حول مفهوم العروبة في ذهنية الشارع العربي اليوم*
لا تعيش الفكرة القومية أفضل حالاتها في وطننا العربي اليوم، وذلك مكمن الضعف الذي لا بد من أن نضع الإصبع عليه. فرخاوة الانتماء القومي والوطني عند بعض شرائح الشعب العربي كان الثغرة التي نفذ عبرها أعداء الأمة لتخريب عدة بلدان عربية ولاستهداف الانتماء القومي لكل الأمة من خلال ما يسمى “الربيع العربي”. ومن هذه الحلقة الضعيفة يجب أن نبدأ لكي نسأل الأسئلة الصعبة: كيف وصلنا إلى مثل هذه الحال؟ وكيف نخرج منها؟ وكيف نتصدى بنجاح لمعضلات المرحلة التاريخية الراهنة التي تواجه التيار القومي وأمتنا ككل؟
تلك كانت إحدى أهم رسائل الرئيس الأسد في الملتقى العربي لمناهضة الحلف الأمريكي-الصهيوني-الرجعي العربي قبل سنواتٍ في 14 تشرين الثاني 2017، وهي فكرة ما برحت تلخص مشكلة العروبة في زماننا الراهن. فالفكرة العروبية، بحد ذاتها، تعيش اليوم بين متناقضين: حقيقتها كهوية وانتماء وكرابط حضاري تكرّس عبر العصور يجمع الشعب العربي في بوتقة واحدة، وواقع الأمة العربية الراهن الذي تطغى عليه النوائب والكوارث من المحيط إلى الخليج الذي لا يسر محباً، ولا يقبله شريفٌ في وطننا العربي الكبير.
للأسف، غابت العروبة عن وعي كثيرين في الشارع العربي اليوم، أم أن وعيَهم هو الذي غاب؟ فالعروبة في أذهان كثيرين باتت تعني السوء والإرهاب والتكفير والنظام الرسمي العربي المتهاون والمطبّع مع العدو الصهيوني والتابع للغرب، غير أن تلك ليست حقيقة العروبة الأصيلة، فالعروبة لا تمثلها تلك الأنظمة، ولا تعبر عنها أبواق الغرب والصهيونية التي تتشدق زوراً باسم العروبة وهي تدمر اليمن مهد العروبة بعد أن عملت على تدمير العراق وليبيا وسورية، إنما العروبة هي نحن، أبناء هذه الأمة الذين نحمل نَفَسَها في ضادنا وكرامتنا، وهي التي نشعر بألمها في حصارنا وندافع عنها حتى في خبزنا ووقودنا المنحسر، العروبة هي ناسها، لا أنظمتها، وهي أخلاقنا السمحة لا تكفيرهم، وهي تراثنا الذي تغذى على الزيتون والتمر والقمح والشعر والخير على مدى العصور، إنها نحن لا هم، فكيف نتخلى عنها لأعدائها الذين اتخذوا اسمها زوراً ليعهروها، وهي الشرف بعينه؟!
أرادوا للعروبة أن تصبح غطاءً للتكفير والإرهاب والتطبيع والمذلة، وهي لنا، هويتنا، رابطنا، انتماؤنا، لا قناعهم المزيف… أرادوها أن تصبح جاريةً في سوق النخاسة الدولية، ونحن منها ولها نراها سيدة التاريخ والمساحات الفسيحة بين البحر والمحيط ولغة الله على الأرض وحاملة القرآن الكريم. أرادوها مهزلة، ونحن نعرفها من القلبِ أمّنَا وأبانا وجدَنا وجَدّ جَدِنا وجدَه البعيد وأبعد. لكنها تأبى أن تهاترهم، فإن عزفنا عنها لن تذهب إليهم، لأنهم ليسوا كفواً لغبار نعلها، لكنها سوف تتركنا يتامى التاريخ إن لم نُجِد الحفاظ على ذاتنا بها. إنها صوتُنا، لا صوتهم، وهي الكريمة العزيزة العالية، مأساتنا مأساتها، وإنها علينا لمحزونةٌ، وحزنُنا يبدو واضحاً على قسماتها، لكنها لا تصرّح، فإباؤها لا يفهمه إلا العروبيون.
سوريّة وحدها، من رحم الآلام والمعاناة، من ثنايا الحرب والحصار والإرهاب والتكفير، لن تسقُط أو تسلّم، ولن تُسقِط العروبة من قلبِها لأنها قلبُها، عروبتُها مقاومة، ومقاومتُها عروبة، لذا لن ترى علماً أبيض فوق ساريتها مهما اشتد الألم، ولن تراها ترفع يديها متضرعةً لأعدائها، أعداء العروبة، إنها البوصلة التي لا تخيب… سوريّة، إذا كنت عروبياً، إما أن تكون معها، أو أن تكون معها، وإذا كنت سورياً، فالله معك، لأنك تقود اليوم ملحمة العروبة دفاعاً عن نفسك، بلحمك المر وعزمك الكبير.
إبراهيم علوش