October 20th 2024 | كتبها
admin
إبراهيم علوش – الميادين نت
قبل يوم من ارتقاء سماحة السيد حسن نصرالله، نشر مركز أبحاث “إسرائيلي” متخصص في شؤون الجبهة الشمالية اللبنانية والسورية، هو “مركز ألما للأبحاث والتعليم”، تقريراً في موقعه بعنوان “مفترق الطرق الاستراتيجي في “الشرق الأوسط”: 4 سيناريوهات محتملة”، وذلك على خلفية الاستهداف المنهجي لقيادات الجناح العسكري لحزب الله، ولصواريخه ومخازنها ومنصات إطلاقها، وخصوصاً منذ 22 أيلول / سبتمبر الفائت.
المقصود هنا طبعاً حملة القصف المكثفة والشاملة التي طالت لبنان كله، ولا سيما البيئة الحاضنة من الجنوب اللبناني إلى الضاحية الجنوبية لبيروت إلى البقاع، والتي أُطلِق عليها اسم “أسهم الشمال”، وهي حملة دأب العدو الصهيوني على تغطية استهدافه الوحشي للمدنيين والبنى التحتية فيها بالتذرع باستهداف المقاومين والمقاومة، كما في غزة، كذلك في لبنان، في حين أن أنماط القصف الصهيوني في الحالتين راحت تميط اللثام عن أهدافٍ سياسية أوسع، من العقاب الجماعي، إلى التهجير، إلى تأسيس “مناطق عازلة” بلا سكان، إلى التمهيد للاستيطان استناداً إلى مقولة “إسرائيل الكبرى”.
يتجلى ذلك، أكثر ما يتجلى حالياً، في شمالي غزة حيث يحاول العدو الصهيوني تهجير سكانها بالكامل بعد تدميرها. وكما جرى في غزة، صدرت إنذارات جيش الاحتلال لسكان بلدات الجنوب اللبناني بالنزوح أولاً شمالي نهر الليطاني، ثم شمالي نهر الأولي، أي أكثر من 40 كيلومتراً شمالي الليطاني، كما تشهد “نيويورك تايمز” بخرائط مفصلة، في 16/10/2024.
تتركز المنطقة التي يستهدفها الكيان الصهيوني قصفاً وغزواً، بذريعة فرض تطبيق القرار 1701، جنوبي ما يسمى “الخط الأزرق”، من مصب نهر الليطاني في البحر المتوسط شمالي صور غرباً، وبمواكبة مجراه بحيث يتحول “الخط الأزرق” شمالاً قرب بلدة دير ميماس، ويستمر الخط صعوداً بمواكبة مجرى الليطاني بمحاذاة مرجعيون حتى يفترق عنه شرقاً، جنوبي حاصبيا تقريباً، ليستمر شرقاً وصولاً إلى حدود لبنان مع سورية، ثم جنوباً من شبعا إلى كفرشوبا إلى الغجر.
يغطي شرقي ذلك “الخط” إذاً حدود لبنان مع الجولان، وصولاً إلى جبل الشيخ/ الحرمون، أعلى سلسلة جبال لبنان الشرقية التي تفصل لبنان عن سورية. ولسوف نتجاهل أن جبل حرمون ذكر مراراً في التوراة، بحنينٍ وشغف، وأنه مثّل، بزعمها، الحد الشمالي الشرقي لغزوات العبرانيين الشمالية بقيادة موسى ويشوع.
المهم، عسكرياً، أن المنطقة التي حددها “الخط الأزرق” جنوبي شرقي لبنان تتاخم حدودَ الجولان السوري المحتل والمحرر. وفإذا جرى الاختراق الصهيوني لجنوب لبنان من تلك الجهة، أي من جهة بوابة فاطمة مثلاً، عبر محور المطلة-كفركلا، يضمن ذلك تأمين الجولان المحتل المفتوح لصواريخ حزب الله من الغرب، أو يضمن الالتفاف إلى الجزء المحرر منه نحو سورية إلى الشرق. ولم تكن مصادفةً أن تندلع شرارة الحرب البرية في 1/10/2024 من بلدة العديسة جنوبي كفركلا مباشرة.
أما إذا أراد الكيان الصهيوني التظلل بالقرار 1701 من زاوية “منع تسليح حزب الله من خلال سورية”، كما يجري الخطاب الصهيوني والمتصهين، فقد يسعى جيش الاحتلال إلى تطويق قواعد حزب الله برياً في قضاءي حاصبيا ومرجعيون اللبنانيين باتجاهٍ معاكس، من جهة القنيطرة في سورية، من أجل الالتفاف على الحد الشرقي لمحافظة النبطية من الشمال.
وبات هذا الاحتمال مطروحاً بجدية الآن بعد إزالة الكيان الصهيوني للألغام ووضع حواجز جديدة بين الجهة المحتلة من الجولان والمنطقة منزوعة السلاح (وليس داخل سورية كما زعم البعض)، بحسب تقرير لوكالة رويترز، في 15/10/2024، أضاف أيضاً أن القوات الروسية انسحبت من مرتفع تل الحارة في درعا المشرف على المنطقة.
وتشكل المنطقة منزوعة السلاح، المحددة في اتفاق الهدنة عام 1949، وتلك التي أضيفت إليها في اتفاق فك الاشتباك عام 1974، مئات الكيلومترات المربعة التي تشكل ممراً طبيعياً يزداد اتساعاً كلما تلوى شمالاً وغرباً بمحاذاة الجولان باتجاه بلدة شِبعا في لبنان (وهي غير مزارع شبعا المحتلة).
لكنّ النقطة المحورية، التي لا يستقيم الحوار بدونها هنا، تبقى أن الاستهداف الصهيوني لم يطل قيادات حزب الله فحسب، بل طال بعض مخازن صواريخه ومنصات إطلاقها، حتى زعم يواف غالانت، وزير الحرب في حكومة الاحتلال، بحسب “جيروزاليم بوست” في 23/9/2024، أن عشرات الآلاف من صواريخ حزب الله جرى تدميرها، كما تبجح بأن البنية التحتية التي أسسها حزب الله على مدى 20 عاماً جرى تدميرها في غضون أسبوع واحد، بحسب وسائل إعلام العدو في اليوم ذاته.
فإذا وضعنا التبجح الفارغ جانباً، وافترضنا جدلاً أن آلافاً من صواريخ حزب الله ومخازنها ومنصاتها جرى تدميرها فعلاً، بعد تحديد إحداثياتها بواسطة أجهزة النداء والاتصال اللاسلكي المخترقة صهيونياً، فإن ذلك يترك لدى الحزب آلافاً كثيرة غيرها قابلة للإطلاق، كما نرى يومياً.
الفيصل أن العدو الصهيوني وضع رهانه على تحجيم القدرة الصاروخية لحزب الله بالقصف الموجه، بعد رهانه على إطاحة منظومة القيادة والسيطرة لديه من خلال اغتيال قيادات الحزب وتعطيل شبكة اتصالاته داخلياً. وجاء ذلك كله بغرض تقليص قدرة الحزب على الرد على حملة تدمير للبنان أولاً، وتأمين عمقه الاستراتيجي قبيل غزوه البري للبنان ثانياً، وإضعاف دعم الحزب لغزة ثالثاً.
نقرأ، في ضوء هذه الخلفية، السيناريوهات الأربعة التي وضعها “مركز ألما للأبحاث والتعليم” إذاً، وهي الآتية:
السيناريو الأول: موافقة حزب الله على هدنة متبادلة (منفردة) مع “إسرائيل”، الأمر الذي يفتح بدوره 3 خيارات مستقبلية:
أ – أن تطبق “إسرائيل” القرار 1701 بنفسها، ما يقتضي استمرارها باستهداف قواه وأي جهد في اتجاه إعادة بنائها مستقبلياً، بعد ترتيبات سياسية تنص على منع الحزب من التعافي، أي تقدم غطاءًا له كي يستمر باستهداف الحزب.
ب – آلية تنفيذ تقوم عليها القوى الغربية، أو ترتيب آخر يمنع حزب الله من إعادة بناء قواه في جنوب لبنان.
جـ – استمرار الوضع الذي كان سائداً طوال الـ 18 عاماً الفائتة، إذ أعاد الحزب خلالها بناء قواه، في حين “فشلت اليونيفيل في تطبيق القرار 1701 فشلاً ذريعاً” (ومن البديهي أن هذا الخيار يُطرح في الورقة تهكماً، بكثيرٍ من المرارة، وتحذيراً من المستقبل).
السيناريو الثاني: إصرار حزب الله وإيران على مواصلة إطلاق النار، الأمر الذي يستدعي توسيع نطاق الحرب، وإرسال القوات البرية لاجتثاث قدرات حزب الله المترسخة في مئات البلدات والقرى الجنوبية. ومن المرجح في هذا السيناريو، بحسب التقرير، أن تُحرِّك إيران “وكلاء إقليميين إضافيين، وخصوصاً في سورية”.
السيناريو الثالث: وهو سيناريو تصاعدي، نابع من السيناريو الثاني، ويقوم على دخول إيران الحرب مباشرةً، لا عبر “وكلائها” فحسب. وفي هذه الحالة يمكن للضربات “الإسرائيلية” أن تتوسع لتشمل المواقع النووية وقواعد الصواريخ والمنشآت الحيوية الإيرانية، بحسب التقرير.
ويرى التقرير أن هذا الاحتمال ليس الأكثر ترجيحاً بالنظر إلى أن الحشودات العسكرية الأمريكية في المنطقة تستهدف تحديداً رفع كلفة هذا الخيار بالنسبة لإيران. ومع ذلك، يرى كتاب التقرير أن ذلك الاحتمال لا يمكن استبعاده تماماً نظراً إلى ثقل البعد العقائدي في صناعة القرار في إيران في مقابل حسابات الربح والخسارة.
السيناريو الرابع: التوصل إلى هدنة في غزة تقود تلقائياً إلى خفض التصعيد في الجبهة الشمالية، وهو السيناريو الذي تقول الورقة إنه يعيد بالضرورة طرح الخيارات الثلاثة التي أنتجها الخيار الأول: إما أن تدخل “إسرائيل” كي تقضي على حزب الله بنفسها، وإما أن يجري ذلك بآلية تنفيذ غربية، وإما عودة حزب الله إلى بناء قواه كما جرى بعد عام 2006، وتخلص الورقة في الخاتمة إلى النتيجة المحددة التالية: “إن المجتمع الدولي ملزمٌ أن يضمن لإسرائيل أن ذلك (أي إعادة بناء حزب الله لقواه) لن يحدث”.
يعني ما سبق أن المطروح هو تفكيك حزب الله وقدراته العسكرية، عسكرياً أو سياسياً، سواء قبِل وقف إطلاق النار أم لم يقبله. وبرأيي المتواضع أن إدراك قيادة الحزب لتلك الاستراتيجية الحاكمة للرؤية الغربية-“الإسرائيلية” للمشهد اللبناني هو ما يجعلها تفسح حيزاً واسعاً لرئيسي الحكومة ومجلس النواب اللبنانيين، ميقاتي وبري، كي يجربا التوصل إلى وقف إطلاق نار، لأن المطروح فعلياً هو إعادة تشكيل لبنان بمقاسات أمريكية وصهيونية، لا التوصل إلى وقف إطلاق نار.
فليكتشف مناهضو المقاومة في لبنان ذلك بأنفسهم إذاً، وليحدث فرز للصفوف، وليدرك من يريد أن يجرب “الحلول الدبلوماسية” أن الطريقة الوحيدة لدفع الكيان الصهيوني للتوقف عن عدوانه هو إفشاله بالمقاومة، وبالتالي بدعمها، في غزة وفي لبنان. وليلاحظ هؤلاء أن استطلاعات الرأي في الكيان الصهيوني أظهرت تحسناً كبيراً في شعبية نتنياهو بعد تصعيد العدوان على لبنان في الشهر الفائت على حساب يائير لابيد وغيره.
أما الحزب فلا يلقي سلاحه، الذي أثبت العدوان الصهيوني المتجدد أنه أكثر أهمية من أي وقتٍ مضى. كما أن الحزب لم يتخلَ عن غزة ومقاومتها أبداً، كما يروج المتخرصون، وها هو ماضٍ في استهداف الكيان الصهيوني دعماً لغزة ومقاومتها، ودفاعاً عن لبنان، في آنٍ واحد، بالرغم من الآلام والجراح.
يلاحظ هنا أن مركز أبحاث أمنياً “إسرائيلياً” آخر، هو “مركز مائير آميت لمعلومات الإرهاب والاستخبارات”، أشار في تقريرٍ له، في 27/9/2024، إلى أن تقدير المركز هو أن حزب الله مُصِرٌ على إنهاك “إسرائيل” ما دام وقف إطلاق النار لم يجرِ التوصل إليه في غزة، وأن الحزب سيواصل الضغط على “إسرائيل” لإيقاف هجماتها في لبنان من خلال مهاجمة أهداف عسكرية ومدنية أبعد وأبعد عن الحدود، وأنه سيثأر لاستهداف كبار قيادييه عميقاً في “غوش دان” (قلب الكيان الصهيوني)، لكنه وإيران سيبقيان حريصين على عدم تطور الأمور إلى حرب شاملة، فإذا دخلت “قوات الدفاع الإسرائيلية” لبنان براً، فإنه سيعيد تقييم خياراته ويصعد هجماته، إضافةً إلى المنظمات الأخرى التي تنتمي إلى محور المقاومة.
نستحضر هنا ما قاله السيد حسن نصرالله في 6/1/2024: “إذا هزمت المقاومة في غزة، فإن الدور القادم سيكون جنوب لبنان”، وما قاله في 9/7/2024 ومفاده أن “المقاومة ماضية بإسناد غزة حتى تحقق هدفها”، وما قاله في 19/9/2024، بعد تفجير أجهزة النداء والاتصالات اللاسلكية، ومفاده أن “أهم أهداف الضربة الإسرائيلية الضغط على الحزب للإنسحاب من معركة إسناد المقاومة في غزة”، وما قاله منذ خطابه الأول بعد دخول الحزب على خط إسناد غزة في 8/10/2023 وهو أن “من غير المسموح به أن تهزم المقاومة في غزة”. ومن أصدق من الدم إذا تكلمَ؟ وهل تتوقعون من أبنائه أن يحنثوا بعهده؟
الحقيقة أن جماعة “الحلول الدبلوماسية” يلعبون في الوقت الضائع ما دامت وجهة المعركة لم تتضح نهائياً بعد. وكما استنتج تقرير صادر عن “مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية” الأمريكي CSIS، في 4/10/2024، وثق بالإرقام حرص حزب الله على عدم تطور التصعيد على الجبهة الشمالية إلى حربٍ شاملة، وعلى بقاء الصراع تحت السقف، فإنه “سيكون من الصعب تحقيق وقف دائم لإطلاق النار، على الرغم من المبادرات الدبلوماسية، إذ إن هجوم 7 أوكتوبر، الذي شنته حماس، مثل لحظة تحول تاريخي لدى حكومة إسرائيل وشعبها عزز شعور البلاد بعدم الأمان. وأفضل ما سيتمكن المفاوضون من تحقيقه هو إدارة تصعيد العنف ومنع حرب شاملة تدمر جزءاً كبيراً من لبنان، وتمتد إلى سورية والعراق واليمن ودولٍ أخرى”.
أما بعد أن وقعت الحرب الشاملة في غزة ولبنان، فإن احتمال توسعها براً إلى جنوبي سورية بات مطروحاً بقوة، ولعل من مؤشرات ذلك تحريك المجاميع الإرهابية المسلحة من المنطقة الجنوبية إلى المنطقة الشمالية إلى داعش وأخواتها في محيط بادية حمص ومنطقة التنف، زائداً الضربات الجوية “الإسرائيلية” المستمرة.
فإذا كان المقصود بالحرب الشاملة انخراط إيران المباشر فيها، فإن ذلك لن يتعدى الضربات المتبادلة الجوية والصاروخية، والتي بدأت بالفعل، إذ ليس من المرجح أن تغزو الولايات المتحدة إيران براً.
وبحسب تقرير لـ “مجموعة الأزمات الدولية”، في 16/10/2024، حمل عنوان “مرتفعات الجولان وجنوبي غربي سورية”، فإن مسرح الصراع البري بين إيران والكيان الصهيوني سيكون الجهة السورية المتاخمة للجولان من خلال جماعات محلية مدعومة إيرانياً تقصف الكيان الصهيوني بصواريخ قصيرة ومتوسطة المدى، بحسب زعم التقرير.
يستدعي ذلك بالضرورة، بحسب التقرير ذاته، “رد فعل” من طرف “إسرائيل” يؤدي إلى التصعيد. وبالتالي، فإن منع ذلك التصعيد يتطلب التوصل إلى تفاهمات سياسية مع الدولة السورية لـ “تقييد الوجود الإيراني” جنوبي سورية.
وهي توصية تمثل تغريداً خارج السرب لا معنى لها فعلياً بالنظر إلى أن التوجه الحاكم، أوروبياً وأمريكياً، يبقى الاستمرار بمحاصرة سورية، وأن مشكلة احتلال الجولان هي مشكلة عربية سورية سابقة لنشوء الجمهورية الإسلامية في إيران، وأن العدوان الصهيوني المتكرر على سورية لم يبدأ مؤخراً، وكثيراً ما طال أهدافاً سورية خالصة، ولن ندخل في الدور الصهيوني المباشر في دعم المجاميع الإرهابية المسلحة في سورية التي كثيراً ما تقودها عصبيتها الطائفية إلى مواقف موتورة من محور المقاومة. أما تشفيها باستشهاد إسماعيل هنية، ومؤخراً القائد المجاهد المقدام يحيى السنوار، فلا يُظهر إلا تصهينها.
للمشاركة في فيسبوك:
هذا الموضوع كتب بتاريخ Sunday, October 20th, 2024 الساعة 9:10 pm في تصنيف
مقالات سياسية واقتصادية. تستطيع الاشتراك لمتابعة الموضوع من خلال
RSS 2.0 تغذية الموقع.
كما يمكنك
اضافة رد, او
تعقيب من موقعك.