May 17th 2017 | كتبها
admin
د. إبراهيم علوش
التركيز على قتال “داعش” و”النصرة” والتوجه شرقاً وجنوباً شكّل السياق الاستراتيجي لمذكرة مناطق تخفيف التوتر، كما لاحظ أي مراقب حصيف للمشهد السوري. الجيش العربي السوري وحلفاؤه يغذون الخطى باتجاه الحدود العراقية، يقابلهم “الحشد الشعبي” من جهة العراق، ويقتربون من معبر التنف. وفي شرق تدمر تتسع حلقات سيطرة الدولة على وقع خطوات حماة الديار. وفي الخلفية تؤتي المصالحات أكلها في ريف درعا ودمشق، في برزة وتشرين والقابون. مطار الجراح في ريف حلب يعود إلى حضن الدولة. والسياق العام هو قرب استعادة سيطرة الدولة على عموم الجغرافيا السورية.
أما السياق الأهم فهو تقطيع أوصال مناطق النفوذ التي يحاول الأمريكيون أن يغترفوها شرق سورية وجنوبها وصولاً إلى تطويقها، وهي المعركة الأهم استراتيجياً. فتسكين جبهة هنا يأتي من أجل التمكين في جبهة هناك، أو بالعكس، فقد يتلو التمكينَ العسكريَ التسكينُ السياسيُ، لتعودَ المناطقُ واحدةً تلو الأخرى إلى حضن الدولة بجميع الأحوال.
العلامة البارزة على مثل ذلك التسكين، ببعديه السياسي والميداني، كان إعلان السيد حسن نصرالله بكل هدوء عن انتهاء معركة الجرود على الحدود اللبنانية-السورية، وتسليم مواقع الحزب على الجهة اللبنانية فيها للجيش اللبناني، باستثناء عرسال التي عرض السيد حسن أن يتم ترتيب مصالحة بين مسلحيها والدولة السورية ليخرجوا إلى إدلب أو إلى حيث يتم الاتفاق مع الدولة السورية، مما يأتي ضمن السياق نفسه تماماً.
القابون إذاً تحصيل حاصل للتقدم المظفر للجيش العربي السوري وحلفائه على رقعة الشطرنج السورية من جهة، ولسياسة المصالحات الحكيمة من جهةٍ أخرى، وكلٌ منهما يتمم الآخر: التسكين والتمكين، أو التمكين والتسكين، كما يشاؤون، وإن كانت الدولة السورية تفضل سياسة حقن الدماء ولا تألو جهداً في التجاوب مع أي مبادرة باتجاهها.
ويكتسب تأمين القابون وتشرين وبرزة أهمية قصوى بالنظر لما كان يتسرب عبرها من قصف وتهديد لأجزاء من دمشق، ومن الصلة التي كانت تقيمها، عبر شبكة أنفاق كبيرة، مع مناطق المسلحين في الغوطة الشرقية، وهي شبكة كان كشف بعض مداخلها والولوج إليها هو ما دفع مسلحيها للنزول عن الشجرة العالية التي تسلقوها إلى “الباصات الخضراء” المتجهة لإدلب.
الأهمية الاستراتيجية للقابون تتلخص بتجفيف منابع الإرهاب في محيط دمشق، وقطع صلة الوصل مع مناطق المسلحين في الغوطة الشرقية والتهيئة للإطباق عليها، وتأمين طريق دمشق-حمص، والأهمية الرمزية لمحطة باصات البولمان التي كانت تربط دمشق بالمحافظات، فقد كانت القابون تقليدياً المدخل الشمالي لدمشق.
جوبر والتضامن واليرموك على الطريق طبعاً، إن عاجلاً أم آجلاً، مصالحةً أم حرباً، فهي ليست أبعد منالاً من سواها، والفرز بين “داعش” و”النصرة” من جهة، وغيرهما من جهة أخرى، يدشن الطريق إليها. وقد شهد مخيم اليرموك الأسبوع الفائت خروج مئات مسلحي “النصرة” وذويهم إلى ريف إدلب، كجزء من المرحلة الثانية لاتفاق المدن الأربع (الفوعا-كفريا-الزبداني-مضايا).
وقد أرسلت الكفاءة الاستثنائية لمرتبات الجيش العربي السوري وحلفائه في عشوائيات القابون، وأنفاقها متعددة الطوابق، وشوارعها الضيقة، رسالة استبسالٍ وإرادةٍ ومرونةٍ سيتردد صداها أبعد كثيراً من القابون لدى كل من يعتقد أن المناطق المبنية المكتظة بالاسمنت والأنفاق والتكفير ستبقيه بمنأى عن أيدي الدولة في أي جحرٍ سحيق قد يلجأ إليه، كما أرسلت رسالةً واضحةً للعدو والصديق بأن الجيش العربي السوري بات يمتلك القدرة على إعادة صياغة نفسه بسلاسة، بحسب مقتضيات الميدان وضروراته في القرن الحادي والعشرين، من النقيض إلى النقيض، أي من الشكل النظامي التقليدي إلى الشكل غير التقليدي للحرب في مواجهة لاعبين غير تقليديين أنتجتهم الحروب بالوكالة أو حروب الجيل الرابع بما يضارع أفضل قوة حرب عصابات من فيتنام إلى غيرها، ويشير المحللون الصهاينة أن امتلاك مثل هذه الخبرات متعددة المجالات، النظامية وغير النظامية، وامتلاك الملاءة الميدانية والاستراتيجية للمزاوجة فيما بينها، بات يقض مضاجعهم فيما يتعلق بحزب الله، ولا شك أنه يقض مضاجعهم أيضاً فيما يتعلق بالجيش العربي السوري. ففي سورية اليوم يوضع اليوم المعيار العالمي لإفشال حروب الجيل الرابع واحتوائها، وثمة آلام تضحيات كبيرة من دون شك، لكنه ميلاد كونٍ جديد، على يدي دمشق.
تشرين 17/5/2017
للمشاركة على فيسبوك:
هذا الموضوع كتب بتاريخ Wednesday, May 17th, 2017 الساعة 7:25 am في تصنيف
مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال
RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك
اضافة رد, او
تعقيب من موقعك.
الموضوعات المرتبطة
إبراهيم علوش – الميادين نت
يبدو أن هناك تواطؤاً سورياً عاماً، من جراء إرهاق الحصار ربما، ووطأة سنوات القتال، على تمرير "المرحلة الانتقالية"، ريثما تتضح معالم ما يسميه البعض "سوريا [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
لو أمكن وضع جدولٍ يفصّل الأوزان النسبية لكلٍ من العوامل التي أنتجت الانهيار الكبير في سورية في 8/12/2024، لحق القول، برأيي المتواضع، إن الحصار، وخصوصاً قانون قيصر [...]
إبراهيم علوش - الميادين نت
تتواطأ 3 سرديات على تسويغ تمدد 3 احتلالات، تركية وأمريكية و"إسرائيلية"، في أراضي الجمهورية العربية السورية، منذ ما قبل 8/12/2024. وتستند تلك الاحتلالات إلى دوائر [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
كما في حالة كل حدث مفصلي أو تحول تاريخي، سيستمر الجدال طويلاً بشأن الانهيار الكبير في سورية في 8/12/2024، وبشأن الأهمية النسبية لكل من العوامل التي أفضت إليه. [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
في التوقيت، والجغرافيا السياسية، والأدوات، وتقاطُعِ الأهداف والمصالح، كشف هجوم المجاميع الإرهابية المسلحة في الشمال السوري الصلة العضوية بين رعاته، أي بين [...]