الكيان الصهيوني عبر تركيا، لأن إقليم كردستان في شمال العراق ليس له منفذ على البحر. ومن المرجح أن تتوسع عمليات بيع النفط المسروق للكيان الصهيوني عبر تركيا ما دامت “داعش” تسيطر على مناطق منتجة للنفط في سورية والعراق، وما دامت البشمركة قد بسطت سيطرتها على كركوك وضواحيها.

هذا يعني تزويد “داعش” بتمويل إضافي، فضلاً عن تعزيز القاعدة الاقتصادية لأي إعلان استقلال كردي مستقبلاً. هنا يتكشف الاساس الاقتصادي للتعاون بين “داعش” والقوى الكردية الانفصالية. لكن القصة لا تنتهي عند هذا الحد. فتركيا قد تتاجر بالنفط المسروق والمهرب، لكنها تتوجس خيفة من النزعة الكردية الانفصالية. لكن تركيا لا تلعب بالنرد عندما تسهل أمر “داعش” في العراق، أو في سورية، إنما ثمة كتاب أعمدة غربيون يلمحون منذ اندفعت “داعش” داخل العراق أن الحل الوحيد للمشكلة هو وضع شرق سورية وغرب العراق تحت السيادة التركية!!

إذن “داعش” قد تصبح ذريعة مغطاة ناتوياً لتسليم محافظات الرقة ودير الزور ونينوى وصلاح الدين والأنبار لتركيا، وهو ما يعني الإجهاز على استقلالية الإقليم الكردي شمال العراق، أي أنه يضرب عصفورين بحجر تركي واحد. ولن تكون تلك المرة الأولى التي يُستخدم فيها الأكراد وقوداً في معركة إقليمية أكبر منهم.

على مستوى المكون السني العراقي، فإن تعزيز سيطرة “داعش” على الأرض وانتشار خطابها المتشدد ونهجها الطائفي في الحاضنة الشعبية التي تحتويها، سيزيد من الاحتقان الطائفي في العراق وسيشكل عمقاً لوجستياً وسياسياً للتواجد الداعشي في الرقة ودير الزور، وسيدفعه لمحاولة الانتشار، كما في حلب، مرةً أخرى بصورة تتوافق مع المشروع التركي في محاولة منع الجيش العربي السوري من تحرير حلب وريفها وريف اللاذقية. أي أن القفز من سورية للعراق في المرحلة الأولى سيأتي بعده الارتداد من العراق لسورية، لتصعيد الإرهاب الداعشي فيها، ولإبقاء الأزمة السورية مشتعلة، في محاولة لابتزاز سورية سياسياً، ودفعها للمطالبة بتدخل غربي-تركي لاحتواء “داعش”.

من البديهي هنا أن يفكر الانفصاليون الأكراد في العراق بمد سيطرتهم على المناطق الكردية في سورية، أسوة بما فعلته “داعش”، فثمة تقسيم أدوار هنا، ومن البديهي ايضاً أن الرد على ذلك يكون بشن هجوم مضاد على “داعش” من جهة العراق وسورية في آنٍ معاً، فلم يعد هناك مناص من تنسيق الجهود عبر الحدود السورية-العراقية لمواجهة مثل هذه الحالة على الرغم من كل الملاحظات على النظام العراقي الذي تأسس بعد الاحتلال على خلفية طائفية. لكن المسألة الآن باتت تتعلق ببقاء العراق وسورية كبلدين عربيين.

فترك الأمور على ما هي عليه سوف يقود لحرب أهلية في العراق ولعملية تقسيم، ونذكر جميعاً خطة تقسيم العراق “غير الملزمة” التي أقرها مجلس الشيوخ الأمريكي في أيلول 2007 إلى كردستان وسنستان وشيعستان والتي باتت تتحقق أمام أعيننا الآن، بأيدٍ داعشية وانفصالية كردية، وبحاضنة في وسط العراق سقطت في أحضان حكام السعودية، وبقوى طائفية في الجنوب سيطرت على العراق ولم تتمكن من إنتاج مشروع وطني لكل العراق فأنتجت شروخاً طائفية سارعت لاستغلالها قوى إقليمية ودولية لتفكيك البلاد في لحظة إدراكها لهزيمتها في سورية.

النقطة الأخيرة بالذات تتطلب التركيز على البعد الوطني والقومي لدى سورية لتحصين نفسها من الارتدادات الطائفية القادمة من الشرق، فالطائفية تطلق طائفية مضادة، بغض النظر عن العنوان، ومع أن العراق الموحد في ظل أي حكم أفضل من تقسيمه، فإن الضمانة الحقيقية للوحدة تبقى الطرح الوطني والقومي الذي يتجلى في سورية أكثر بكثير مما يتجلى في العراق.

إبراهيم علوش
البناء2/7/2014

للمشاركة على الفيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=908001155883787&id=100000217333066

الموضوعات المرتبطة

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]

مسألة هوية “سوريا الجديدة”: برميل بارود برسم الانفجار

  إبراهيم علوش – الميادين نت يبدو أن هناك تواطؤاً سورياً عاماً، من جراء إرهاق الحصار ربما، ووطأة سنوات القتال، على تمرير "المرحلة الانتقالية"، ريثما تتضح معالم ما يسميه البعض "سوريا [...]
2025 الصوت العربي الحر.