فلسطينيو الأردن

May 12th 2010 | كتبها

د. إبراهيم علوش

السبيل 13/5/2010

المطالِبون بسحب جنسيات الفلسطينيين في الأردن يتجاهلون تماماً، كمن يطالبون ب”حق” العودة بناء على قرار 194 مثلاً، أن الطريق الوحيد لعودة اللاجئين إلى ديارهم كان ويبقى دوماً: تحرير فلسطين.  ولا عودة ضمن سياق أي رؤيا سياسية تعترف ب”إسرائيل” أو “حدودها الآمنة” أو “حقها بالوجود”.

وإذا كانت العودة مستحيلة بلا تحرير، فإن ذلك يعني أن من يطالب بحق عودة سوريالي، كمن يدعون لسحب الجنسيات، بغض النظر عن الديباجة، يلعبون ويتاجرون باللاجئ الفلسطيني أو بالفتنة الأهلية في الأردن، دون أن يؤذوا المشروع الصهيوني بشيء في المحصلة، إن لم نتهمهم أنهم يفيدونه إستراتيجياً. 

ومن يسعى لأن “يرتاح من العبء السكاني الفلسطيني” في الأردن، أو في لبنان بهذه المناسبة، أو في أي مكان أخر يرى البعض أن الفلسطينيين يشكلون فيه عبئاً، فإن عليه أن يدعم مشروع تحرير فلسطين بكل ما أوتي من قوة، وبمقدار ما يريد التخلص من الفلسطينيين…  ففي زمن الحلول البراغماتية لم يعد من المجدي أن نبني خطابنا على أرضية “عاطفية” زائلة أو “عقائدية” متيبسة، أليس كذلك؟!  

أما الحديث عن الفصل السابع من الميثاق الوطني الأردني، وما يطرحه من هويات نضالية فلسطينية أو أردنية “لا تتناقض مع بعضها” فلا يعني شيئاً على الإطلاق، إن لم يقترن بممارسة النضال فعلاً من أجل تحرير فلسطين، سوى إدامة الأمر الواقع على حاله.   فالهوية النضالية تعني فتح الحدود، ودفع الثمن، وعدم إطلاق النار على المقاومين في الظهر، ناهيك عن إعلان بطلان المعاهدات وقطع العلاقات وسحب الغطاء السياسي الذي تقدمه تلك المعاهدات والعلاقات لعملية تهويد الضفة الغربية والقدس التي تشكل المحرك الأساسي على الأرض لقاطرة الترانسفير، مع أو بدون القرار العسكري الصهيوني رقم 1650. 

وإذا كان “التورط” في دعم مشروع تحرير فلسطين مكلفاً، وهو كذلك بالتأكيد، خاصةً بالنسبة للشرائح الاجتماعية الفلسطينية والأردنية التي تستمد قوتها وسلطتها وعلاقاتها التجارية والمالية والسياسية من ممارسة الفساد والمقاولات الأمنية والسياسية والثقافية والاقتصادية لمصلحة الطرف الأمريكي-الصهيوني، فإن عدم دعم مشروع التحرير أكثر كلفةً للفلسطينيين والأردنيين على حد سواء: التوطين وتفجير البلد من الداخل.

والتحرير خيارٌ صعب بلا أدنى شك، يحتاج إلى بيئة عربية تتبناه، لكن يمكن على الأقل التهيئة له والدفع باتجاهه.   فإذا نشأت القواعد ومعسكرات التدريب وألغيت المعاهدة التي تكرس التوطين رسمياً في بندها الثامن، وتمنع التحريض و”الأعمال العدائية” الخ…  وبدأ مشروع التحرير فعلياً، ولو استغرق قرناً، سيتخذ الحديث عندها عن “سحب الجنسيات” بعداً أخر، يثير رعب الكيان الصهيوني فعلاً، يجب أن ندعمه بكل قوة.  

لكن حتى ينطلق مشروع التحرير جدياً تبقى الجنسية الأردنية الهوية القانونية لفلسطينيي الأردن، أما مطالبتهم بنسيان فلسطين أو التخلي عن المكون الفلسطيني لهويتهم السياسية فليس مشروعاً وطنياً شرق أردني، بل مشروع صهيوني.  فإذا انطلق مشروع التحرير، وهو ما يصعب أن ينطلق إلا بجهد عربي، قد لا تجد فلسطينياً يطالب بهوية “مستقلة” أو “قرار مستقل”.  وعلى كل حال، لا تنبع الهوية العربية من جوازات سفر أو حدود استعمارية أو قوانين.   لكن “سحب الجنسيات” قبل انطلاق مشروع التحرير جدياً مرفوضٌ لأنه يعني الفتنة بسبب تهديد الملايين بمعيشتهم وعائلاتهم ووضعهم القانوني.

أما “فك الارتباط” الذي أعلن عام 88، والهادف أساساً لتسهيل إيجاد مقعد لمنظمة التحرير الفلسطينية على مائدة المفاوضات، فقد حقق غرضه في رسائل الاعتراف المتبادل بين رابين وعرفات وفي اتفاقية أوسلو.  بالتالي فإن الحديث عن “دسترة فك الارتباط” اليوم يرتبط ببعد أخر يتعامل مع فلسطينيي الأردن كفائض لمعاهدات السلام التي تنتج التوطين موضوعياً حتى لو لم يرد فيه نصٌ.

يتعامل دعاة “سحب الجنسيات” – الذين يقدمون أنفسهم في العلن كدعاة “فك ارتباط” – مع الوجود الفلسطيني باعتباره عائقاً أمام “التطور الديموقراطي” للأردن، لكن هلا سألوا أنفسهم لماذا لم يكن كذلك في بداية الخمسينات؟!. 

الموضوعات المرتبطة

روسيا وإيران وغزة والخيوط الرفيعة بين الحقيقة والظلال

  إبراهيم علوش – الميادين نت في بيئة تتسم بالسيولة، وخصوصاً قابلية أجوائها للتحول سريعاً من تصاعد التوترات إلى عقد الاتفاقات، وبالعكس، كما في حالة وقف إطلاق النار في غزة مثلاً، أو [...]

هل الحديث عن “شرق أوسط جديد” سابقٌ لآوانه؟

      إبراهيم علوش – الميادين نت يقف الطرف الأمريكي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب [...]

متى سيتجدد العدوان الصهيو-أمريكي على إيران؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت اندلع الجدال، غربياً، بشأن حجم الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني، حتى قبل إعلان ترامب وقف إطلاق رسمياً صبيحة يوم 24/6/2025.  وتصاعد ذلك الجدال بصورة أكبر [...]

محددات ثقافة المقاومة استراتيجياً وفي اللحظة الإيرانية الراهنة

  إبراهيم علوش – الميادين نت كثيراً ما ينتهي الخلاف عربياً بشأن الموقف من إيران، مع الذين يتخذون موقفاً "محايداً" منها، أو معادياً لها بصراحة، في ظل احتدام المعركة الضارية مع العدو [...]

لعبة “الشرطي السيئ، والشرطي الأسوأ” في الضربة الصهيو-أمريكية على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت لا يمكن القول إن الضربة الكبيرة التي شنها الكيان الصهيوني على إيران فجر الجمعة كانت غير متوقعة، لا بسبب التهويل والتهديد المستمرين، فهذان كان يمكن تصريفهما في [...]
2025 الصوت العربي الحر.