الاتفاق النووي مع إيران

July 15th 2015 | كتبها

يخطئ من يظن أن اعتراف الولايات المتحدة والغرب ببرنامج إيران النووي، ورفع العقوبات المختلفة عن إيران، مما سيتيح لها أن تعزز اقتصادها وأن تلعب دوراً إقليمياً أكبر بالضرورة، هو نتاج المهارة التفاوضية للفريق الإيراني في فيينا فحسب. على العكس تماماً، جاءت النجاحات الإيرانية في التفاوض بسبب رفع إيران لسقف برنامجها النووي بشكل فرض على الغرب القبول بأكثر مما أرادته إيران أساساً. كما أن صلابة الموقف السياسي داخل إيران، والكوابح التي وضعها ذلك على الفريق المفاوض، وقدرة إيران على إسقاط قوتها ودورها الجغرافي-السياسي خارج حدودها، هو ما عكس نفسه على طاولة التفاوض، لأن أي اتفاق هو انعكاس لميزان القوى على الأرض، فالاتفاق يأتي ليكرس ميزان القوى رسمياً، لا ليغيره.

يعبر اتفاق النووي بالتالي عن تزعزع المكانة الدولية والنفوذ الإقليمي للولايات المتحدة والغرب، وهو ما نتج جزئياً عن فشل القوة الأمريكية في العراق وأفغانستان، وتخيلوا مثلاً لو اضطررت إيران لخوض هذه المعركة من دون وجود روسيا والصين في مجموعة ستة زائد واحد، كم كانت الأمور ستكون أصعب!! لهذا يمثل الاتفاق نصراً للتعددية القطبية، لا لإيران فحسب، كما أنه يمثل مدخلاً لكسر احتكار القوة النووية التي حاول الغرب على مدى عقود أن يحجبها عن دول العالم الثالث. يشكل الاتفاق النووي مع إيران إذن معركة بين قوة عالم ثالث صاعدة وقوى الهيمنة الخارجية انتصرت فيه القوة الصاعدة، كما أنه اتفاق أسهم بتصعيد التناقض داخل الولايات المتحدة بين إدارة أوباما واللوبي الصهيوني، وأسهم بوضع حدود للنفوذ الصهيوني في أوروبا وأمريكا، دون أن يكسره، كما أنه سيسهم بتغيير خريطة ميزان القوى في المنطقة لا مع الكيان الصهيوني فحسب، بل مع تركيا أيضاً.

الأنظمة العربية التي اصطفت مع الجمهوريين والحركة الصهيونية في هذه المعركة اصطفت على الجهة الخطأ من التاريخ، وسوف تدفع ثمن ذلك من وزنها الجغرافي السياسي في الإقليم، خصوصاً إذا اصرت على عدم التفاهم مع جارها الإقليمي. والاتفاق يمثل نسمة هواء عليلة لسورية ولحزب الله في لبنان ولليمن المعذب، ويساعد بدفع ملفات لبنان وسورية واليمن وغيرها باتجاه الحلحلة، وهذا أمر يدعو للتفاؤل من منظور عربي طبعاً.

لا تزال هناك مخاطر بالطبع: 1) إذا استغل الإصلاحيون في إيران الاتفاق لتعزيز نفوذهم في الانتخابات النيابية القادمة في إيران ووظفوا شعبيتهم لرسم مسار تصالحي مع الولايات المتحدة بحلحلة ملفات الإقليم على حسابنا، وهو ما تتمناه إدارة أوباما، 2) إذا عاد الجمهوريون والمحافظون الجدد للحكم في الولايات المتحدة عام 2016، 3) إذا ركبت الأنظمة العربية السائرة في ركب الجمهوريين والحركة الصهيونية رأسها وأصرت على خوض صدام طائفي قد يؤدي لتدمير كل المنطقة وتفكيكها.

بجميع الأحوال، نظل نقول لا غنى عن مشروع قومي نهضوي تحرري للمنطقة خاص بالعرب، لأننا سنبقى من دونه كريشة في مهب الريح، وسنبقى ملعباً بدلاً من أن نكون لاعبين، إذ مهما استفدنا من انتصار إيران في معركة الاتفاق النووي، وحلالٌ عليها نصرها الذي كسبته بصبرها وإرادتها وحسن إدارة مشروعها القومي، وحسن توظيف التناقضات الداخلية الإيرانية في توزيع الأدوار في علاقة الصراع مع الغرب، فإن ذلك لا يعفينا كعرب من ضرورة صياغة مشروعنا الخاص بنا، فحتى الحليف لا يحترم حلفاءه الضعفاء.

إبراهيم علوش
15/7/2015

للمشاركة على فيسبوك:
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1145346015482632&id=100000217333066&pnref=story

الموضوعات المرتبطة

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]
2025 الصوت العربي الحر.