نحو تحديد موقف قومي جذري من مأساة العراق

June 13th 2014 | كتبها

– قبل كل شيء، لننتبه أن القيادات الكردية احكمت سيطرتها على كركوك التي طمعوا بضمها لإقليمهم منذ سنواتٍ طوال.. وهذه كارثة قومية يتحمل مسؤوليتها من زعزعوا سلطة الدولة العراقية المهلهلة أصلاً على أراضيها.

– لننتبه ثانياً أن هجمة داعش وحلفائها في المحافظات السنية يجب أن تقيم أساساً من الزاوية الإقليمية: في جيب أي قوى إقليمية تصب؟ من تخدم في الإقليم؟ ومن تستهدف؟

– هذا يعني أن المنطلق المبدئي في تقييم تلك الهجمة الداعشية لا يبدأ من خرم إبرة الوضع الداخلي العراقي وتناقضاته، خاصة الطائفية منها، بل من زاوية: أ – الصراع الجاري في الإقليم وعليه، ب – الأزمة في سورية، ج – طبيعة برنامج داعش السياسي وقياداتها.

– أما إذا انطلقنا في تقييم تلك الهجمة من الوضع الداخلي العراقي، فسيكون من السهل إطلاق أحكام عشوائية عن تساوي طائفية داعش وحلفائها مع طائفية المالكي وحلفائه.

– لكن بسط سيطرة داعش وحلفائها على محافظة نينوى وأجزاء من محافظة صلاح الدين وكركوك وغيرها جاء ليصب: أ – في مصلحة تعزيز وضع آل سعود وحلفائهم في الإقليم، ب – تعزيز وضع القوى الإرهابية والتكفيرية في الرقة ودير الزور وفي سورية عموماً، ج – في سياق مشروع طائفي-تكفيري في برنامجه وقيادته هو أحد أدوات التفكيك و”الشرق أوسطية” موضوعياً.

– هذا يعني أن التحالف مع داعش لا يمكن تبريره مثلاً بمقاتلة الاحتلال الأمريكي الذي رحلت قواته عن العراق عام 2011، ولا يمكن فهمه إلا في سياق طائفي وخدمة أجندة البترودولار في المنطقة.

– لا شك أن موضوع المالكي والقوى الطائفية في الطرف المقابل، التي مارست إجراماً طائفياً بدورها وكرست دورها و”حصتها” في العراق بالتعاون مع الاحتلال، والتي لا تمتلك مشروعاً وطنياً ولم تمتلكه يوماً، يمثل عقدة خلافية في صفوف مناهضي الإمبريالية والصهيونية في الوطن العربي، وفي صفوف الممسكين ببوصلة مصلحة الأمة، لكن الواقع المر هو أن المالكي، بكل عيوبه، متقاطعٌ موضوعياً، مرحلياً، لأسبابه المختلفة عن أسبابنا، مع مصلحة الأمة الآن: أ – في مواجهته مع القوى الإرهابية والتكفيرية وداعميها الخليجيين، ب – في دعمه لسورية، ج – في سعيه لإبقاء العراق موحداً ولو من منطلق الاستحواذ والمغالبة البعيدين عن أي برنامج وطني عراقي.

– ما يجري يؤشر على انفجار صراع رهيب على مستوى الإقليم برمته لن تكون بمنأى عنه حتى دول المغرب العربي، وهو يؤذن بتصاعد الصراع الطائفي من اليمن إلى لبنان، ويهدد بتفكيك دول التجزئة العربية وإضعاف جيوشها، مما يمهد لتحديث اتفاقية سايكس-بيكو بعد مئة عام من توقيعها. فما يجري بين غرب العراق وشرق سورية يشكل تهديداً وجودياً للأمن القومي العربي، للدول المركزية بخاصة، ولا يمكن فصله عن محاولة ضرب واستنزاف الجيشين السوري والمصري، ولن تكون السعودية التي يدعم حكامها الإرهاب بمنأى عنه، خاصة أنها موضوعة على قائمة التفكيك أيضاً في مشروع “الشرق أوسطية”.

– مصلحة الأمة إذن في منع انفجار الفتن والحروب الأهلية، ورفض إقامة الإمارات الطائفية أو الاثنية والجهوية، ولو حدث ذلك في السعودية نفسها، لاتخذنا الموقف نفسه الذي نتخذه في رفض تفكيك العراق أو سورية. ولن يعني ذلك وقتها أننا نقدم شكاً على بياض للنظام السعودي أو أننا نوافق على سياساته وتوجهاته، أو أننا لا نحمله مسؤولية وصول الأمور إلى ما وصلت إليه.

– لكن في ظل تراجع المشروع القومي الوحدوي، والوطني التحرري، صرنا كمشروع قومي في حالة دفاعية، تضطرنا للدفاع عن كل ما يمنع المزيد من التفكيك، والمزيد من الهيمنة الإمبريالية.

– لنتذكر إذن أن إزالة الدولة الُقطرية، أي الناتجة عن تجزئة الوطن العربي، يجب أن يأتي لمصلحة تأسيس دولة الوحدة العربية، وهذا هو جوهر المشروع القومي، أما إزالتها وإضعافها لمصلحة مشروع التفكيك وتاسيس المزيد من الدويلات على أنقاضها، فلا يمكن تمريره كمشروع قومي أو حتى وطني بأي شكل.

– مع هذا، ثمة فرق بالضرورة بين الدولة القُطرية ذات التوجه القومي، أو الساعية للحفاظ على استقلالها، مثل سورية حالياً أو العراق في ظل النظام الوطني السابق، أو مصر عبد الناصر طبعاً، وبين الدولة القُطرية التابعة للإمبريالية.

– لكن حتى هذا لا ينفي أن للدولة القُطرية أخطاء وسياسات لا نوافق عليها، وأن بعضها ارتكب مساومات انتهازية على المبدأ، إنما المسالة مسألة أولويات، وتوقيت، ولو كدسنا كل أخطاء الدول القُطرية الوطنية المستقلة معاً لما وصلت إلى ربع خطيئة التبعية للإمبريالية والتطبيع مع الكيان الصهيوني.

– عودة للعراق، علينا أن ندعم القوى التي تواجه التكفريين المرتبطين بالبترودولار، مع إدراكنا الكامل لنقائصها وحدودها وطبيعتها..

ونطرح هذه المادة للنقاش بين القوميين في زمن اختلطت فيه الأوراق لدرجة جعلت الواحد منا يشعر أنه “يحمل في الداخل ضده”… كما قال مظفر النواب.

للمشاركة على الفيسبوك:

https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=895122430504993&id=100000217333066

الموضوعات المرتبطة

هل تنجح إجراءات ترامب في إبعاد الاقتصاد الأمريكي عن حافة الهاوية؟

  إبراهيم علوش – الميادين نت حذّر آخر تقرير لصندوق النقد الدولي من أن جولات رفع الرسوم الجمركية التي أطلق دونالد ترامب العنان لها أحدثت "صدمة سلبية كبرى" في الاقتصاد العالمي، وأن تصاعد [...]

سياسة رفع الرسوم الجمركية والردّة الجديدة على آدم سميث

  إبراهيم علوش – الميادين نت على هامش حملات رفع الرسوم الجمركية التي أطلقها الرئيس ترامب، تهز عاصفة هوجاء أركان كليات الاقتصاد في الجامعات الغربية.  فما كاد أنصار المدرسة النيوكلاسيكية [...]

قراءة في العقل السياسي لدونالد ترامب واليمين الشعبوي

  إبراهيم علوش – الميادين نت في مستهل الألفية الثالثة، راحت العولمة، كظاهرة طاغية، تفرض وجودها في كل مناحي الحياة فعلياً.  وانزلق كثيرون ممن انكبوا على تحليلها إلى اختزالها في بعدٍ أحادي، [...]

قراءة في أبعاد اللعبة الدولية من سورية إلى أوكرانيا

  إبراهيم علوش – الميادين نت تداول محللون كثر، بعيد الانهيار الكبير في سورية، فكرة إجراء روسيا مقايضة بين أوكرانيا وسورية تتخلى بموجبها عن دعم الثانية في مقابل تسوية بشروطها في الأولى.  [...]

اليمن وغزة يشتعلان، وعين ترامب ونتنياهو على إيران

  إبراهيم علوش – الميادين نت   يشكل تصعيد العدوان الأمريكي على اليمن لغزاً حتى بالنسبة إلى المراقبين الأمريكيين، إذ يستخدم الرئيس ترامب الأدوات العسكرية المكلفة ذاتها في مواجهة حركة [...]
2025 الصوت العربي الحر.