ما هي ضريبة المبيعات؟

June 1st 2018 | كتبها

أخذت الحكومة عشرين ديناراً من زيد الذي يبلغ راتبه 200 دينار، وخمسين ديناراً من عمرو الذي يبلغ دخله ألف دينار. قد يبدو للوهلة الأولى هنا أن عمرو دفع ضريبة أكبر من التي دفعها زيد، ولكن العكس، في الواقع، هو الصحيح. فضريبة زيد تشكل عشرة بالمئة من راتبه، أما ضريبة عمرو فلا تشكل إلا خمسة بالمئة، مع أن دخل زيد أقل من دخل عمرو بعدة أضعاف. وهذا النوع من الأنظمة الضريبية التي يدفع فيها أصحاب الدخول المحدودة نسبة ضريبية أكبر من دخلهم من النسبة التي يدفعها أصحاب الدخول المرتفعة يسميه الاقتصاديون الضريبة التناقصية.

الضريبة التناقصية نقيض الضريبة التصاعدية بالطبع، وهناك أيضاً الضريبة النسبية التي يدفع فيها المرء نسبة مئوية ثابتة من دخله بغض النظر. والضريبة التناقصية لها أنصارها مع أن المعسكرين الرئيسيين تاريخياً في الغرب كانا معسكر الضريبة التصاعدية انطلاقاً من مبدأ العدالة الاجتماعية، ومعسكر الضريبة النسبية انطلاقاً من مبدأ عدم معاقبة المستثمرين الناجحين، وهو توجه ممثلي الرأسمالية الحديثة منذ آدم سميث. أما جماعة الضريبة التناقصية فقد كان ينظر لها دوماً باعتبارها تمثل أقلية “مشعوطة” من عتاة الرأسماليين الغربيين، كانت تقول أن اقتطاع نسبة مئوية أكبر من دخل الفقراء سوف يزيد حوافز العمل والاستثمار، حسب زعمهم، لأن الناس سيكافحون حينئذ لكي لا يكونوا من الشرائح الأدنى دخلاً لكي لا يدفعوا نسبة ضريبية أعلى. بالمقابل، من الواضح أن تطبيق نظام الضريبة التناقصية سوف يزيد الهوة ما بين فئات الشعب ويفاقم من العوز والتفكك الاجتماعي، ومن القوة الشرائية في المجتمع حسب الكينزيين.

ويعتبر الاقتصاديون عامةً ضريبة المبيعات النموذج الصارخ للضريبة التناقصية. ذلك أن أصحاب الدخول المحدودة يستهلكون نسبة أكبر من دخلهم بالتعريف لسد حاجاتهم الأساسية، بينما يدخر أصحاب الدخول المرتفعة نسبة أكبر من دخلهم، وضريبة المبيعات تدفع فقط عند الاستهلاك، ولذلك تشكل نسبة أكبر من دخول أصحاب الدخول المحدودة.

هذا يعني مثلاً أن زيادة ضريبة المبيعات في الأردن من سبعة بالمئة عام 1994 إلى 16 بالمئة عام 2004 حالة نموذجية لنظام الضريبة التناقصية، أي الضريبة على الفقراء أولاً. وتشكل ضريبة المبيعات منذ عام 2005 حوالي 61 بالمئة من إيرادات الدولة الأردنية (قبل المنح والقروض وما شابه)، بالإضافة لسبعة بالمئة من الإيرادات الضريبية من الرسوم المختلفة الأقرب بطبيعتها لضريبة المبيعات، حتى ارتفعت الإيرادات الضريبية على السلع والخدمات (ضريبة المبيعات وحدها) هذا العام إلى أكثر من 68% من الإيرادات العامة!

وبحسب خلاصة الموازنة العامة التي ينشرها البنك المركزي على موقعه على الإنترنت، فإن إيرادات الحكومة الأردنية المحلية، قبل المنح الخارجية، بلغت 5.9 مليار دينار عام 2015، و6.2 مليار دينار عام 2016، و6.7 مليار دينار عام 2017، وفرضت بعدها في بداية عام 2018 حزم إضافية من الضرائب على السلع والخدمات تقدر عائداتها بـ803 مليون دينار، والآن تريد الدولة، فوق كل هذا، أن ترفع ضرائب الدخل على الطبقة الوسطى، بحجة أن ضرائب الدخل أقل مما يجب، كأننا لا ندفع ضريبة مبيعات باهظة، وعشرات أنواع الرسوم والضرائب والغرامات إلخ… فزيادة ضريبة الدخل، بعد زيادة ضريبة المبيعات، هو وصفة للإفقار العام للمجتمع.

إبراهيم علوش

للمشاركة على فيسبوك:

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2157180084299215&set=a.306925965991312.96654.100000217333066&type=3&theater

الموضوعات المرتبطة

هل الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لآوانه؟

      إبراهيم علوش – الميادين نت يقف الطرف الأمريكي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب [...]

متى سيتجدد العدوان الصهيو-أمريكي على إيران؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت اندلع الجدال، غربياً، بشأن حجم الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني، حتى قبل إعلان ترامب وقف إطلاق رسمياً صبيحة يوم 24/6/2025.  وتصاعد ذلك الجدال بصورة أكبر [...]

محددات ثقافة المقاومة استراتيجياً وفي اللحظة الإيرانية الراهنة

  إبراهيم علوش – الميادين نت كثيراً ما ينتهي الخلاف عربياً بشأن الموقف من إيران، مع الذين يتخذون موقفاً "محايداً" منها، أو معادياً لها بصراحة، في ظل احتدام المعركة الضارية مع العدو [...]

لعبة “الشرطي السيئ، والشرطي الأسوأ” في الضربة الصهيو-أمريكية على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت لا يمكن القول إن الضربة الكبيرة التي شنها الكيان الصهيوني على إيران فجر الجمعة كانت غير متوقعة، لا بسبب التهويل والتهديد المستمرين، فهذان كان يمكن تصريفهما في [...]

سيناريوهات حرب أوكرانيا بين الاستنزاف المطول والحل التفاوضي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على إيقاع هجمات متبادلة تزداد ضراوةً وعمقاً، يمكن وصف مفاوضات إسطنبول بين موسكو وكييف بأنها مسرحية تؤدى لعيون ترامب فحسب، بطلاها خصمان لدودان لا يطيق أحدهما [...]
2025 الصوت العربي الحر.