June 10th 2010 | كتبها
admin
د. إبراهيم علوش
السبيل 10/6/2010
بعضنا بات يركن لراحة ضميرٍ أوهن من بيت العنكبوت بعد أن أقنع نفسه أنه وحده، لا يقوى على شيء، فهو لا يلام إن لم يفعل شيئاً، ليسلم نفسه بعدها لمتواليات اكتئابٍ وتصفيق، حسب ما يراه أو يسمعه على شاشة التلفاز. إنه يقعد منتظراً الفرج، فينتظر، ويتواكل، ويتقاعس… لكن الفرج لا يأتي، لأن الفرج لا يستحقه المتقاعسون والمتواكلون. فهل كتب علينا أن نبقى أمةً من المصفقين ننتظر الخلاص من خارجنا؟
وبعضنا لا يتواكل، ولا يتقاعس، بيد أنه لا يتحرك إلا بتأثير عواطفه الآنية، التي تتبخر حالما يمر الحدث الذي أثارها. ومثل هذا التحرك، بالرغم من أنه أفضل من عدمه، لأنه علامة حياة، ولأنه يرسل رسالة سياسية ما، فإنه لا يحدث تراكماً، وكثيراً ما يأخذ طابعاً تنفيسياً، بعيداً عن الهدف. فهل كتب علينا أن لا نتحرك إلا تحت وطأة حدثٍ رهيبٍ أو مجزرة مثل مجزرة أسطول الحرية؟
كلنا مع إعلان بطلان معاهدة وادي عربة، وقطع العلاقات مع العدو الصهيوني، وإغلاق وكر الجواسيس (السفارة الصهيونية) في الرابية، أليس كذلك؟ لكن معظمنا ما برح لا يدرك أن الأهداف العامة تتطلب أدوات عامة، أي أن المشكلة التي تصيب الجميع، لا يكون حلها فردياً، بل تتطلب عملاً جماعياً. لكن هذه الحلقة البسيطة بالذات هي الحلقة المفقودة من وعي من يتساءلون دوماً بكل سذاجة، وصدق، ماذا يستطيعون أن يفعلوا كلٌ بمفرده، ليخدروا ضمائرهم أساساً.
العمل الجماعي قد يتخذ عدداً لا نهائياً من الأشكال، من البسيط إلى المعقد، ومن النشاط المرتبط بحدث أو موقف ما، إلى النشاط طويل المدى. ومن أهم أشكال العمل الجماعي الممكنة في ظروف الوطن العربي: الاعتصامات والمظاهرات والإضرابات، وهي أدوات عمل سياسي شديدة الفعالية، على عكس ما يشيع البعض، وقد أسقطت سلمياً الاتحاد السوفييتي السابق، بدون إطلاق رصاصة واحدة، وأسقطت أنظمة بعض دول أوروبا الشرقية في بداية التسعينات، وأسقطت ماركوس في الفليبيين في الثمانينات، وشاه إيران في السبعينات، وأسقطت نظام باكييف في قيرغيزستان قبل شهرين تقريباً، وكادت تعصف بالحكم العسكري في تايلند على يد ذوي القمصان الحمر قبل أسبوعين. ومن ينكر دور الحراك الشعبي في تغيير الأنظمة والسياسات، نذكره بالحراك الشعبي في الأردن في الخمسينات الذي فرض منع انضمامه إلى “حلف بغداد” العميل للغرب وحلف الناتو، وأتى بسليمان النابلسي رئيساً للحكومة الوطنية الوحيدة في تاريخ الأردن المعاصر.
إذن يقتضي إحداث التغيير تحرك عدد من المواطنين الطليعيين بشكل جماعي لإيصال رسالة، حول رفض وجود سفارة للعدو الصهيوني في الرابية مثلاً، أو للقيام بإضراب، للمطالبة بنقابة للمعلمين الأردنيين مثلاً، الخ… ومثل هذا التحرك ممكن، ومحق، ودستوري، ويستند لقوانين ومعاهدات دولية بهذا الصدد سبق أن وقع الأردن عليها.
فهل نريد حقاً إعلان بطلان معاهدة وادي عربة، وإغلاق السفارة، وقطع كل العلاقات مع العدو الصهيوني؟ إذن دعونا لا نكتفي بتمني ذلك، أو بانتظار زلزال يبتلع السفارة ومن فيها (ومقر إقامة السفير بالمعية…)، فبإمكاننا ببساطة أن نحتشد قرب سفارة العدو الصهيوني لإيصال تلك الرسالة.
وهذا بالضبط هو ما بدأ بفعله عددٌ من الشباب منذ يوم 31/5/2010، حيث اعتصموا بشكل سلمي وحضاري على رصيف مسجد الكالوتي في الرابية قرب سفارة العدو الصهيوني كل مساء بين الثامنة والتاسعة لمدة سبعة أيام متتالية. وفي اليوم السابع، قرروا أن الاعتصام للمطالبة برفض وجود السفارة يجب أن يستمر، ولا يجوز أن يبقى دوماً ردة فعل على أخر مجزرة أو جريمة يرتكبها العدو الصهيوني، وكفى الله المؤمنين شر القتال! بل عقدوا العزم على جعل الاحتجاج على وجود السفارة الصهيونية على الأرض العربية الأردنية تقليداً سياسياً لا يرتبط بالحدث الراهن، لأنه موقفٌ مبدئي.
فإن كنتم ترون ذلك أيضاً، نراكم في اعتصام الكالوتي يوم الجمعة في السابعة مساء إن شاء الله…
هذا الموضوع كتب بتاريخ Thursday, June 10th, 2010 الساعة 3:43 am في تصنيف
مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال
RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك
اضافة رد, او
تعقيب من موقعك.
الموضوعات المرتبطة
إبراهيم علوش – الميادين نت
في بيئة تتسم بالسيولة، وخصوصاً قابلية أجوائها للتحول سريعاً من تصاعد التوترات إلى عقد الاتفاقات، وبالعكس، كما في حالة وقف إطلاق النار في غزة مثلاً، أو [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
يقف الطرف الأمريكي-الصهيوني هذه الأيام حائراً أمام معضلة كبيرة: إذا كان محور المقاومة قد سُحِق فعلاً، وصولاً إلى إيران الشهر الفائت، كما يزعم ترامب [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
اندلع الجدال، غربياً، بشأن حجم الضرر الذي لحِق بالبرنامج النووي الإيراني، حتى قبل إعلان ترامب وقف إطلاق رسمياً صبيحة يوم 24/6/2025. وتصاعد ذلك الجدال بصورة أكبر [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
كثيراً ما ينتهي الخلاف عربياً بشأن الموقف من إيران، مع الذين يتخذون موقفاً "محايداً" منها، أو معادياً لها بصراحة، في ظل احتدام المعركة الضارية مع العدو [...]
إبراهيم علوش – الميادين نت
لا يمكن القول إن الضربة الكبيرة التي شنها الكيان الصهيوني على إيران فجر الجمعة كانت غير متوقعة، لا بسبب التهويل والتهديد المستمرين، فهذان كان يمكن تصريفهما في [...]