الرئيس الفرنسي معكرون في بيروت

August 7th 2020 | كتبها

عندما راحت هيلاري كلينتون تسرح وتمرح في ميدان التحرير عام 2011 كان ذلك من أول المؤشرات على أن “الربيع العربي” ليس ثورة إنما ثورة مضادة.. إذ ليس من المنطقي أن يحتفي ثوار حقيقيون برموز منظومة الهيمنة الغربية كأنهم فرسان فيلم هوليودي يلجون الغروب على حصانٍ أبيض..

كذلك جاء تجول الرئيس الفرنسي معكرون وسط “الثوار” في بيروت مؤشراً آخر على أن تلك “الثورة” بدورها هي ثورة مضادة، على الرغم من مشروعية بعض المطالب التي تطرحها، إنما العبرة بالمآل السياسي في المحصلة: ضد أي محور، ومع أي محور؟ وبعد حسم تلك النقطة بالذات، تصبح الشعارات “الثورية” الجميلة محض هراء..

أما حين يطالب “الثوار” بعودة الانتداب الفرنسي (آلافاً وقعوا عريضة تطالب بعودة الانتداب الفرنسي)، فإن ذلك يجعلهم من الأقدام السود فحسب Les pieds-noirs، بقايا الاحتلال الفرنسي في لبنان، ممن لا يملكون مشروعية لبنانية أو عربية أو حتى فرنسية، فهم لقطاء فرنسا في لبنان، تركتهم ولم تلتفت إليهم بالرغم من مناشداتهم بعودة الانتداب، فلا هي ترغب أو تستطيع أن تضمهم تحت جناحها الاستعماري لو رغبت، لأن الزمن فات، وفرنسا ترغب بتوظيفهم سياسياً ضد محور المقاومة، ولكنها غير قادرة أو معنية بعودة الاستعمار المباشر للبنان، لا سيما في ظل منافسة مباشرة، تحت سقف الناتو، مع الطرف الأمريكي-الصهيوني..

المشكلة تبقى بعقدة النقص.. آلاف المتطوعين اللبنانيين ممن انتشلوا الأحياء والأموات من تحت الركام يتم تجاهلهم، أما الفريق الفرنسي الذي أنقذ اثنين، فقد حظي بالاهتمام الاعلامي.. معكرون رفض مصافحة القادة اللبنانيين بذريعة كورونا، ولكنه عانق عشرات “الثوريات” أمام الكاميرات.. يا للمهزلة!

يتحدث معكرون عن ضرورة “تغيير النظام” جذرياً في لبنان، ولكن أليست فرنسا هي التي وضعت وأرست أسس النظام اللبناني الذي أنتج منظومة الفساد على قاعدة المحاصصة الطائفية، تماماً كما فعل الاحتلال الأمريكي في العراق بعد عام 2003؟

المشكلة حقيقةً في عقدة النقص إزاء الغربي.. وبكل صراحة، تجد القومي واليساري والإسلامي في وطننا العربي يبحث عن مصداق طرحه، في الكثير من الحالات، ولا نعمم، في شهادات الغربيين وفي تاريخهم وتراثهم الفكري، أما الليبرالي فهو متغرب بالتعريف، وفي لبنان يجتاح التغريب كل التيارات، بصراحة، حتى أن محور المقاومة مضطرٌ لأخذ التغريب بعين الاعتبار كعامل محلي له وزنه واعتباره، للأسف..

أن يسير الرئيس الفرنسي معكرون في الشارع في بيروت، وأن يعانق الكثير من “الثوريات”، فيما لا يستطيع مسؤول لبناني أن يقترب منهم أمتاراً من دون أن يتعرض للإهانة والسباب والتحطيم، مؤشرٌ على أن ثمة خللاً كبيراً في الثقافة السياسية السائدة، وبعد ذلك، لا يعود مستغرباً أن تدور البوصلة ضد المقاومة فيما يبدو تمريناً في البديهيات.. من صاحب المصلحة في تفجير مرفأ بيروت في مثل هذه المرحلة بالذات؟!

إبراهيم علوش

https://www.facebook.com/photo.php?fbid=3882974778386395&set=a.306925965991312&type=3&theater

الموضوعات المرتبطة

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]

مسألة هوية “سوريا الجديدة”: برميل بارود برسم الانفجار

  إبراهيم علوش – الميادين نت يبدو أن هناك تواطؤاً سورياً عاماً، من جراء إرهاق الحصار ربما، ووطأة سنوات القتال، على تمرير "المرحلة الانتقالية"، ريثما تتضح معالم ما يسميه البعض "سوريا [...]
2025 الصوت العربي الحر.