اغتيال الكاتب والناشط السياسي الأردني ناهض حتر

September 25th 2016 | كتبها

في مجتمعنا العربي برمته، لا الأردني فحسب، هوةٌ علمانية-سلفية متزايدة، يزداد فيها الاستقطاب على الأطراف، ويقل عدد المستعدين للتعايش مع الاختلاف. مثل هذه الصيرورة سببها تقهقر المشروع القومي النهضوي العربي إلى أدنى مستوياته منذ انطلق مع محمد علي باشا في مصر، ومنذ تجدد في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مع المفكرين النهضويين المتنورين. ولا شك أن صعود الحالة الوهابية-التكفيرية بألوانها، التي غذتها الإمبريالية والبترودولار في مواجهة حركات التحرر الوطني، والاتحاد السوفياتي السابق، والقوى القومية واليسارية، يمثل انعكاساً مباشراً لتقهقر حركة التحرر القومي العربية.

لكن نقيض الحالة الوهابية-التكفيرية لا يمكن أن يكون العلمانية المتغربة التي يدعو لها البعض، التي تزيد من الاستقطاب في الشارع، وتغذي الوهابية التكفيرية، كما تغذيها الأخيرة. إن الرد الحقيقي على المشروع الظلامي الوهابي كان ويبقى المشروع القومي التنويري الذي لا يتخذ من الأصالة موقفاً استشراقياً معادياً، والذي يربط الحداثة بالمشروع القومي وظروف أمتنا، أي بمصلحة الأمة، لا بمقياس الابتعاد عن الأصالة.

لكن الواقع هو أن التكفير يتمدد شعبياً أكثر بكثير مما تتمدد العلمانية المتغربة، ومثل هذا التمدد يحمل في باطنه شروط فنائه، لأن التكفيري الذي يقتل أهل الفكر والرأي لا يليث أن يقتل زميله التكفيري على أدنى خلاف فكري أو سياسي، وهو ما نراه في كل مكانٍ من حولنا حيثما تواجد التكفيريون.

لقد اختلفنا مع ناهض في الكثير من الأمور، وفي طريقة معالجته للكثير من الأمور التي اتفقنا معه فيها، لكننا ندين جريمة اغتياله البشعة التي لم يُقتل فيها ناهض وحده، بل ذبحث معه حرية التعبير والاختلاف، وتم إرسال رسالة لكل مخالف بأن التكفيري من حقه أن يكفَر من يشاء، أما مخالفه فغير مسموحٌ له حتى أن يعبر. وهو ما يذكرنا مجدداً أن المجتمع الأردني غير معلق في الفضاء، ولا بد له أن يعود لاستيراد التكفير الذي صدّره إلى سورية وإلى غيرها مكثفاً، فحمى الله الأردن وأهله من شرور الفتنة.

من السابق لآوانة التكهن إن كان توظيفاً سياسياً قد وقع للوتر الحساس الذي لامسه ناهض حتر، والذي نراه مفتعلاً تماماً بالمناسبة، لتصفية حساب معه في شأنٍ إقليمي يتعلق بسورية والمقاومة أو في شأن أردني داخلي، إذ ترددت الكثير من الشائعات حول النقطة الأخيرة عندما طلب رئيس الوزراء هاني الملقي من وزير الداخلية اتخاذ إجراءات قانونية بحق حتر. لكن ما جرى من عملية اغتيال يذكرنا بأن توظيف المشاعر الدينية سياسياً لا مفر من أن يخرج عن السيطرة، ليغرقنا في بحور الدم، ويشعل بلداناً بأكملها.

باختصار، رحم الله ناهض حتر، فالقضية التي قُتل من أجلها تتجاوز الأردني والفلسطيني والمسلم والمسيحي، لتفتح جروح نكوص النهضة في وطننا العربي بأكمله.

 

للمشاركة على فيسبوك:

 

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=1457031944314036&id=100000217333066&pnref=story

 

 

الموضوعات المرتبطة

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]

ماذا تعني دعوة القوى الدولية لـ”حماية الأقليات” السورية؟

إبراهيم علوش – الميادين نت كفى بالمرء دليلاً على وجود نخبة عالمية متنفذة تُؤرجِحُ خيوط المشهد من خلف الستائر ومن أمامها أن يتزايدَ الانفتاحُ، دولياً وعربياً وإسلامياً، على النظام الجديد [...]

هل طوفان الأقصى “مؤامرة” على محور المقاومة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت على ضفتي سنة 2000، احتدم جدال في الساحة الفلسطينية، وبين المعنيين بالشأن الفلسطيني، بشأن العمليات الاستشهادية التي أثخنت الكيان الصهيوني رعباً وقتلى وجرحى.  [...]

ترامب يجابه الدولة العميقة على صعيدي المساعدات الخارجية وأوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت لأن أي تحول جوهري في بنية المؤسسة الحاكمة في الولايات المتحدة، وبالتالي في توجهاتها، تنعكس ظلاله بالضرورة على مصفوفة العلاقات الدولية، وبالتالي على مسار [...]

هل يصمد وقف إطلاق النار في غزة؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان لافتاً ضغط ترامب على نتنياهو للقبول باتفاق وقف إطلاق نار في غزة.  بات واضحاً أنه الاتفاق ذاته الذي عملت إدارة بايدن على صياغته في أيار / مايو الفائت، [...]
2025 الصوت العربي الحر.