أي حملة مقاطعة ل”إسرائيل”؟ ولأي هدف؟ On the BDS Campaign

December 16th 2010 | كتبها

 

د. إبراهيم علوش

 السبيل 16/12/2010

ثمة حركة في الشارع الغربي لمقاطعة الكيان الصهيوني وللدعوة لسحب الاستثمارات من اقتصاده، ولفرض العقوبات عليه.  وهي حركة باتت تزعج الكيان الصهيوني إلى حد اقترح معه خمسةٌ وعشرون نائباً في الكنيست الصهيوني قراراً مناهضاً لتلك المقاطعة في 9/6/2010 ينص، فيما ينص عليه، على اقتطاع أي تعويضات للمستعمرين اليهود في الضفة الغربية من الأموال الموجهة للسلطة الفلسطينية، وعلى معاقبة أي “إسرائيلي” يشارك في حملة مقاطعة الكيان الدولية، ومنع أي متضامن دولي مع حملة المقاطعة من دخول الكيان الصهيوني عشر سنوات على الأقل.

 

وقد بدأت حملة مقاطعة الكيان الصهيوني في 9/7/2005 بدعوة من “منظمات غير حكومية” فلسطينية، ودولية متضامنة معها، لمقاطعة الكيان وسحب الاستثمارات منه ومعاقبته دولياً، وجاء ذلك الإعلان في الذكرى الأولى لقرار محكمة العدل الدولية باعتبار الجدار العازل غير مبرر من وجهة نظر القانون الدولي. 

 

وقد انطلقت منذ ذلك الوقت حملة دولية كبرى تحت عنوان “حركة المقاطعة العالمية” Global BDS Movement نجد على موقعها على الإنترنت في 14/12/2010 أنها تتبنى البرنامج السياسي لحركة المقاطعة التي أطلقتها المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في عام 2005.  وتلك نقطة مهمة جداً سنعود إليها بعد قليل.

 

ومن الواضح إذن أن الحركة الصهيونية منزعجة من هذه الحملة، وأنها أطلقت حملات مضادة إعلامية وسياسية لمحاصرتها، وصلت مثلاً إلى حد قيام اللوبي اليهودي الفرنسي، والحكومة الفرنسية، برفع قضايا في المحاكم الفرنسية ضد الناشطين الذين شاركوا باحتجاجات ضد المؤسسات الفرنسية المتعاملة مع الكيان الصهيوني في خضم العدوان على غزة!

 

وتتحرك حركة المقاطعة حالياً على ثلاثة أصعدة بشكل خاص هي: 1) المقاطعة الأكاديمية والثقافية للجامعات والمؤسسات الثقافية “الإسرائيلية”، 2) المقاطعة الاستهلاكية للمنتجات “الإسرائيلية”، و3) المقاطعة الرياضية.

 

ومن الطبيعي أن أي مواطن أو إنسان مخلص لقضية فلسطين لا يمكن أن يعارض مقاطعة الكيان الصهيوني، أو سحب الاستثمارات منه، خاصة في ظل التهتك الاستسلامي في الموقف الرسمي العربي، ومنه موقف السلطة الفلسطينية التي تستمد وجودها من التنسيق الأمني والسياسي مع العدو الصهيوني.   ومن الطبيعي أن تتقاطع الدعوة لمقاطعة الكيان الصهيوني موضوعياً مع، وأن تكمل، النشاط المقاوم للتطبيع على المستوى الشعبي العربي. 

 

ومن الطبيعي أيضاً أن الطريقة المذلة التي يتعامل بها العدو الصهيوني مع مبادرات السلام العربية- ولا نقول أنها مبادرة واحدة فحسب -، إزاء تمسك الأنظمة والسلطة بخيار المفاوضات وبمحاصرة المقاومة وكل أشكال دعمها، يجعل حركة المقاطعة الدولية تبدو كنسمة من الهواء العليل فوق مستنقع الركود العربي رسمياً وشعبياً، فيما يفترض أن العرب هم الأولى بالدفاع عن قضيتهم الفلسطينية والأكثر مبادرةً في تحريكها بكل الوسائل، وعلى رأسها المقاومة المسلحة طبعاً.

 

غير أن تلك المفارقة المنبثقة من الحالة الراهنة للوضع الرسمي والشعبي العربي،  مقابل الحراك الأوروبي والعالمي الصغير ولكن المتصاعد، بمقدار ما يمكن أن تثيره من مشاعر الامتعاض في بعضنا، لا يجوز أن تفقدنا القدرة على تقييم حركة المقاطعة الدولية سياسياً، أو القدرة على رؤية أبعادها الموضوعية، وبالأخص لا يجوز أن تدفعنا للتخلي عن أهدافنا الإستراتيجية وثوابتنا المنصوص عليها في الميثاق الوطني الفلسطيني غير المعدل… مقابل نسمة من الهواء العليل!

 

فبيان المنظمات غير الحكومية الفلسطينية الصادر في 9/7/2005، والذي تعلن حركة المقاطعة الدولية على موقعها على الإنترنت أنها تتمسك بمضمونه وأهدافه، ينص على أن هدف الحركة هو: أ – انسحاب “إسرائيل” من الأراضي العربية المحتلة، ب – تحقيق المساواة لمواطني “إسرائيل” الفلسطينيين العرب، ج – احترام حق العودة كما نص عليه القرار 194.

 

باختصار، تنطلق حركة المقاطعة مما تسميه “الشرعية الدولية”، وبالتالي من الاعتراف بحق الكيان بالوجود، وما نصت عليه القرارات الدولية حول الكيان.  ويمكن لمن يرغب أن يبحث على الإنترنت عن المواد التي تثبت أن القرار 194 لا يؤسس للعودة أبداً بالمناسبة، إذا كان ذلك القرار هو أفضل ما جادت به “الشرعية الدولية” علينا.

 

هذا السقف السياسي المتهدل فرضه للأسف الفلسطينيون الذين دعوا لحركة المقاطعة بالمناسبة، ولا نلوم المتضامنين الدوليين عليه أبداً، إذ لا يمكن أن يكونوا ملكيين أكثر من الملك بالتأكيد.   ولكن، بغض النظر عن ذلك، فإن المآل السياسي لحركة المقاطعة هو الدعوة للتعايش، “على غرار جنوب أفريقيا”، وتسليم الأمر إلى “الشرعية الدولية” التي أعطت فلسطين لليهود وحاصرت العراق الخ… وهذا لا يمكن أن يكون مطمئناً لكل الأسباب المعروفة.

 

من ناحية أخرى، يركز الخطاب الإعلامي للقائمين على حركة المقاطعة ل”إسرائيل” تكراراً على أنها: أ –  بديل سلمي للعمل المسلح ضد الكيان، ب – تضم في صفوفها يهوداً “إسرائيليين”،  وج – تدعو “الإسرائيليين” للتعاون معها، لتصبح بذلك قناةً للترويج للتعايش بيننا، حتى قبل التحرير، مع أن “التحرير” ليس من مفرداتهم أبداً، ومع أن التحرير يعني رحيل المحتل، لا التعايش معه!  كما أنهم لا يذكرون شيئاً عن عروبة أرض فلسطين!

 

من المهم التذكير إذن أن العمل السياسي والإعلامي والقانوني والثقافي في الغرب أو في الوطن ليس شيئاً إن لم يكن متمماً للعمل المقاوم الميداني على الأرض، لا إجهاضاً سياسياً له، وأن لم يكن هدفه التأكيد على عروبة أرض فلسطين كاملة، لا الاعتراف ب”إسرائيل” من أجل كسب… ماذا؟  إذا خسرنا أنفسنا!!!

 

وعلى كل حال، ربما تزعج هذه الحركة الكيان الصهيوني نوعاً ما، أما التحرر الحقيقي   فلا يأتي إلا بالمقاومة المباشرة للكيان على الأرض وفي محيطه.  وهذه الحركة التي تستمد وهجها من الشلل الذي تفرضه الأنظمة العربية على الشارع العربي – وهي حركة تزداد فاعليتها بمقدار ما تتصاعد المقاومة بالمناسبة – ربما تشكل يوماً ما، عندما يستعيد الشارع العربي عنفوانه، مقدمة لحركة تضامن دولية حقيقية مع قضيتنا، تستمد صلابتها من صلابة موقفنا، وتؤيد قضيتنا بشروطنا.

 

 

 

 

 

 

الموضوعات المرتبطة

لعبة “الشرطي السيئ، والشرطي الأسوأ” في الضربة الصهيو-أمريكية على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت لا يمكن القول إن الضربة الكبيرة التي شنها الكيان الصهيوني على إيران فجر الجمعة كانت غير متوقعة، لا بسبب التهويل والتهديد المستمرين، فهذان كان يمكن تصريفهما في [...]

سيناريوهات حرب أوكرانيا بين الاستنزاف المطول والحل التفاوضي

  إبراهيم علوش – الميادين نت على إيقاع هجمات متبادلة تزداد ضراوةً وعمقاً، يمكن وصف مفاوضات إسطنبول بين موسكو وكييف بأنها مسرحية تؤدى لعيون ترامب فحسب، بطلاها خصمان لدودان لا يطيق أحدهما [...]

مفهوم “السياسة الصناعية” وموسم العودة إلى فريدريك لِست Friedrich List

  إبراهيم علوش – الميادين نت لم يستفز الاستراتيجيين الأمريكيين شيءٌ مثل مبادرة "صنع في الصين 2025"، وهي خطة عشرية أطلقت سنة 2015 أيضاً لتطوير عشرة قطاعات تصنيعية صينية، من بينها الذكاء [...]

الصراع الصيني-الأمريكي من أجل إعادة صياغة المنظومة الدولية

  إبراهيم علوش – الميادين نت كثيراً ما يستفز "برود" الصين، في مواجهة التغول الأمريكي، أنصار التعددية القطبية ودعاة التحرر من الهيمنة الأمريكية حول العالم. فالصين، ثاني أكبر اقتصاد [...]

حصاد زيارة ترامب الخليجية: صفقات كبرى، ومنافسة الصين

  إبراهيم علوش – الميادين نت يصر تقرير في موقع "مجلس الأطلسي" (Atlantic Council)، في 13/5/2025، بشأن زيارة الرئيس ترامب إلى السعودية وقطر والإمارات، بأن هدف الزيارة يتلخص بأمرين: أ – عقد صفقات تجارية [...]
2025 الصوت العربي الحر.