تغطية الصحافة الغربية لجوائز فيلم “خزانة المصابين” The Hurt Locker

March 16th 2010 | كتبها

تغطية الصحافة الغربية لجوائز فيلم “خزانة المصابين” The Hurt Locker:

 

النقاد والحكام حكمتهم اعتبارات تتجاوز التميز السينمائي

 

http://www.alarabalyawm.net/pages.php?news_id=216963

العرب اليوم، 16/3/2010

 

 

د. إبراهيم علوش

 

فيلم “خزانة المصابين”، أو “خزانة الألم” كما شاع اسمه في ترجمة غير دقيقة، كان أقل فيلم يحصد العائدات في تاريخ الأفلام التي نالت جوائز مهرجان الأوسكار السينمائي.  بالرغم من ذلك، فقد رُشح لجوائز الأوسكار التسعة لعام 2010، نال منها ست جوائز في 7/3/2010، كما اجتاح قبل ذلك جوائز أكاديمية الأفلام البريطانية (بافتا) التي أعلن عنها في 21/2/2010.    وقد مثل هذا الصعود المفاجئ لفيلم مغمور وفاشل تجارياً لغزاً وأمراً محيراً يحتاج إلى تبرير لدى جمهور الأفلام الأمريكية عالمياً وفي الولايات المتحدة، خاصة لمن يغيب البعد السياسي لنجاحه في الأوسكار… بعدما فشل فيما عدا الأوسكار (وبافتا طبعاً).

 

ومن هنا انبرى النقاد السينمائيون ليبرروا نجاح الفيلم الذي لم يسمع عنه إلا قلة من قبل بأثر رجعي.  وفيما يلي مراجعة لبعض أبرز ما كتب حول فيلم “خزانة المصابين”، بعد نيله الجوائز، في الصحافة الأمريكية والبريطانية.  ومعظمه محاولة ضرورية للتصدي لعلامة استفهام كبيرة، دون التطرق للبعد السياسي، أي العراق، وسعي هوليود لإعادة كتابة تاريخ الحرب على العراق، ولتصوير الدور الأمريكي في العراق بصورة إيجابية…

 

صحيفة الأل إيه تايمز LA Times واسعة الانتشار كتبت في 9/3/2010: “لا يقلل من فيلم “خزانة المصابين” بشيء، الذي كان فعلاً أفضل فيلم للسنة، ولا يقلل من الأداء الإخراجي المتميز الذي قامت به كاثرين بيغلو بشيء، أن نتكهن بأن أكثر من الاعتراف بالتميز كان خلف انتصار الفيلم في سباق الوصول لجائزة أفضل فيلم في منافسة حامية الوطيس”.

 

وبعد نيل فيلم “خزانة المصابين” جوائز بافتا البريطانية، كتب المعلق سباستيان شكسبير في صحيفة إيفنيغ ستاندرد اللندنية Evening Standard في 5/3/2010 رداً على الجنود البريطانيين الذين خدموا في العراق وأفغانستان واعتبروا الفيلم “سخيفاً”، “تافهاً”، و”غير دقيق تاريخياً أو عسكرياً”: “ليس من المفاجئ أن نعلم أن هذا القنص على فيلم “خزانة الألم” قد يكون مدفوعاً سياسياً.  فهنالك كثير على المحك وليس فقط المنافسة بين بيغلو وطليقها جيمس كاميرون، مخرج فيلم أفاتار.  وفيلم افاتار، مع أنه شكلياً فيلم خيال علمي،فإنه من بعض النواحي أكثر واقعية بكثير من فيلم “خزانة الألم” ويدخل في حقل الجغرافيا السياسية بشكل أكثر مباشرة…  لكن في النهاية لا يهم ما إذا كان فيلمٌ من الأفلام حقيقياً أم لا.  ما يهم هو فقط ما إذا كنت تصدق أنه حقيقي… وكما قال الرسام بيكاسو: الفن كذبة تجعلنا ندرك الحقيقة”!

 

وتعليقاً على غياب الدقة في تصوير التجربة العسكرية الأمريكية في فيلم “خزانة المصابين” كتب بول ريخوف، رئيس جمعية محاربي أمريكا القدامى في العراق وأفغانستان، في مجلة نيوزويك الأمريكية المعروفة في 24/2/2010، بعد ترشيح الفيلم لجوائز الأوسكار: “حتى اليوم، لو سألت معظم الأمريكيين عن فيتنام، فإنهم سيبنون رأيهم إجمالاً على أفلام شعبية مثل “القيامة الآن”، فيلم بلاتون Platoon (من كتابة وإخراج المحارب القديم في فيتنام أوليفر ستون)،  فيلم Full Metal Jacket، أو فيلم أوليفر ستون “مولود في الرابع من تموز”.  وفيلم “خزانة الألم” يحاول أن يعبر عن تلك التجربة، ولكن أولئك الذين خدموا في القوات المسلحة منا لم يملكوا إلا أن يتشتتوا بمجموعة من الأخطاء التي تدل ليس فقط على قلة الجهد المبذول في البحث، بل تدل في النهاية على قلة الاحترام للقوات المسلحة الأمريكية… فالأمريكيون يريدون أن يعتقدوا أنهم يعرفون حقيقة الوضع الميداني في العراق، ولكن حتى تعطيهم هوليود ووسائل الإعلام المعلومات الصحيحة، فإن تجربتنا ستظل تضيع في الترجمة…”.

 

وفي تقرير في 8/3/2010 لمات فورد، من الأسوشييتد برس، نقله موقع القوات الجوية الأمريكية، نقرأ ما يلي تعليقاً على عدم الدقة في تصوير التجربة العسكرية الأمريكية في فيلم “خزانة المصابين”: “معظم فنيي القنابل يتهمون الفيلم بأخذ حريات سينمائية لا يمكن أن تحدث أبداً في منطقة قتال، مثل مطاردة صانعي القنابل في الأزقة المظلمة وحدهم، أو التجوال حول بغداد بلا مرافقة في آليات الجيش… وست سنوات بعد الوقت الذي يفترض أن تكون أحداث الفيلم قد وقعت فيه، فإن التفجيرات لا تزال التهديد الرئيسي بالنسبة للعراقيين.  وفرق التخلص من القنابل ما برحت تقع على مخازن أسلحة وترد على الهجمات الصاروخية، ولكن طبيعة مهماتها تغيرت بشكل دراماتيكي، منذ عام 2004، تاريخ وقوع أحداث الفيلم”.

 

وقبل أن يشتهر فيلم “خزانة المصابين”، وقبل اعتراض عدد كبير من العسكريين الأمريكيين على انعدام الدقة فيه، تمكن أحد الخبراء العسكريين والإستراتيجيين الأمريكيين من التقاط العنصر السياسي الرئيسي في الفيلم فكتب على مدونة DefenseTech (التكونولوجيا الدفاعية) أن فيلم “خزانة المصابين” الذي امتدحه نقاد صحيفة النيويورك تايمز ومجلة النيويروكر وتايم ليس أهم فيلم لعام 2009، ولن يدرس بعد عشرين عاماً كما زعموا، كما أنه لا يصور التجربة العسكرية الأمريكية في العراق بدقة على الإطلاق، لكن أهميته تنبع من كونه “محاولة جيدة أولى لفيلم عن حرب العراق يتعامل أخيراً بشيء من العدل مع الرجال والنساء الذين يحاربون هناك.  إذ ربما نكون معه قد تجاوزنا أخيراً الفترة الطويلة المظلمة للأفلام التي يركبها ذنب أبو غريب والتي تخبرنا كم نحن سيئون كأمريكيين وكم كانت فكرة حرب العراق سيئة.  فهنالك كثير من البطولة والدراما والإثارة في رواية العراق والتي تمنح نفسها جيداً للشاشة الفضية دونما حاجة للجوء للنقد الأخلاقي… لذلك نقول برافو يا كاثرين (بيغلو) ويا مارك بوال (كاتب النص) لتحطيمكما عقدة ذنب حرب العراق بضربة قوية لأساسها.  ربما يؤدي هذا إلى تشجيع صانعي أفلام آخرين، واستديوهات أخرى، لدعم الأفلام المتنوعة التي يمكن صنعها من مادة الدراما البسيطة للمهمة التي تقوم بها قواتنا كل يوم في مناطق الحرب حول العالم”.

 

ويمكن أن يقرأ هذا التعليق بالإنكليزية على الرابط التالي لمن يرغب:

 

http://defensetech.org/2009/07/10/hurt-locker-is-a-blast-without-the-spark/

 

 

إذن، ليس لدينا شيء نحتفل به في نيل “خزانة المصابين” للجوائز.  فهو فيلم يقوم أساساً على أهميته السياسية والإعلامية في إعادة كتابة رواية الحرب على العراق بصورة تظهر الجندي الأمريكي والدور العسكري الأمريكي في العراق بصورة أكثر إشراقاً تعيد تكريس أسطورة التفوق العسكري والمعنوي والأخلاقي الأمريكي بعد سقوطها في العراق.   ففيلم “خزانة المصابين” نال الجوائز بقرار سياسي، وربما أمني، أمريكي وبريطاني. 

 

وفي النهاية، وكما سبق الذكر في مراجعة كاتب هذه السطور لفيلم “خزانة المصابين” في العرب اليوم في 9/2/2010: “… بمقدار ما ينجح فيلم “خزانة المصابين” فعلاً بالانتشار شعبياً في الولايات المتحدة، ولو بقرار من فوق، أي من خارج السوق وقانون العرض والطلب، فإنه سيحقق ذلك أولاً لأن المؤسسة الحاكمة بحاجة لتجاوز عقدة العراق كيلا تتحول إلى عقدة فيتنام  جديدة تعيق الحروب الخارجية الآن وفي المستقبل وفي جوار العراق، وثانياً لحاجة المؤسسة العسكرية لإعادة تجميع الصفوف وإعادة إنتاج التعاطف مع عسكرييها بعد انتشار معاداة الحرب بسبب خسائر أمريكا المادية والبشرية في العراق وأفغانستان”.  

الموضوعات المرتبطة

طلقة تـنوير 92: غزة وقضية فلسطين: أين مشروعنا؟

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 آذار 2024     محتويات العدد:    قراءة في أزمة العمل الوطني الفلسطيني / إبراهيم علوش    غزة: المعركة التي رسمت معالم المستقبل / [...]

طلقة تـنوير 91: الرواية الفلسطينية تنتصر/ نحو حركة شعبية عربية منظمة

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 كانون الثاني 2024        محور انتصار الرواية الفلسطينية في الصراع: - جيل طوفان الأقصى/ نسرين عصام الصغير - استهداف الصحفيين في غزة، [...]

طلــقــة تــنويــر 90: ما بعد الطوفان عربياً

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الثاني 2023 - الطوفان المقدس: غرب كاذب عاجز، ومقاومة منتصرة / كريمة الروبي   - بين حرب السويس وطوفان الأقصى / بشار شخاترة   - طوفانٌ يعمّ من [...]

طلــقــة تــنويــر 89: الهوية العربية في الميزان

  المجلة الثقافية للائحة القومي العربي - عدد 1 تشرين الأول 2023 محتويات العدد:   - مكانة الهوُية بين الثقافة والعقيدة: قراءة نظرية / إبراهيم علوش   - الهوية العربية بين الواقع والتحديات / ميادة [...]

هل القومية فكرة أوروبية مستوردة؟

  إبراهيم علوش – طلقة تنوير 88   تشيع جهالةٌ في خطاب بعض الذين لا يعرفون التراث العربي-الإسلامي حق المعرفة مفادها أن الفكرة القومية عموماً، والقومية العربية خصوصاً، ذات مصدر أوروبي مستحدث [...]
2024 الصوت العربي الحر.