في مشروعية التدخل الروسي في سورية

October 14th 2015 | كتبها

كيري-ولافروف

إذا كنا نرفض التدخلات الأجنبية عموماً، والإمبريالية خصوصاً، في بلادنا وفي دول العالم الثالث، من حيث المبدأ، فكيف نسوغ دخول روسيا على خط الأزمة السورية عسكرياً؟ وهل يمثل ذلك كيلاً بمكيالين من قبل أنصار الدولة السورية داخلها وخارجها، أم أن التدخل الروسي يختلف نوعياً عن التدخلات الأجنبية الأخرى من حيث طبيعته وأهدافه السياسية ومداه؟ وإذا كان الأمر كذلك، أين تكمن مثل تلك الاختلافات؟؟

كثيراً ما تُطرح مثل هذه الأسئلة على أنصار سورية أو فيما بينهم، وفي حوار مع الصديق محمد أبو نصر حاولنا وضع أساس منهجي للإجابة عليها انطلاقاً مما يلي:

1) أن سورية تتعرض منذ حوالي خمس سنوات لتدخل أجنبي علني، تتصدره دول حلف الناتو ومنظومة البترودولار وتركيا والكيان الصهيوني والأردن، وهو تدخل لا يخفي من يقومون به دورهم فيه من تهريب الأسلحة والإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري إلى الحملات الإعلامية المسعورة ومحاولات العزل السياسي والدبلوماسي،

2) أن ما يجري في سورية، بالتالي، ليس تمرداً محلياً مسلحاً ضد الدولة السورية كما تصوره وسائل الإعلام الصفراء، ولو كان الأمر كذلك لانتهى منذ أمدِ بعيد، بل تواجه سورية كدولة عربية من العالم الثالث كل الثقل السياسي والعسكري والاستخباري والمالي لعدد من الدول الاستعمارية العظمى، والأنظمة الرجعية العربية، وتركيا والكيان الصهيوني، مجتمعة،

3) مثلاً، أعلنت حكومة الولايات المتحدة في 9 تشرين أول 2015 عن وقفها لبرنامج تدريب عسكري لما تسميه “المعارضة المعتدلة” في سورية بقيمة 500 مليون دولار، وهذا بالمناسبة غير البرنامج التدريبي الذي تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIA، ناهيك عن برامج الدول الأخرى المتدخلة في سورية، فكم دولة في العالم الثالث، أو غيره، تستطيع وحدها أن تحتمل ثقلاً من هذا النوع كما فعلت سورية؟!

4) أن الصراع في سورية هو صراع دولي، ما بين الدول المستقلة والإمبريالية، وصراع إقليمي، مع منظومة البترودولار الرجعية العربية، وصراع عربي مع العدو الصهيوني في مواجهة مشروع التفكيك، أي أنه صراع في سورية على سورية ومن أجل تفكيكها، وليس صراعاً سورياً-سورياً بالأساس، وعليه من حق سورية أن تطلب إن أرادت، ومن واجب من يسعون للتخلص من الإحادية القطبية في العالم، أو يناهضون هيمنة البترودولار على الإقليم، أو يعادون العدو الصهيوني، أن يستجيبوا لمطلب سورية بتقديم الدعم والمساندة إن طلبتهما،

5) أن سورية هي التي طلبت المساعدة من الروس، فالروس أتوا بالتنسيق مع الدولة السورية، أي بقرار سيادي سوري، على قاعدة تقاطع المصالح بين الطرفين، ولم يأتوا رغماً عن الدولة السورية أو من دون موافقتها، فهم لم يأتوا محتلين للأراضي السورية مثلاً كالأتراك والصهاينة، أو منتهكين للسيادة السورية كما تفعل دول التحالف التي تزعم مقاتلة داعش منذ عام دون أن تؤثر فيه كثيراً، مع سبق الإصرار على عدم التنسيق مع الدولة السورية،

6) أن الدخول العسكري الروسي على خط الأزمة السورية لم يأت لأن الدولة السورية سفينة غارقة كما زعمت وسائل الإعلام الصفراء، بل لأن تلك الدولة أثبتت، بعد حوالي خمسة أعوام من تحمل ثقل التدخلات الغربية والرجعية العربية والتركية والصهيونية في سورية، أنها تستطيع الحياة والصمود، لكنها تحتاج للقليل من الدعم، وما كان الروس سيدخلون لو شعروا أن عليهم تحمل كل العبء القتالي على عاتقهم كما حصل في أفغانستان في نهاية السبعينيات، ومن هنا التأكيد الروسي على أن التدخل سيأخذ شكلاً جوياً وصاروخياً فحسب،

7) إذن، روسيا دخلت كحليف بطلب من الدولة السورية الشرعية، التي لم يضعها الغرب في الحكم، بل التي تدافع عن استقلال سورية، وروسيا دولة ليس لها تاريخ استعماري في بلادنا، ولا أطماع استعمارية، ولا تستطيع الاستمرار في سورية من دون موافقة الدولة السورية، وعليه، فإن دخولها لسورية ليس معادياً بل صديقاً، وذو أمد محدود الأجل، وليس كقصف الناتو لليبيا عام 2011 بمشاركة الأنظمة الرجعية العربية التي لم ترَ فيه وقتها “خطراً صليبيا” بالمناسبة، أو عدوان الولايات المتحدة على العراق عام 2003 أو عام 1991، أيضاً بدعم ومشاركة الأنظمة الرجعية العربية، أو تدخلات الولايات المتحدة العسكرية في طول الكرة الأرضية وعرضها على مدى عقود.

 

إبراهيم علوش
البناء 14/10/2015

http://www.al-binaa.com/?article=73668

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1198952400121993&id=100000217333066&pnref=story

الموضوعات المرتبطة

تفكيك الهوية والجغرافيا في مصطلح “الشرق الأوسط” ومشتقاته

  إبراهيم علوش – الأسبوع الأدبي* نشأت مصطلحات الشرق الأدنى، والأوسط، والأقصى، في مطابخ الاستعمار البريطاني في القرن التاسع عشر في سياق الصراع الدولي آنذاك بين الإمبراطورية البريطانية [...]

استمرار الحرب يُدخِل الاقتصاد “الإسرائيلي” في دورة تآكل

    إبراهيم علوش – الميادين نت من انخفاضٍ معدلات نمو الاقتصاد، وارتفاعٍ العجز الحكومي والدين العام وتكاليف الحرب ذاتها، إلى شلل الشمال و"إيلات" اقتصادياً، إلى إفلاس آلاف الشركات [...]

تناقض ترامب مع مشروع العولمة هو ما دفع الدولة العميقة إلى السعي لتصفيته

الشأن الاقتصادي في ميزان الانتخابات الأمريكية المقبلة    إبراهيم علوش – الميادين نت 12/7/2024 تقول استطلاعات الرأي إن المسائل الاقتصادية تتبوأ مراتب أعلى في سلم اهتمامات الناخب العادي [...]

قراءة في خلفيات الانتخابات الأمريكية المقبلة وآلياتها

  إبراهيم علوش – الميادين نت يمثل تاريخ الـ 5 من تشرين الثاني / نوفمبر المقبل لحظةً مفصليةً للتيارات المتصارعة في إطار النظام السياسي الأمريكي، فهو التاريخ الذي يجري فيه انتخاب رئيس [...]

هل ستشتعل جبهة لبنان، وكم سينخرط الأمريكي فيها؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت     أكدت الإدارة الأمريكية، مجدداً، لوفدٍ زائرٍ من كبار مسؤولي الكيان الصهيوني، بأنها مستعدة بالكامل لدعم حليفتها في حال اندلاع حرب شاملة على الجبهة [...]
2024 الصوت العربي الحر.