ثلاث كلمات على هامش اللحظة الفلسطينية الراهنة: حول “معطف الريح”، تدريس “المحرقة” للاجئي غزة، والبيان التأسيسي لهيئة الثوابت

December 22nd 2010 | كتبها

 

د. إبراهيم علوش

 

السبيل 23/12/2010

 

أولاً: “معطف الريح”

 

حفلت وسائل الإعلام خلال الأسبوع المنصرم بتقارير عن منظومة “معطف الريح” المضادة للصواريخ المضادة للدبابات التي يفترض أن دبابات ميركافا 4 قد سلحت بها مؤخراً، قبل وضع كتيبة منها في محيط غزة. 

 

ومع أن الصحافة “الإسرائيلية” تشير أن منظومة “معطف الريح” ما برحت تعاني نواقص كبيرة، لم تبحثها لدواعٍ أمنية، إلا أن تقارير وكالات الأنباء العالمية، التي تناقلتها بعض وسائل الإعلام العربية بدون تدقيق، توحي بأن حجاباً الكترونياً بات يحمي الجنود “الإسرائيليين” القابعين بالدبابات!  وهو ما يجب أن يؤخذ مع الكثير من الشك…

 

إذ من الواضح أن قصة “معطف الريح” المزعومة جزء من الحرب النفسية ضد المقاومة العربية في غزة ولبنان، وضد المواطن العربي عامةً.  ولو افترضنا جدلاً أن كل ما قيل عن “معطف الريح” صحيح، فإنه لن يحمي الدبابات “الإسرائيلية” من الشحنات الناسفة على جوانب الطرق، ولا الألغام المضادة للدبابات، ولا من كل ما يتفتق عنه الإبداع الشعبي المقاوم…

 

الأهم أن القصة نفسها تكشف أن العدو في مأزق معنوي كبير لأن جنوده يخافون الموت، خاصة بعد الذي جرى لدباباتهم في جنوب لبنان، إلى درجة باتوا يتهيبون معها اقتحام غزة إلا داخل حجاب يعتقدون أنه سيحميهم.  إذن الكذبة على جنود العدو الذين سيرسلون في توابيت حديدية إلى حتفهم!  والعبرة هنا أن معنويات جنود العدو جد متهاوية.  والنقطة الأهم هي أن العنصر البشري نقطة الضعف الأكبر عند العدو، ولذلك يجب أن يُعول كثيراً على القناصة وعمليات الاقتحام المباشرة في المعركة القادمة مع العدو الصهيوني، إذ يجب أن نركز على مقاتلة الجندي الصهيوني لا دروعه.

 

ثانياً: حول تدريس المخرقة لأطفال اللاجئين في غزة

 

خيراً فعلت دائرة شؤون اللاجئين في حماس بتنبيه وكالة غوث اللاجئين بأنها ليست حرة في تدريس أبناء اللاجئين في غزة مادة المخرقة (بالخاء، وجمعها مخارق، كنايةً عما يكسر قوانين الطبيعة فلا يصدق).  ويجب التأكد فعلاً أن مثل هذا الاختراق الثقافي لن يتكرر، تحت طائلة المسؤولية. 

 

وكانت الأنروا قد اصطحبت المتفوقين من طلاب الصف التاسع في جولة حول العالم مروا خلالها بمتحف “المحرقة” في الولايات المتحدة.  وكانت وسائل الإعلام قد ذكرت في بداية العام الدراسي 2009/2010 أن أنباء عن إمكانية تدريس “المخرقة” لأطفال غزة قد أثارت قيادات حماس، ونرجو أن يكون الأمر قد توقف هناك.

 

مرة أخرى، قُتل اليهود كغيرهم في الحرب العالمية الثانية من الجوع والمرض والقصف، ولم يقتل يهودي واحد أو غير يهودي في غرفة غاز.  وهذا هو التحدي الذي يضعه الكتاب المراجعون في أوروبا لمن يجرؤ على مناظرتهم، بدلاً من معاقبتهم: اثبتوا لنا طريقة تشييد أو عمل غرفة الغاز!

 

إذن، المشكلة في “المحرقة”، لا في مبالغاتها، ولا عدد ضحاياها، بل أن غرفة الغاز هي بالتحديد الكذبة الكبرى.  وأهمية هذه الكذبة، التي يُمنع على أيٍ كان أن يناقشها،  أنها موتٌ فريد من نوعه يسخف كل موت أخر.  فهنالك، من أدنى إلى أعلى، جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، ثم يأتي التطهير العرقي، ومنه ما جرى للفلسطينيين عام 48، ثم هنالك عمليات الإبادة جماعية، وأخيراً هنالك أم الأهوال:  الهولوكوست، وهي أعلى نوع يمكن تصوره من انتهاكات حقوق الإنسان. 

 

يشار أن المؤرخين “الإسرائيليين” الجدد، مثل إيلان بابي وبني موريس وغيرهم، ممن كشفوا الفظائع التي ارتكبها الصهاينة خلال تأسيس دولة العدو الصهيوني عام 48، يقولون لك أن ما جرى للفلسطينيين فظيع، ولكن لا يمكن ولا تجوز مقارنته بالمحرقة… فالمخرقة تجب المعاناة الفلسطينية تماماً، كما تجب غيرها.  لذلك، يجب أن نكشف كذبة المخرقة بلا تردد، وأن نكتب ونحاضر ونبحث لفضح هذه الكذبة وتفنيدها بلا هوادة.  والمواد متوفرة على الإنترنت لمن يبحث عنها.

 

ثالثاً: حول البيان التأسيسي لهيئة الدفاع عن الثوابت

وقد صدر هذا البيان عن لقاء الهيئة في دمشق في نهايات شهر تشرين الثاني 2010،                   وهو أفضل بكثير مما سبقه، وقد بذلت فيه محاولة لأخذ تحفظات الناقدين بعين الاعتبار، ولكن على طريقة البيانات المطاطة التي يجد فيها كل طرف ما يريده، دون أن تؤكد حقاً على الثوابت.

 

مثلاً، هناك تعبير يقول أن قضية فلسطين ليست قضية دولة، بل قضية تحرير أرض، وهذا لا غبار عليه، فقضيتنا قضية تحرير أرض، لا قضية تأسيس دولة، ولكن هناك في أكثر من موضع أخر حديث عن حق تقرير مصير، الذي يعني تأسيس دولة، وهنالك طرح لمطلب الدولة بعد التحرير.

 

ولكن لو تجاوزنا هذا التفصيل، تبقى المشكلة المحورية في غياب شيئين:

 

الأول، غياب رفض واضح لمفهوم الدولة الواحدة،

 

والثاني، غياب رفض واضح لفكرة التعايش مع اليهود في فلسطين،

 

ويستتبع هذين الشيئين بالضرورة رفض الانخراط في المؤسسات الصهيونية مثل الكنيست.

 

ويبدو أن تيار “الدولة الواحدة” وتفرعاته ما برح يمارس تأثيراً قوياً على خط الهيئة وصياغاتها، حتى بعد مغادرة عزمي بشارة للهيئة، وهنا تكمن المشكلة.

 

باختصار، لا بد من الإصرار على صياغة تقول أن أرض فلسطين عربية من البحر إلى النهر، نقطة على السطر، وليس فقط القول أن فلسطين جزء من الوطن العربي، مع أن تلك خطوة متقدمة على ما سبق بكثير.

 

أخيراً، إن حديث بيان الهيئة عن وحدة وطنية يفتح الباب للتفاهم مع السلطة الفلسطينية ولإنقاذها من مأزقها الحالي.

 

نعم، وضعوا شروطاً لتلك الوحدة مع من ينسقون أمنياً وسياسياً مع العدو الصهيوني، ممن طلبوا من العدو الصهيوني عام 2007، حسب وثائق ويكيليكس، ضرب حماس في غزة، ولكنها شروطٌ للوحدة، لا للحوار مع السلطة، وبالتالي يمكن التراجع عن بعضها، وحتى السلطة تستفيد من فتح الحوار في هذه اللحظة… لو قبل اليهود والأمريكان.

 

 

 

الموضوعات المرتبطة

“إسرائيل الكبرى” بين الجغرافيا السياسية والأيديولوجيا

  إبراهيم علوش ربما تبدو مقولة "إسرائيل الكبرى" شطحة أيديولوجية تعتنقها قوى وشخصيات متطرفة تتموضع في أقصى يمين الحركة الصهيونية، وربما تبدو تلك المقولة نبتاً شيطانياً يرعاه أمثال "الحزب [...]

المنظومة الليبرالية في الغرب في مواجهة “أزمة غزة” داخلياً

  إبراهيم علوش – الميادين نت كان مهماً جداً الربط الذي أقامه المناضل جورج إبراهيم عبدالله، في حواره الخاص مع قناة الميادين في 3/8/2025، بين ظاهرة تصاعد الدعم الشعبي للقضية الفلسطينية، [...]

ماذا يريد الكيان الصهيوني في سورية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت من بين مئات الأميال المربعة الجديدة التي احتلها الكيان الصهيوني جنوبي سورية منذ 8/12/2024، يبرز عالياً جبل الشيخ، على وجه الخصوص، أو جبل حرمون بحسب اسمه الكنعاني [...]

هل كل من يناهض حكومة نتنياهو أو إحدى سياساتها مناهضٌ للصهيونية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت تحتكم سياسة الكيان الصهيوني، في علاقته مع المحيط الذي فُرِض عليه، إلى عاملين وجدانيين نقيضين، لكنْ متكاملين، لطالما حكما موقف أهل الغيتو من "الأغيار" خارجه. [...]

روسيا وإيران وغزة والخيوط الرفيعة بين الحقيقة والظلال

  إبراهيم علوش – الميادين نت في بيئة تتسم بالسيولة، وخصوصاً قابلية أجوائها للتحول سريعاً من تصاعد التوترات إلى عقد الاتفاقات، وبالعكس، كما في حالة وقف إطلاق النار في غزة مثلاً، أو [...]
2025 الصوت العربي الحر.