إبراهيم علوش
تناقلت وسائل أعلامية مختلفة تصريحات لمحمود عباس يقول فيها أنه يؤيد الكونفدرالية مع الأردن بشرط أن يكون الكيان الصهيوني جزءاً منها، بعد أن طرح عليه ترامب هذه الفكرة.
والحقيقة أن مثل هذا الكلام ليس جديداً البتة، بل هو أحد الخيارات الرئيسية المطروحة للمشروع الصهيوني في المنطقة، وكانت قد طرحت في مشروع بيريز بيلين في نهاية التسعينات، و يذكر أن المجلس الوطني الفلسطيني الثالث عشر في الجزائر سنة 1983 أقر فكرة الكونفدرالية مع الأردن، وكان ذلك في سياق السعي لفتح آفاق دخول منظمة التحرير على طاولة المفاوضات عبر البوابة الأردنية، كما أن فكرة الكونفدرالية تم طرحها مراراً خلال التسعينيات، ومن ثم مجدداً من قِبل ياسر عرفات بعد أسبوع من وفاة الملك حسين. وقيل وقتها أن ذلك جاء لتذليل مخاوف اليمين الصهيوني من قيام دولة فلسطينية، وتجاوباً مع مشروع بيريز بيلين، في نهاية التسعينيات أيضاً، الذي جدد طرح فكرة الكونفدرالية الثلاثية، باعتبار أن الدولة الفلسطينية سوف تعلن انضمامها لكونفدرالية مع الأردن بعد يومٍ أو يومين من قيامها، لتكون عمان عاصمتها، مما يساعد على تجاوز “عقدة القدس” في المفاوضات…
وفي بداية عام 2010، بدأت تفوح من جديد رائحة مشاريع الكونفدرالية الثلاثية، أو البنولوكس، أو “كونفدرالية الأراضي المقدسة”، خصوصاً بعد استطلاع الرأي الذي قامت به الإدارة الأمريكية، عبر السفارة الأمريكية في بيروت وشخصيات متصلة بها، لبعض النخب الفلسطينية والأردنية و”الإسرائيلية”، ولبعض الشخصيات اللبنانية والمصرية، حول مدى تقبلها لمشروع الكونفدرالية الثلاثية. وقد ترافق ذلك طبعاً مع تعثر حل “الدولتين”، وتنفيس كل الزخم الذي انطلق به أوباما في “العملية السلمية”. وكانت إدارة الرئيس الأسبق كلينتون قد أجرت دراسة عام 1999 حول مشروع الكونفدرالية نفسه بعد تنصل “إسرائيل” من تنفيذ بنود اتفاقية أوسلو.
وقد نشرت صحيفة “القدس العربي” في بداية عام 2013 تقريراً عن مباحثات أردنية-فلسطينية حول مشروع الكونفدرالية بعد زيارة الملك عبدالله إلى رام الله، مشيرةً إلى أن أبعاد تلك الخطوة تتضمن شطب فكرة “حق العودة” واستكمال دائرة التهويد في فلسطين. ويبدو أن ذلك جاء على خلفية ذكر وزير الخارجية الأمريكي جون كيري صراحة لفكرة الكونفدرالية خلال جولاته المكومية لإعادة إحياء المفاوضات بين السلطة الفلسطينية والكيان الصهيوني في سياق مشروع “السلام الاقتصادي”. وبرز ذلك أكثر ما برز على هامش ملتقى دافوس في الأردن في أيار عام 2013 من خلال مفاوضات وظهور إعلامي مكثف أردني-فلسطيني-صهيوني، برعاية أمريكية. وقال الدكتور عبد الرؤوف الروابدة في محاضرة في الجامعة الأردنية في شهر تشرين الأول عام 2014، عندما كان لا يزال رئيساً لمجلس الأعيان، أن الأردن هو أوثق الأقطار العربية ارتباطاً بفلسطين، فهو الأقرب لها من حيث التاريخ والحدود والعلاقات والمصالح والتداخل السكاني، علاوة على روابط العروبة والدين، حتى يصح القول أنهما وحدة حضارية واحدة.
كذلك نقلت مواقع مختلفة على الشبكة العنكبوتية في 21 أيار 2016 عن رئيس وزراء الأردن الأسبق عبد السلام المجالي، الذي وقع معاهدة وادي عربة عن الطرف الأردني، أنه يؤمن بالكونفدرالية بين الأردن وفلسطين، بعد قيام دولة فلسطينية، وأنه يرفض مطالبات نتنياهو المتكررة بإقامتها الآن (قبل قيام الدولة الفلسطينية). وقد نقل عن المجالي إدلاؤه بتلك التصريحات خلال زيارة لمدينة نابلس في الضفة الغربية، حيث التقى بمئة شخصية من المدينة، وكان مما قاله خلال تلك الزيارة: “الكونفدرالية تعني مجلساً تشريعياً مشتركاً وحكومة مشتركة مناصفة وأن السلطة العليا تكون لها ثلاث مهمات، أمن واقتصاد وخارجية وباقي المهمات تكون من صلاحيات الحكومة المشتركة ويجب إنهاء المركزية في الحكم وإعطاء الصلاحيات وما يختاره الشعب”. وجاء ذلك في سياق تصاعد الحديث عن “حل الثلاث دول”، كبديل عن “حل الدولتين” أو “الدولة الواحدة”، وتصاعد التأييد الفلسطيني له بحسب استطلاعات للرأي أوردها تقرير لموقع “مونيتور” في 30 أيار 2016، وبروز عدد من الأصوات المحبذة لمثل ذلك الحل على الجانب “الإسرائيلي”، مثل الدبلوماسي السابق أوري سافير وضابط الاستخبارات العسكرية السابق يوني بن مناحيم، بحسب تقرير موقع “مونيتور” أيضاً.
وكان أوري سافير قد نشر مقالةً في موقع “مونيتور” في 10 أيار 2015 دعا فيها لكونفدرالية فلسطينية-أردنية على طريق تحقيق بنلوكس اقتصادي ثلاثي أردني-فلسطيني-“إسرائيلي” ناقلاً على لسان مسؤول فلسطيني رفيع، لم يسمه، أن فكرة الكونفدرالية الأردنية-الفلسطينية يتم بعثها حالياً. وكان موقع جريدة “رأي اليوم” قد نشر في 14 أيار 2016 تقريراً عن استطلاع للرأي أجرته جامعة النجاح أظهر أن 42،3% من المستطلعة أراؤهم من الفلسطينيين يؤيدون اتحاداً كونفدرالياً مع الأردن “كحل لاحتلال “إسرائيل” للضفة الغربية”، فيما يعارض ذلك الاتحاد 39،3% من العينة. ولنلاحظ هنا أن ثمة ميلاً للقفز عن فكرة “إعلان الدولة”، وهو الإعلان الذي يمكن أن يأخذ طابعاً كاريكاتورياً، كما حدث أكثر من مرة من قبل، من دون تغيير حقيقي على الأرض، يكون في الواقع لا أكثر من حكم ذاتي موسع في الضفة باسم “دولة”… وتلك هي بالضرورة عاقبة التخلي عن مشروع التحرير!
للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/photo.php?fbid=2310924988924723&set=a.306925965991312&type=3&theater