كيف انتصرت انتفاضتا تونس ومصر؟/ ناجي علوش

February 17th 2011 | كتبها

ناجي علوش

السبيل 17/2/2011

لأن أبناء الوطن العربي ملوعون من كثرة خيبات الأمل وعمليات الفشل المتكررة، قد يسأل سائل: كيف نجحت انتفاضة تونس، وانتفاضة مصر، حيث فشل غيرهما؟

نرى أن النجاح يعود للأمور التالية:

أولاً: القضية المطروحة واضحة، وهي الاستبداد والفساد، ومع أن قضية التبعية للغرب، والتطبيع مع العدو الصهيوني لم تطرحا بنفس الحدة، فإنهما مفهومتان ضمناً كسببي نقمة على النظامين من جملة الأسباب الأخرى، ولا ننسى أن الهتاف ضد عمالة حسني مبارك للأمريكان في ميدان التحرير، وضد التطبيع مع الكيان الصهيوني، كانا جزءاً أساسياً من خطاب الثورة الشعبية المصرية.

ثانياً: اتفاق الرأي العام الشعبي في تونس ومصر اتفاقاً تاماً مع الذين يطرحون قضيتي الاستبداد والفساد، لأن الاستبداد قائم وفاحش، وغير متستر، يشعر به كل الشعب، أما الفساد، فإنه مستهتر ومكشوف، ولا تغطيه ألاعيب المتلاعبين، وكل مساحيق المداهنين…

ثالثاً: أن النشطاء الذين طرحوا قضيتي الفساد والاستبداد توجهوا إلى كل الشعب الذي يعاني من آثارهما، مما ساعد على استنفار فئات الشعب المختلفة، وخاصة الشباب الأكثر تأثراً بالاستبداد والفساد.

ورغم عدم وجود قيادة مركزية للتحرك، فإن النشطاء الذي قادوا التحرك حددوا بسرعة خطة ذكية تقوم، كما نستشف من حراكهم، على الركائز التالية:

أولاً: استمرار الحشد في العاصمة والأطراف، لإشغال حماة الاستبداد والفساد.

ثانياً: اختيار مكان إستراتيجي في العاصمة للتجمهر، مثل ميدان الحرية في القاهرة.

وقد استجابت الجماهير أكثر مما كان متوقعاً من النشطاء أنفسهم.  أما السلطات، فكانت تظن أن الجمهور غارقٌ في مشاكله، وأنه لن يتحرك، ولن يكفر بنعماتهم، وبالتالي، فإن تأمين حشد كافٍ وكبير أمر شبه مستحيل.  وقد استفاد النشطاء من غباء السلطات، وعدم قدرتها على فهم الواقع، بسبب ما يفبركه عملاؤها وكلابها، ولحسن الحظ، ترى السلطات الواقع بعيون عملائها المرتشين والسفلة والأغبياء.

وقد خدم غباء رجال السلطة النشطاء غير المجربين، لأن النشطاء قريبون من شعبهم، ويحسون بآلامه، ومصائبه، أما رجال السلطة فبعيدون عن الشعب، وغير قادرين على فهم أحاسيسه، مما أسهم بقوة في انتصار الانتفاضة التونسية والمصرية، وألهم أقساماً كبيرة من الشارع العربي خارج مصر وتونس.

وقد نجح النشطاء بتركيز هجومهم على السلطات، وعدم الانجرار إلى معارك جانبية، بين المؤيدين والمعارضين مثلاً، وهذا التوجه نحو الهدف الرئيسي مباشرةً، كان سبباً آخر من أسباب النجاح.

ونحن إذ نحيي أحرار تونس ومصر على الإبداعات التي قاموا بها، نطالب جماهير شعبنا عامةً، وقياداته السياسية والنقابية والثقافية بدراسة معمقة لانتفاضتي تونس ومصر لأننا سنحتاج للمزيد من الانتفاضات كلما اشتد الاستبداد واستشرى الفساد وتعمقت التبعية، خاصة أن انتفاضتي تونس ومصر لم تنجزا كل مهماتهما بعد، وأن القوى المضادة للانتفاضتين لا تزال تعمل على تطويق الثورتين سياسياً واختراقهما من الداخل.

ومما يثير الدهشة والإعجاب أن الانتصار تم دون وجود قيادة مركزية منظمة، بل بعمل يبدو عفوياً وبعيداً عن التنظيم.  ومع أن التنظيم ضروري في مثل هذه الحالة، ولا نجاح بدونه، مما يجعل ما يجرى يبدو وكأنه شواذ على القاعدة، وحالة غير عادية لانتفاضة شعبية جماهيرية شبه عفوية، إلا أننا بالرغم من كل شيء لا يمكن أن نفصل الانتفاضة المصرية عن الجهود الحثيثة للمعارضين المصريين على مدى سنوات طوال ضد التمديد والتوريث، وخلال العدوان على العراق أو على غزة، أو في سياق النضالات المطلبية للعمال المصريين، مما أحدث تراكماً سياسياً على الأقل، وأنتج رأياً عاماً باتجاه محدد، ولو لم ينتج قيادة تنظيمية وبرنامجاً مفصلاً ذا معالم واضحة.  ولا شك أن وسائل الاتصال الحديثة لعبت دوراً رئيسياً في تسهيل حراك الثورة خارج نطاق سيطرة الأنظمة القمعية، غير أن ذلك يبقى عاملاً مساعداً لا يستطيع أن ينتج ثورة شعبية بدون تراكم سياسي وعمل دؤوب معارض على مدى سنوات يبقى هو الأساس كما تفعل أمواج البحر فعلها في تشكيل الصخر.

وقد يقول قائل: لو كان ما جرى انقلاباً عسكرياً لتحقق كل ما تحقق في ليلة واحدة، ولم يحتج لثمانية عشر يوماً في مصر، وهذا صحيح، ولكن الانقلاب العسكري لا يعلم الجماهير كيف تتقن دورها.  فالانقلاب مؤامرة سرية تخلع حكاماً لتأتي بغيرهم، ربما يكونون أفضل منهم، وربما يكونون ظلَّاماً جدداً أكثر شراسةً ودهاءً في معظم الحالات، أما تعبئة الملايين ديموقراطياً فعملية باهرة وهامةً بحد ذاتها، وهكذا تتم الثورات الكبرى.

إن تجربتي تونس ومصر تعلماننا كيف نثق بوعي الجماهير وقوتها، وهما تجربتان ما زال من الممكن أن تحققا أهدافاً أكبر مما حققتاه، في تونس ومصر وخارجهما.

الموضوعات المرتبطة

ماذا يريد الكيان الصهيوني في سورية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت من بين مئات الأميال المربعة الجديدة التي احتلها الكيان الصهيوني جنوبي سورية منذ 8/12/2024، يبرز عالياً جبل الشيخ، على وجه الخصوص، أو جبل حرمون بحسب اسمه الكنعاني [...]

هل كل من يناهض حكومة نتنياهو أو إحدى سياساتها مناهضٌ للصهيونية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت تحتكم سياسة الكيان الصهيوني، في علاقته مع المحيط الذي فُرِض عليه، إلى عاملين وجدانيين نقيضين، لكنْ متكاملين، لطالما حكما موقف أهل الغيتو من "الأغيار" خارجه. [...]

روسيا وإيران وغزة والخيوط الرفيعة بين الحقيقة والظلال

  إبراهيم علوش – الميادين نت في بيئة تتسم بالسيولة، وخصوصاً قابلية أجوائها للتحول سريعاً من تصاعد التوترات إلى عقد الاتفاقات، وبالعكس، كما في حالة وقف إطلاق النار في غزة مثلاً، أو [...]

هل الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لآوانه؟

      إبراهيم علوش – الميادين نت يقف الطرف الأمريكي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب [...]

متى سيتجدد العدوان الصهيو-أمريكي على إيران؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت اندلع الجدال، غربياً، بشأن حجم الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني، حتى قبل إعلان ترامب وقف إطلاق رسمياً صبيحة يوم 24/6/2025.  وتصاعد ذلك الجدال بصورة أكبر [...]
2025 الصوت العربي الحر.