أحمد الدقامسة

July 7th 2010 | كتبها

د. إبراهيم علوش

 

السبيل 8/7/2010

 

 

لعل أهم ما يمكن أن نستنتجه أردنياً من جريمة سفينة مافي مرمرة هو أن اللحظة السياسية باتت ناضجة تماماً لإطلاق سراح الجندي الأسير أحمد الدقامسة.  ويمكن أن تلقى تلك الخطوة تفهماً دولياً نسبياً، أو عدم ممانعة نسبية على الأقل، في ظل رفض الكيان الصهيوني مجرد الاعتذار (بالرغم من تفاهة ذلك المطلب)، على قتل تسعة مدنيين أتراك في مهمة إنسانية في عرض البحار، فيما أحمد الدقامسة مسجون منذ ثلاثة عشر عاماً على ما هو أقل من هذا. 

 

حان الوقت ليعلن “معتدلو” الأردن، تماماً كما يعلن معتدلو تركيا، أن على الكيان الصهيوني أن يعتذر، أو… (لن نقول سنقطع العلاقات!) أو يُطلق سراح الأسير أحمد الدقامسة… فإن اعترض الكيان الصهيوني، فيجب أن نشترط عليه أولاً، احتراماً لمبدأ المعاملة بالمثل، واحتراماً للأردن، أن يحاكم كل مرتكبي الانتهاكات الصهيونية، قبل إعادة الدقامسة إلى السجن.     

 

ولو افترضنا جدلاً أن الدقامسة “إرهابي”، فإن ذلك النوع من “الإرهاب” لا يزن مقدار ذرة مقابل إرهاب الدول، في عرض البحار مثلاً، أو في العدوان على غزة.  وعقب إطلاق تقرير غولدستون في 12/10/2009، كما جاء على موقع هيئة الإذاعة البريطانية على الإنترنت تحت عنوان “نتنياهو يرفض محاكمة إسرائيليين لارتكاب جرائم حرب”، أعلن نتنياهو أنه لن يسمح “بان يعامل ضباط وجنود في جيش الدفاع كمجرمين بعدما دافعوا عن مواطني إسرائيل بشجاعة وشرف ضد عدو وحشي”.

 

وتكاد لا تخلو صحف أي يوم من جريمة قتل “إسرائيلية” ضد عربي في مكانٍ ما.  لكن انسوا غزة، والدم العربي الرخيص، وثلاثين طفلاً عربياً في مدرسة بحر البقر في مصر في 8/4/1970.  نسأل: هل حوكم وسجن من دهس الناشطة الأمريكية رايتشيل كوري بجرافة تابعة للجيش الصهيوني في 16/3/2003؟  هل حوكم وسجن الضابط الإسرائيلي الذي قتل المخرج البريطاني جيمس ميللر في غزة بالرصاص 2/5/2003؟  الخ… وكثيرٌ غيرها من الجرائم التي وقعت بعد سنوات مما جرى في الباقورة في 12/3/1997.

 

العالم برمته، وبعض الصهاينة أنفسهم، يطالبون الكيان الصهيوني باتخاذ إجراءات جزئية، كما يفعل الاحتلال الأمريكي في العراق أحياناً، للحفاظ على مصداقيته، بلا جدوى… 

 

القاضي غولدستون نفسه صهيوني مناصر للكيان رأى في تقريره طريق “الضرر الأقل”، وقد قالت ابنته المقيمة في الكيان الصهيوني أن التقرير كان سيكون أقسى بكثير لو لم يخفف من تشدده أبوها (الجزيرة نت في 16/9/2009).  لكن الجيش الصهيوني رفض النظر في عشرات الانتهاكات الواردة في تقرير غولدستون، مع أن 313 طفلاً، و116 امرأة، من بين مئات المدنيين غيرهم، قتلوا في العدوان على غزة.  وقد ذكرت وسائل الإعلام في 6/7/2010، أن جندياً قتل امرأتين عربيتين فلسطينيتين تلوحان بعلم أبيض في حرب غزة سيحاكم أخيراً.  ومع أن هذا الإعلان، الذي يبقى إعلاناً، يراد منه تخفيف الضغط الدولي على “إسرائيل” بعد غولدستون ومرمرة، فإن التجربة تعلمنا أن الجندي المتهم هنا يستحيل أن يقضي سنوات عمره في السجن كالدقامسة، إذا حوكم.  وإذا سُجن، فإنه لن يُهمل طبياً كالدقامسة، ولن يُحرم من حق الزيارة، ولن يضطر للإضراب عن الطعام ليحظى بالعلاج …

 

فوق هذا، نؤكد أنه لا يوجد في الكيان الصهيوني مدنيون، وأن من حقنا أن نستهدفهم ولو لم يستهدفوا مدنيينا، فما بالك وشعبنا يتعرض يومياً للقتل والحصار والاقتلاع؟!!  بالتالي، فإن ما قام به الدقامسة عملٌ مشروعٌ تماماً، وبطولي، مثل أي عملية عسكرية للمقاومة في فلسطين.  وهو يمثل استمراراً منطقياً للصراع العربي-الصهيوني، ورداً طبيعياً على الاستهداف الصهيوني للأردن، الذي لم توقفه معاهدة يوماً، وتعبيراً مناسباً عن بعد الشقة بين المؤسسة الرسمية والشارع الأردني.

 

من يقبل بمحاكمة الدقامسة، يقبل بمحاكمة أي مشروع استشهادي في فلسطين… وثلاثة عشر عاماً من السجن عقوبة أكثر من كافية على “جريمة” مخالفة الأوامر العسكرية… فقد حان وقت الإفراج عن الدقامسة.

 

alloush100@yahoo.com

 

 

  

الموضوعات المرتبطة

هل تنجح إجراءات ترامب في إبعاد الاقتصاد الأمريكي عن حافة الهاوية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت حذّر آخر تقرير لصندوق النقد الدولي من أن جولات رفع الرسوم الجمركية التي أطلق دونالد ترامب العنان لها أحدثت "صدمة سلبية كبرى" في الاقتصاد العالمي، وأن تصاعد [...]

سياسة رفع الرسوم الجمركية والردّة الجديدة على آدم سميث

  إبراهيم علوش – الميادين نت على هامش حملات رفع الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب، تهز عاصفة هوجاء أركان كليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.  فما كاد أنصار المدرسة النيوكلاسيكية [...]

قراءة في العقل السياسي لدونالد ترامب واليمين الشعبوي

  إبراهيم علوش – الميادين نت في مستهل الألفية الثالثة، راحت العولمة، كظاهرة طاغية، تفرض وجودها في كل مناحي الحياة فعلياً.  وانزلق كثيرون ممن انكبوا على تحليلها إلى اختزالها في بعدٍ أحادي، [...]

قراءة في أبعاد اللعبة الدولية من سورية إلى أوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت تداول محللون كثر، بعيد الانهيار الكبير في سورية، فكرة إجراء روسيا مقايضة بين أوكرانيا وسورية تتخلى بموجبها عن دعم الثانية في مقابل تسوية بشروطها في الأولى.  [...]

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.